كُتِب الكثير عن تصريحات وزير الإعلام اللبنانى جورج قرداحى بخصوص الحرب فى اليمن وما أدت إليه من أزمة حادة فى العلاقات اللبنانية - الخليجية، ورغم اقتناعى بأنه كان من الممكن تفادى احتقان هذه الأزمة لو أُحسنت إدارتها فإن ما يعنينى فى هذه المقالة هو إزالة أى لبس عن طبيعة هذه الحرب الدائرة الآن بين قوات الحكومة الشرعية اليمنية مدعومة بالتحالف العربى وقوات الحوثيين المدعومين من إيران، ذلك أن تصريحات قرداحى تضمنت تكييفه لهذه الحرب بأنها عدوان خارجى وحرب عبثية يجب أن تتوقف وهذا ما سوف تركز المقالة على مناقشته لأن هذا الاعتقاد ليس مقتصراً على وزير الإعلام اللبنانى، ولكنه موجود فى دوائر عربية بعينها تعتقد على الأرجح أن القواسم المشتركة بين العرب وإيران فى مواجهة السياسة الأمريكية وتحفظات هذه الدوائر على سياسات النظم العربية المحافظة تبرر الاصطفاف مع إيران متجاهلة فى ذلك بعض الحقائق الأساسية، وهى فى حالتنا خاصة بالصراع الراهن فى اليمن، وهى مسألة واجبة المناقشة لأن انتشار وجهة النظر هذه يُلحق ضرراً بالغاً بالأمن العربى، ولكى نناقش وصف الحرب على الحوثيين بأنها عدوانية وعبثية ينبغى العودة إلى جذور الصراع الراهن.
تعود هذه الجذور إلى انتفاضة الشعب اليمنى اعتباراً من فبراير٢٠١١، والتى واجهها نظام على عبدالله صالح بعنف مفرط لم يُفلح فى إجهاضها مما أثار قلق القوى الإقليمية وعلى رأسها مجلس التعاون الخليجى نظراً لما هو معروف من حساسية التطورات التى تجرى فى اليمن بالنسبة للأمن الخليجى عامة والسعودى خاصة، ومن هنا حاول المجلس بدعم أمريكى وأوروبى التوصل إلى تسوية من خلال ما عرف بالمبادرة الخليجية التى قاوم صالح طويلاً التوقيع عليها لأنه كانت رغم وسطيتها تتضمن تنحيه عن منصب الرئاسة لنائبه (الرئيس اليمنى الحالي)، غير أنه أذعن فى النهاية بعد تعرضه لمحاولة اغتيال كادت أن تفتك به وإن نجح فى تأمين حصانة قضائية له وتفادى النص على عزله سياسياً مما مكنه من الاستمرار فى لعب دور سياسى مهم معتمداً على الولاء الفعلى له من قِبَل قطاعات مهمة من الجيش اليمنى وحزبه وموارد مالية ضخمة، وبالمقابل جرى تنفيذ المبادرة فتولى نائبه عبد ربه منصور هادى الرئاسة ثم ثُبت فى موقعه بانتخابات تم توافق وطنى على ألا يدخلها سواه، وشكل حكومة وحدة وطنية مناصفة بين حزب صالح وأحزاب المعارضة برئاسة محمد سالم باسندوة وهو شخصية معارضة قيادية تتمتع بقبول واحترام واسعين فى اليمن، ونظم مؤتمراً للحوار الوطنى مثل تجربة ديمقراطية فريدة وتصدى لمشكلات السياسة اليمنية كافة وعلى رأسها علاقة الشطر الجنوبى بالشمالى بسبب مطالبات ما يُسمى الحراك الجنوبى الذى تبلور فى وجه ممارسات نظام صالح بعد دحر الحركة الانفصالية الجنوبية في١٩٩٤، ووصل إلى حد المطالبة بالانفصال، وحل مؤتمر الحوار الوطنى هذه المشكلة بتحويل الدولة اليمنية إلى الشكل الفيدرالى، وكذلك تصدى المؤتمر لمشكلة الحوثيين أو كما سُميت بمشكلة صعدة (المدينة التى انطلقت منها الحركة الحوثية)، وكان الحوثيون قد دخلوا عدة جولات من الصراع المسلح مع نظام صالح فى العقد الأول من هذا القرن دون أن يتمكن من القضاء عليهم، وواجه مؤتمر الحوار الوطنى هذه المشكلة بمعادلة وازنت بين فرض سلطة الدولة فى صعدة وضمان الحد الأقصى من الحقوق والتعويضات للحوثيين، كما شكل المؤتمر لجنة لوضع دستور جديد لليمن يعكس كل هذه التطورات، وفى اللحظة التى تم فيها الانتهاء من صياغة مشروع الدستور نجح الحوثيون فى السيطرة على العاصمة صنعاء فى سبتمبر٢٠١٤بتواطؤ من القوات التى بقيت على ولائها لعلى عبدالله صالح واحتجاز رئيس الجمهورية.
وهنا لابد من التعريف بالحوثيين لمعرفة مغزى انقلابهم، فهم أتباع الفرع الجارودى من المذهب الزيدى الموجود فى اليمن، وهو أكثر المذاهب الشيعية اقتراباً من المذهب السنى وإن كان فرعه الجارودى (نسبة إلى أبى الجارود من علماء الزيدية) هو أكثر فروع الزيدية تشدداً وأقربها إلى مبدأ ولاية الفقيه السائد فى إيران، ولذلك نشأت منذ تسعينيات القرن الماضى علاقة عضوية مع إيران التى دعمتهم فكرياً وإعلامياً ودبلوماسياً وعسكرياً منذ بداية حركتهم وحتى الآن، وثمة ملاحظة بالغة الأهمية للثوريين العرب بصفة خاصة وهى أن المذهب الزيدى يؤمن بنظام الإمامة الذى أطاحت به ثورة سبتمبر١٩٦٢ والذى يحصر الولاية فى أحفاد فاطمة بنت الرسول عليه الصلاة والسلام، أى أنه مذهب سلالى وإن كان الحوثيون قد ركبوا بذكاء قطار الانتفاضة الشعبية منذ فبراير٢٠١١ لتوسيع قاعدة قوتهم السياسية، كما أنهم تحالفوا مع بقايا نظام صالح الذى دخلوا معه فى صدامات عسكرية مريرة، لكن حلمهم بالوصول إلى السلطة وحلم صالح بالعودة إليها جمعهم وفقاً للقاعدة المكيافيلية التى واصلت فعلها باغتيالهم لصالح في٢٠١٧ بعد انشقاقه عليهم، وثمة ملاحظة أخيرة ضرورية للتعريف بالحوثيين وهى أن تمثيلهم برضاهم فى مؤتمر الحوار الوطنى لم يتجاوز٦٪بل إن هذه النسبة كانت موضع تحفظ واعتراض من قوى سياسية يمنية عديدة، وهم الآن يدعون تمثيل الشعب اليمنى كله.
وفى فبراير٢٠١٥ تمكن الرئيس هادى من الوصول إلى عدن حيث أعلن عدم شرعية الانقلاب وبطلان قراراته كافة، كما أعلن عدن عاصمة مؤقتة، ولأن وجوده بعيداً عن متناول الحوثيين يمثل تهديداً حقيقياً لهم فقد شرعوا فى محاولة للسيطرة على مجمل اليمن، وهنا أرسل هادى في٢٥مارس برسالة لمجلس التعاون الخليجى طالب فيها قادته بتقديم المساندة الفورية بكل الوسائل لحماية اليمن من العدوان الحوثى استناداً لمبدأ الدفاع الشرعى عن النفس فى ميثاق الأمم المتحدة ولمعاهدة الدفاع العربى المشترك، ومن هنا بدأت الحرب التى وصفها قرداحى بالعدوانية والعبثية، فإلى المقالة القادمة.
لمزيد من مقالات د. أحمد يوسف أحمد رابط دائم: