رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

سؤال سميحة أيوب مرة أخرى!

حين تساءلت الفنانة سميحة أيوب عن حالة التراجع التى ضربت المجتمع المصرى فى التعامل مع مسرحية جان بول سارتر «المومس الفاضلة»، كانت تبحث عن تفسير ثقافى واجتماعي، لأن السؤال فى جوهره يمس «العقل». لكن رد فعل قطاع من القراء ابتعد عن الثقافة وعلم الاجتماع، وصب جل اهتمامه على السياسة تفسيرا شافعا جامعا، حتى إن زميلا صحفيا علق على مقال «سؤال سيمحة ايوب وأصل الأزمة» منتقدا: إن خلط الفترات التاريخية هكذا، وكأن السبعينيات والتأخون والتسلف وستينيات ثروت عكاشة والسيد بدير شيئا واحدا، وهذا ـ لا مؤاخذة ـ لا يصح، وبهذه الطريقة لن نصل إلى حلول، لأن التشخيص ليس دقيقا.

كان ملخص مقالى أن مصر فى عصرها الحديث منذ محمد على باشا إلى الآن، لم تستطع أن تبنى عقلا جمعيا عصريا، يفكر بأسلوب علمى منظم، فى كل جنبات الحياة من أتفه الأشياء إلى أعقدها، يلائم طبيعة العصر الذى لا يكف عن التطور والتحليق فى فضاءات المعرفة والتكنولوجيا، ويعيد قراءة واقعه بطريقة تمكنه من حل مشكلاته، وإنما نجحت فى صناعة «شريحة» من المجتمع تتمتع بهذا العقل الجديد، شريحة تتسع وتضيق حسب الظروف، لكن الجزء الأكبر من عقل المجتمع ظل مغروسا فى ثقافة القرون الوسطى وقيمها، والقيم غير الأخلاق، القيم هى الروافع والدوافع المحركة لنشاط المجتمع اليومية فى حياته العامة والخاصة، والأخلاق بعض منها، مثل إتقان العمل، حرية العقيدة، احترام الآخر، إعلاء قيم القانون على العادات والتقاليد، تقدير الوقت وإدراك قيمته، وأن الاجتهاد والمثابرة والالتزام وليس الفهلوة أصل النجاح فى الحياة..الخ. لكن زميلى الصحفى دفاعا عن حقبة الستينيات وصف تشخيصى بعدم الدقة، لأنى فى رأيه ساويت بين عصور الملوك والرؤساء، وعصر عبد الناصر وعصر السادات.. وقطعا لم أقصد هذا، لأننى لم أتحدث عن كل عصر بتفاصيله الصغيرة، لكن راجعت حالة المجتمع ككل، صحيح أن مصر أيا كان نظامها عملت بعد الحملة الفرنسية بجدية، لتنفض عن نفسها صدأ القرون الوسطي، لكن ولا مشروع لها اكتمل إلى نهايته لأسباب كثيرة، أهمها محدودية التعليم فى الحقبة الملكية، ثم تدهور التعليم فى نهاية السبعينيات، وقد تعاظم التدهور مع دخول «المعونة الأمريكية» إلى قلب التعليم المصري، والآن ونحن نحاول  تعديل المنظومة المعوجة نجد أنفسنا أمام معضلة عويصة جدا، رغبة وعمل شديد وتغيير فى جانب، وعجز رهيب فى عدد المدارس والمدرسين فى جانب آخر، كما لو أنك تشيد صرحا فى ناحية، ويسقط منك صرح فى الناحية المقابلة، وهذا موضوع آخر.

ولا يمكن إنكار دور ثروت عكاشة والسيد بدير ومئات الأسماء اللامعة ومعهم قصور الثقافة الجماهيرية والنهضة المسرحية والسينمائية وإنشاء التليفزيون، لكن لو كان تأثيرهم كبيرا وعميقا، فكيف كان سهلا أن يخترق الفكر السلفى والتأخون قطاعات غير قليلة من المجتمع فى أقل من عشر سنوات؟، كيف تبدد ما زرعوه فى العقل الجمعى للمجتمع فى بضع سنوات، باختصار لأن هذا التأثير انحصر فى شريحة من المجتمع، صحيح أن الشريحة اتسعت بدرجة ملحوظة مع التعليم الإلزامى ومجانية التعليم الجامعي، لكن ظل ثلثا المجتمع على الأقل نائيا عن هذا التأثير، عقله على قديمه يقتات على الخرافات والفهلوة ومفاهيم دينية غير صحيحة ولا يدرك قيمة الوقت..الخ،  فكان طبيعيا أن يجد فيهم  الفكر الإخوانى والجهادى والسلفى ضالته..وأن يطفو على سطح المجتمع فى التفكير والمفاهيم. وقد يسأل البعض: كيف يوجد متعلمون إلى حد درجة الدكتوراة، فى هؤلاء الذين عقولهم على قديمه؟

طبعا سؤال صعب، والإجابة فى التفرقة بين أمرين، التعليم إلى درجة التفوق فى نقل المعلومات الدراسية وتخزينها فى العقل دون التعمق فى فلسفة المعرفة العلمية، وبين صناعة عقل جديد مؤسس على التساؤل والبحث والتمحيص والنقد، وكان نظامنا التعليمى كله يختبر قدرة الطلاب على التلقين والحفظ، وليس التفكير والتحليل، والفارق بينهما كالفارق بين السفر بالدواب حتى لو كان على حجرك جهاز كمبيوتر، وبين السفر فى طائرة نفاثة. وسأل قارئ سؤالا من باب السخرية: ومتى ستعرض مسرحية الشريفة الفاجرة؟، ولماذا تفرض علينا حضارة الغرب وقيمه فرضا وإجبارا، .. يا جماعة .. مصر لها حضارة  مختلفة عن قيم ومفاهيم وأخلاق الغرب، ونحن نستغرب كيف تقاومون الاحتلال الغربي، وفى نفس الوقت تركعون بخشوع لأدبه وقيمه ومفاهيمه، وتعتبرون من يعترض عليها رجعيا، لن نستسلم لقيم ومفاهيم فيلسوف الوجودية.

وأجبت: الثقافة عمل إنساني، والإنسان هو الإنسان شرقا أو غربا، شمالا أو جنوبا، صحيح أن المفاهيم والتقاليد والعادات تختلف من ثقافة إلى ثقافة، لكن لا يعد الاطلاع على ثقافة الآخرين وفنونهم فرضا وإجبارا، وسؤالى لك: هل قرأت المسرحية؟، ماهى المفاهيم الغربية فيها التى تخص الغرب منفردا ولا تخص الإنسان عامة؟، التعدد الثقافى والمعرفى ليس ركوعا للغرب أو للشرق، سواء كانت المسرحية فرنسية أو يابانية، أنت ترفض لفظا فى اسم المسرحية، فكيف تتصرف مع ألفاظ شبيهة واردة فى الأحاديث النبوية وكتب الدين؟، ماذا عن البعثات العلمية لأوروبا وأمريكا، وطلابها لا يشاهدون مسرحية فى ساعة ونصف الساعة، بل يعيشون فى قلب الغرب وقيمه ومفاهيمه لسنوات، فهل نحبس أنفسنا داخل حدودنا الثقافية حتى لا نتعرض لرياح الغرب العلمية والحضارية فنتجنب الركوع لهم؟

لم يطلب أحد أن نهمل تقاليدنا وعاداتنا وقيمنا ونمضى على قضبان الغرب عميانا، لكن الإنسان يتقدم بتجاربه وتجارب الآخرين الأكثر تطورا، وإذا أغلق على نفسه بابه فهو يعود إلى الكهف، وللأسف مازال قطاع عريض منا يفعل ذلك. ولا حل إلا بأن تتسع شريحة العقل العصرى وتسحب معها غالبية المجتمع كما حدث فى اليابان مثلا!.


لمزيد من مقالات نبيل عمر

رابط دائم: