رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

توسع العمران وتصنيع واستزراع الصحراء

لاريب فى حتمية توسيع المعمور المأهول من أرض مصر خاصة عبر تصنيع واستزراع الصحراء، لأن مساحة مصر البالغة نحو مليون كيلو متر مربع، لايتعدى المأهول منها بنسبة ٧.٨٪ فى عام 2021. ويُقَدَّر أن 26% من مساحة مصر قابلة للتوسع العمرانى. وفى ضوء ما سبق تبرز حتمية وفرصة الخروج إلى الصحراء. وأما مضاعفة مساحة العمران, فإنها تبدأ بإنشاء شبكة من الطرق الصحراوية الشريانية، وإقامة تجمعات عمرانية جديدة فى الصحراء, وهو ما يتيح تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية، والارتقاء بنوعية حياة المصريين، وتعزيز الأمن القومى لمصر والأمن الإنسانى للمصريين.

وفى أصول الدعوة المبكرة الى التوسع العمرانى تبرز رؤية جمال حمدان حيث يُفَصِّل ضرورات وإمكانات وسياسات: تطوير الريف المصرى وحماية الأرض المزروعة، من جهة، والتوسع الصناعى فى الصحراء واستغلال ثرواتها التعدينية، من جهة ثانية. وفى هذا المقال، وقبل تناول ما تشمله مشروعات بناء مصر المستقبل فى عهد الرئيس السيسى لتحقيق غايات التوسع العمرانى، أوجز أهم ما تناولته رؤية جمال حمدان, حين كان عدد سكان مصر نحو 45% من عددهم الراهن، وقبل انفلات فوضى الاعتداء على الأرض المزروعة.

وبين ما تضمنته هذه الرؤية أسجل، أولا، إن الإسكان الريفى المسطح فى الريف مسرف جدا بتمسكه بمسكن الطابق الواحد؛ وعلى التخطيط لمستقبل مصر والمصريين أن ينظر بجدية فى مبدأ مضاعفة- وربما تثليث- طوابق المسكن القروى، لإنقاذ الأرض المزروعة وتطوير الريف المصرى. ومع الهجرة إلى الدول البترولية ثم العودة جرى استثمار الادخار المكتسب فى بناء المساكن على الأراضى الزراعية المحيطة بالقرى أو على أطرافها؛ فأصبحت القرى- وليست المدن وحدها- من قوارض الأرض الزراعية. وفى مواجهة قوارض الأرض الزراعية النهمة وعوامل التعرية الداهمة تبرز ضرورة تفادى توسع المدن وبناء المصانع وتشييد الطرق خصما من الأرض المزروعة، وحتى فى دفن الموتى فان مصر الحديثة لا تملك أن تكون أقل حكمة من مصر القديمة؛ حيث كانت القاعدة الصارمة أن الطين للأحياء والرمل للأموات؛ دون تقيد بقربها من السكن.

وثانيا، أنه منذ 1952 حتى النصف الأول من الثمانينيات بلغت مساحة الأراضى الزراعية التى التهمتها الاستعمالات غير الزراعية غير المنتجة نحو 640 ألف فدان بحسب الأرقام الرسمية. وفى 1952 كانت مساحة الرقعة الزراعية نحو 6 ملايين فدان، فاستصلحنا منذئذ نحو مليون فدان، زرعنا منها نحو نصف مليون، لكن الرقعة المزروعة الآن لاتزال 6.3 مليون، وبذلك، فقدت مصر مليون فدان من الأرض المزروعة. ويقدر معدل هدر هذه الأرض بين النصف الأول من السبعينيات والنصف الأول من الثمانينيات بنحو 52 ألف فدان سنويا، منها: 53% للمبانى السكنية، 26% للخدمات العامة بالقرى، 21% للتجريف وضرب الطوب!! ويعنى متوسط الفاقد السنوى ضياع نصف مليون فدان كل عقد، وإذا استمرت معدلات استصلاح الأراضى الحدية ومعدلات تآكل الأراضى الجيدة فسيكون المستصلح مساويا للمفقود؛ وتكون المحصلة الصافية دون الصفر فى سنة 2000.

وثالثا، أن المبدأ، الذى ينبغى أن يعلو فوق كل مبدأ فى إستراتيجية تخطيط أرضنا، هو اقتصاد المكان؛ بوضع دستور لاستخدامات الأرض فى مصر يقنن أن يكون الطين للزراعة وللرمل ما ليس كذلك، وأن تكون مصر جزيرة من الزراعة تحيط بها الصناعة من كل الجهات؛ بتصحير العمران وتصنيع الصحراء. وفى هذا السياق، يرحب صاحب شخصية مصر بسياسة المدن الجديدة الصحراوية المرتكزة على الطرق الصحراوية الشريانية، وإن تمنى أن تبتعد بما فيه الكفاية عن أطراف القاهرة عاصمة مصر الأخطبوطية!! وأن يرفع شعار: أذهب شرقا أيها المعمار، أذهب شرقا!! فتكون هوامش وأطراف الوادى والدلتا نطاق توسع وتركز العمران والبناء والإسكان والصناعة؛ وتغدو منطقة قناة السويس المصنع والمسكن الطبيعى للدلتا، والضفة الشرقية للنيل المصنع والمسكن للصعيد.

ورابعا، أنه إذا كان الوقت قد أصبح متأخرا جدا لاستنقاذ كثير من الأرض الثمينة التى ابتلعها الإسكان والعمران والمدن؛ فما زال من الممكن توجيه النمو المستقبلى فى الاتجاه الصحيح. فأولا، ينبغى للمدن والضواحى والفيلات أن تتوسع وتنمو رأسيا على الرمل، ولا مكان داخل الوادى والدلتا إلا لعمارات الأبراج العالية والطوابق المتعددة فقط، وينبغى تحفيز نمو المدن الشريطية على امتداد هوامش الصحراء فى مواجهة الوادى فتكون منه ولكن ليست عليه. وإذا كان التصنيع مطلبا اقتصاديا جوهريا وضرورة قومية فائقة، فإنه ينبغى ألا يضر بالأرض الزراعية إلا فى الحد الأدنى اللازم، وتنبغى إقامة المصانع والمدن الصناعية خارج الأرض السوداء.

وخامسا، أنه فى شرق العوينات وعلى مساحة نحو 24 ألف كيلو متر مربع؛ أى نحو 6 ملايين فدان من الأراضى الصالحة للزراعة دون حاجة إلى استصلاح، وهذه تساوى مساحة الأرض المزروعة بوادى النيل نفسه. ولمياه الرى مصدر ذاتى هو مياه الخزان الخراسان النوبى الكبير، الذى يُقدر حجمه - وفى الـ 150 مترا العليا فقط - بنحو ألف مليار متر مكعب؛ تكفى للرى مدة 500 سنة. ومصدر بديل هو قناة تخرج من بحيرة ناصر وتتطور لتتصل بواحات الصحراء الغربية والساحل الشمالى الغربى.أضف إلى هذا مشروع ترعة السلام، الذى يتيح استصلاح 596 ألف فدان فى شمال شرق الدلتا وفى شمال سيناء.

وللحديث بقية.


لمزيد من مقالات د. طه عبدالعليم

رابط دائم: