رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

آية الله الفقيه: هل تستنسخ «طالبان» نموذج الحكم الإيرانى؟

إلى الآن، لم تكشف حركة «طالبان» عن نظام الحكم الذى ستتبعه فى أفغانستان بعد سيطرتها على السلطة فى كابول فى 15 أغسطس 2021، باستثناء إعلان الحكومة الانتقالية فى 7 سبتمبر من العام نفسه. وبصرف النظر عن أن هذه الحكومة «انتقالية» كما جاء فى إعلان عن تشكيلها، فإنها تبدو قسماً مما يمكن تسميته بـ «جبل جليد» تظهر قمته فقط بينما تختفى أقسامه الأخري- التى ربما تكون أكثر تأثيراً- تحت الماء.

حرص «طالبان» على إخفاء ملامح نظام حكمها بدا جلياً فى الظهور الاستثنائى لزعيمها الملا هبة الله اخوند زاده- بصوته فقط- بعد أن زار مدرسة دار العلوم الحكيمية القرآنية فى قندهار فى 30 أكتوبر الفائت. إذ سمحت الحركة فقط ببث تسجيل صوتى لكلماته فى المدرسة، ولم تنشر فيديو أو تسمح بالتقاط صورة له، لتبقى صورته الوحيدة هى المتداولة فى وسائل الإعلام.

هنا، فإن الاكتفاء بإعلان تشكيل حكومة جديدة، لا يستوعب مجمل التساؤلات التى طرحت دون إجابة منذ سيطرة الحركة على السلطة فى منتصف أغسطس الماضى، على غرار ماهية التراتبية الجديدة للنظام الذى ستحكم به «طالبان»، وموقع زعيم الحركة والقيادات الرئيسية فيه، وحدود العلاقة بين الجناح العسكرى للحركة، والجيش النظامى الذى اختفى فور وصولها لكابول، لكنها قد تستدعى قوامه الرئيسى أو تعمل على تكوينه من جديد فى مرحلة لاحقة، باعتبار أن طبيعتها «الميليشياوية» لا تتوافق مع المهام الجديدة التى ستقوم بها، على غرار حماية حدود الدولة.

فى هذا السياق، طرحت أدبيات مختلفة اجتهادات كثيرة، كان أبرزها أن الحركة قد تؤسس نظاماً أقرب إلى النظام البرلمانى، من خلال وضع معظم الصلاحيات فى يد السلطة التنفيذية ممثلة فى الحكومة، مع تحديد نطاق الدور الذى سيقوم به الزعيم- الملا هبة الله اخوند زاده- فى الإطار الدينى، باعتبار أن مؤهلاته الأساسية دينية وفقهية وقضائية قبل أن تكون عسكرية، فضلاً عن أن اختياره فى الأساس لزعامة الحركة فى مايو 2016، بعد مقتل الملا أختر منصور، كان، وفقاً لذلك، حلاً وسطاً لاحتواء الصراعات التى كان من الممكن أن تندلع فى هذا التوقيت على قيادة الحركة.

مع ذلك، فإن هناك اتجاهاً آخر يرى عكس ذلك، ويرجح أن الحركة قد تستعين بأحد النماذج المختلفة معه أيديولوجياً لكنها قد تتوافق معه سياسياً، لاسيما فيما يتعلق بكيفية إدارة شئون الدولة والعلاقات مع الخارج، والبحث عن آلية للحكم تستند إلى ظهير دينى وسياسى فى آن واحد، وهو النموذج الذى تتبعه إيران منذ اندلاع الثورة التى أطاحت بالشاه رضا بهلوى فى عام 1979، الذى يعتمد نظرية ولاية الفقيه كآلية للحكم تجمع بين الدينى والسياسى فى الوقت نفسه.

لماذا إيران؟

اللافت فى هذا الصدد، هو أن الحركة بالفعل بدأت فى اتخاذ إجراءات توحى بأن تبنى هذا النموذج ليس بعيداً عن تفكير قياداتها: أولها، تعيين الحكومة الانتقالية برئاسة الملا محمد حسن أخوند أحد كبار قيادات الحركة لإدارة شئون الدولة من الناحية التنفيذية، أى التعامل مع الملفات المعيشية المختلفة، فضلاً عن تحديد اتجاهات العلاقات مع الخارج والسياسة الخارجية إزاء القضايا التى تحظى باهتمام خاص من جانبها.

ثانيها، فرض مكانة خاصة لزعيم الحركة الملا هبة الله أخوند زاده، الذى وصفته أدبيات عديدة بأنه أشبه بموقع المرشد الأعلى للجمهورية فى إيران، باعتبار أنه يمتلك من الصلاحيات- الدينية والسياسية- ما يقترب بالفعل من السلطات التى يتولاها الأول، مع الوضع فى الاعتبار الفارق الذى يفرضه الموقع الدينى للولى الفقيه فى المذهب الشيعى، والذى يتيح له صلاحيات دينية وسياسية متفردة، لا يمكن مقارنتها بمواقع دينية وسياسية أخرى لاسيما فى المذهب السنى.

ثالثها، اختيار كابول العاصمة السياسية للحكومة، وقندهار العاصمة الدينية للدولة، على غرار الوضع بين طهران وقم فى إيران، حيث تمثل الأولى العاصمة السياسية، فيما تعد الثانية العاصمة الدينية، وإن كان هناك فارق آخر يتعلق بوجود المرشد خامنئى -بصفة شبه مستمرة- فى طهران، لكن هذا الفارق لا يقلص من أهمية المكانة التى تحظى بها «قم» على المستويين الدينى والسياسى، حيث إن ثمة أسباباً عديدة ربما تدفع المرشد الحالى إلى تقليص فترة وجوده فى «قم»، يتعلق أبرزها بموقعه فى الهيراركية الدينية الشيعية التى يفرضها وجود رجال دين كبار «آيات الله» فى «قم».

رابعها، دعوة قوات الجيش السابق إلى الاندماج فى النظام الجديد، حيث قال الناطق باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، فى 6 سبتمبر الماضى، إن «القوات الأفغانية التى تلقت تدريبات فى السنوات العشرين الماضية سيُطلب منها الانضمام إلى الإدارات الأمنية إلى جانب أعضاء طالبان». ويعنى ذلك فى المقام الأول أن الحركة ربما تفكر فى إعادة تأسيس الجيش مرة أخرى، لتولى المهام الكلاسيكية للقوات المسلحة، على أن تتحول الميليشيا التابعة للحركة إلى ما يشبه «الحرس الثورى» فى إيران. ويكتسب ذلك وجاهته من أن الحركة لن تستطيع الوثوق تماماً فى ولاء الجيش -بنمطه الجديد- فى حالة إعادة تأسيسه مرة أخرى، وأنها سوف تعتمد على قادتها وعناصرها فى حماية نظامها ضد أى مصدر تهديد محتمل داخلى أو خارجى، تماماً كما فعلت إيران عندما أسست «الباسداران» أو الحرس الثورى.

خامسها، توفير مساحة أوسع لبعض القيادات الرئيسية فى الحركة، لإدارة العلاقات مع الخارج، لاسيما نائب زعيم الحركة ونائب رئيس الحكومة وقائد الجناح السياسى الملا عبد الغنى برادر، الذى أدار المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتى انتهت بإبرام اتفاق سلام فى فبراير 2020. وربما يمكن القول إن برادر يتبوأ موقعا أقرب إلى الموقع الذى سبق أن تولاه رئيس الجمهورية الأسبق فى إيران أكبر هاشمى رفسنجانى، الذى كان له الدور الأبرز فى إدارة العلاقات مع الخارج، لاسيما خلال مرحلة التأسيس الأولى للجمهورية الجديدة فى عقد الثمانينيات من القرن الماضى.

ربما تبقى هذه مجرد اجتهادات، لكن فى النهاية لا يمكن استبعاد حدوثها، لاسيما أن «طالبان» سوف تكون مضطرة- عاجلاً أم آجلاً- إلى الكشف عن طبيعة نظام حكمها، الذى يبدو متغيراً مهما للمجتمع الدولى فى إدارة علاقاته معها خلال المرحلة المقبلة.


لمزيد من مقالات د. محمد عباس ناجى

رابط دائم: