رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حتى لا يدفع الفقراء فاتورة الأزمات

كشفت جائحة كورونا وقبلها كل الأزمات الاقتصادية فى النظام الرأسمالى عن الحجم الهائل للخلل وعدم العدالة فى بنية هذا النظام.فمثلا رغم الظروف الاقتصادية الصعبة للجائحة تحول فى 2020 أكثر من خمسة ملايين شخص فى العالم إلى مليونيرات، وزاد فى 2021 عدد الأشخاص (بنسبة 24%) الذين يملكون أصولا تزيد على 30 مليون دولار، وهو أسرع معدل إثراء منذ 2003. وكانت المكاسب الأعظم للصناعيين الجدد المستخدمين للتقنيات الجديدة والرقمية، بحكم زيادة الطلب عليها خلال الجائحة. فمثلا خلال الفترة من مارس 2020 إلى ابريل 2021، زادت ثروة ماسك مؤسس شركة تسلا 147 بليون دولار(600%) وزادت ثروة بيزوس مؤسس شركة أمازون 84 بليون دولار (74%)، وزادت ثروة زوكربرج مؤسس فيسبوك 59 بليون دولار (108%). وبالمفارقة ارتفع الفقر المدقع عالميا إلى 124 مليون فرد خلال الجائحة، وهو رقم غير مسبوق خلال العقدين الأخيرين. كذلك تراجع مؤشر عدالة توزيع الدخل فى العديد من المناطق فى العالم فى ظل عجز السياسات العامة فى تحقيق التوزيع العادل لأعباء الجائحة.ومازال الكثير من الدول ينتهج فى مواجهة الأزمات ذات الحلول التى زادت من الهوة بين أوضاع الثراء والفقر. فأغلب الدعم المالى الذى توجهه الدول لتحجيم آثار الجائحة يذهب للمشروعات الخاصة فى مواجهة تباطؤ النمو فى هذه البلدان.والأزمات المتولدة من هذه الاختلالات والتناقضات (ومنها الركود التضخمى الراهن)، لا ينبغى أبدا أن يتحمل عبئها الفقراء، ليضاف إلى الظلم الواقع عليهم ظلما إضافيا مزدوجا (البطالة وتراجع الدخل مع ارتفاع الأسعار). فما السياسات التى تعالج مثل هذه الأزمات علاجا عادلا؟.

أولا: سياسات العدالة الاقتصادية ومواجهة الأزمات:

- إنشاء صناديق حماية اجتماعية على المستوى القومى والقطاعى، تمول من أرباح المشروعات خلال فترات الرواج والتوسع، وتتلقى دعما إضافيا من الدولة، ليستفيد منها العاملون الذين فقدوا وظائفهم أو أصابهم تخفيض جوهرى فى أجورهم نتاجا للأزمات الاقتصادية أو لسياسات تخفيض العمالة التى تأخذ بها الشركات أو نتاجا للنشاط الموسمى لهذه المشروعات.

- توجيه اهتمام أكبر للمناطق الفقيرة خلال الأزمات فيما يتعلق بالخدمات الصحية والتعليمية من حيث جودتها وإتاحتها وتخفيف عبئها المالى لأنها تمثل أدوات دعم فى مواجهة ظروف الأزمات.وقد حدث عكس هذا نتاجا للاضطراب فى مواجهة آثار الجائحة وأغلب الأزمات الاقتصادية فى الكثير من البلدان النامية.

- إنشاء برنامج محفز متعدد الجوانب والأدوات لدمج المشروعات والمعاملات الاقتصادية والعمالة غير الرسمية فى الاقتصاد الرسمى. فلا شك أن ارتفاع نسبة الاقتصاد غير الرسمى الذى يضم أغلب الفقراء يمثل عقبة أساسية فى استفادة هذا القطاع والفقراء فيه من برامج وسياسات الدولة وقطاعات الاقتصاد الرسمى (مثل البنوك والمؤسسات المالية) وكذا الصناديق المقترح إنشاؤها. وسيحتاج هذا البرنامج لنجاحه، إعادة هيكلة شاملة لتبسيط ورفع كفاءة المنظومة القانونية والإدارية للخدمات الحكومية التى تتعامل مع المشروعات والأنشطة الاقتصادية، وتوفير حوافز للمنشآت للاندماج فى الاقتصاد الرسمى.

- تحسين الشمول ورفع كفاءة المنظومة الإحصائية التى تتعلق بالمشروعات والعمل الاقتصادى والتوظيف والبطالة والأجور، لتتمكن من رصد ومتابعة الأنشطة الاقتصادية وأوضاع الأطراف المتأثرة بها (خاصة الفقراء والعاملين والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر)، ولتتمكن من التنبؤ بالأزمات وتوفير أدوات إنذار مبكر كلى وقطاعى لها، وبحيث تكون هذه المعلومات متاحة لصانعى القرار على مستوى الدولة وعلى مستوى المنشآت وقطاعاتها النوعية.

- تفعيل أدوار مؤسسات المجتمع المدنى المرتبط بالأنشطة الاقتصادية، مثل النقابات العمالية (ولتحقيق تضمينها للعاملين فى مختلف القطاعات (مثل قطاعى الزراعة والتشييد)، وتنظيمات القطاع الخاص (الغرف التجارية والاتحادات الصناعية وجمعيات الأعمال والمستثمرين).

ثانيا: التغييرات فى النظام الاقتصادى:

- بناء دعائم اقتصاد قائم على الإنتاجية والاستقرار والعدالة واستدامة النمو، مع ضرورة وجود أهداف ومؤشرات تحقق وترصد التقدم فى هذه الأبعاد. ويتطلب هذا إلى إعادة بناء بوصلة السياسات العامة والمنظومة التشريعية والمؤسسية الحاكمة لعمل الاقتصاد وضبط علاقات الأطراف الفاعلة والمعاملات التى تجرى فيه، وأن يقترن بهذا إعادة نظر شاملة فى هيكل الدولة وأدوار ونظم الحكومة لتحديثها وتطويرها لدعم التغيير المطلوب.وينبغى أن يشارك فى هذا خبراء إصلاحيون من نوعية جديدة فى الاقتصاد والقانون والمؤسسات والإدارة.

- وضع نظم وضوابط للحد من المضاربات والأنشطة الريعية غير المنتجة والفساد، التى تعتبر من أهم مصادر أزمات النظام الرأسمالى. ويعنى هذا سياسات جديدة تشجع الأنشطة المنتجة وتحفزها، فى إطار من العدالة، وقيود على النمو غير العادى فى الثروة الناجم من الاحتكارات والمصادر الريعية وعدم العدالة فى توزيع عوائد الإنتاج.

- وضع قواعد تضمن حصول عوامل الإنتاج وصناع القيمة (خاصة العاملين)على نصيب عادل من القيمة والعوائد المتحققة، وكذلك نظم جديدة للتوظف والأجور وتوزيع الأرباح تعكس الإسهام فى الإنتاجية والقيمة المضافة المتحققة، وتوفر الاستقرار المستند إلى هذا الإسهام (خاصة فى أوقات الأزمات). ويكون هذا من خلال مشاركةالأطراف ذوى العلاقة، لإقرار المقاييس والنظم التى تضمن التوازن بين حقوق ومسئوليات العاملين والإدارة والملاك وتجاه المجتمع.


لمزيد من مقالات د. أحمد صقر عاشور

رابط دائم: