رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

شريحة ذكية وعالم بلا عميان ..!

نهض الصاحب من مكانه. عاد فجلس. ألصَق عينيه فى الموبايل. أبعدهما. مصمص شفتيه. خاطَبَ نفسه: معقول هذا يا ناس؟ مستحيل. غدًا حتمًا تقوم القيامة. تعجب (هو) فَلَكَزَهُ بمبسم الشيشة فى بطنه الممتد أمامه ثم زعق: مالك يا كابتن.. فيه إيه؟ هزّ الصاحب رأسه فى أسيً ثم دمدم: اسمع يا سيدى آخر التقاليع.. يقولون لك إنهم قريبًا سيزرعون فى جمجمتك شريحة تعيد تشكيل مدركاتك كلها.. بل تعالج كل أمراضك وعاهاتك المستعصية، كالعَمَى والشلل والسرطان والغباء ( بِعيد عَنَّك )!

أخرج هو لسانه فلم يشعر باللعاب المُنسال من فمه إلى صدره ثم همهم: موش فاهم!.. قال الصاحب: يقولون يا عزيزى إن بالمخ البشرى شعيرات دموية متناهية الصِغَر تسمى الموصلات العصبية هى المسئولة عن كل قرارات المخ إلى بقية أعضاء الجسم، فإن زرعنا بالمخ شريحة، وأوصلنا الشريحة بكمبيوتر حاد الذكاء، وأصدر الكمبيوتر أوامره ببدء التغيير، فإن الجسد فورًا يستجيب. ويقولون أيضًا إنك ستكون قادرًا على استدعاء كل محتويات ذاكرتك أمامك كشريط السينما ثم تحذف منها ما تشاء، وتُبقى على ما تريد (يعنى تعمل على نفسك ديليت لا مؤاخذة )!

صرخ هو: يا راااااجل.. وهل جربوا تلك الشريحة فعلا؟.. رد الصاحب نعم.. زرعوها فى مخ خنزير فنجحت. ضحك هو حتى خرج دخان الشيشة من فمه ككتلة غيوم توشك على الإمطار: أعوذ بالله.. وهل الخنزير كالإنسان يا بنى آدم؟ .. ضحك الصاحب بدوره وهمس: وحياتك هناك أناس أعرفهم هم والخنازير سواء!.. نظر هو إلى السقف غاضبًا فأضاف الصاحب: وليس هذا فحسب يا معلم.. إنهم يؤكدون أنك مع هذه الشريحة تستطيع تحريك الأشياء الصغيرة، كالأقلام والمفاتيح والنقود، من مكانها. صرخ هو: ههههههه ..وإذن فالشريحة يمكنها تقليب فتافيت فحم الشيشة فى الحجر؟.. يا جدع قُمْ (بلاش كلام فارغ)!

صمت الصاحبان فإذا بفتى المقهى يهمس من خلفهما ( وكان كعادته يتنصَّت عليهما): يعنى يا أستاذ يمكن لتلك الشريحة تحريك النقود من جيبى وأنا نائم لتصل إلى جيب المدام دون أن أدري؟.. استملح الصاحب الفكرة فصاح: لن يقتصر الأمر على النقود يا روح خالتك.. ما خفِيَ كان أعظم.. امْشِ انْجَرْ هات القهوة. أطرق هو إلى الأرض فتساءل منزعجًا: وكيف تَرى يا صديقى عواقب هذه الخطوة الجبارة؟.. أجاب الصاحب: رأيى أنها ستزيد جبروت وظلم الجبّارين المالكين للمساكين المُستضعفين من خلال التحكم فى شرائح أدمغتهم لنعود القهقرى إلى ما كنا عليه فى الحُقب الأولى للخليقة.

دمدم هو: خبر أسود.. كيف يعني؟.. قال الصاحب: تخيّل سيادتك قدرتهم هناك فى الغرب على التحكم عن بُعد فى أمخاخ المتحاربين فى أماكن النزاع فى بلاد الغلابة المتخلفين.. هل تتخيل حجم الدم المُراق آنئذٍ؟.. ثم تخيل حضرتك إمكانية إصدار صانعى المجازر الكبار هؤلاء أوامرهم لشرائح أدمغة الإرهابيين الذين زرعوهم هُم فى الدول الهشّة لإسقاطها، ومن ثم سرقة مواردها وتجويع شعوبها، هل تعرف كم من الدول ستنهار آنذاك؟.. ثم تخيل نتيجة العبث بأدمغة شباب الدنيا كلها فيصبحون عبيدًا للمخدرات وما يمكن أن يفعله ذلك بمستقبل العالم.. ألم أقل إن القيامة (خلاص) سوف تقوم!

تساءل هو ممتعضًا: أتقصد أنه لن تكون هناك أبدًا أى نتائج إيجابية؟.. تردد الصاحب قليلًا ثم قال: إنهم يقولون ( وأكاد أشك فى قولهم !) إن علاج الأمراض المختلفة سيكون أسرع، ومن ثم سيصبح الإنسان أكثر صحةً وعافيةً ومناعةً وذكاءً، وساعتها سيقدر على حل مشكلات الاقتصاد والجوع والمناخ والفقر المائى والتصحر والجفاف، وتتحسن أحواله. سارع (هو) إلى التعليق قائلا: وأنا، ولأننى متفائل بطبعى، أصدق هذا التصور، فلماذا أنت دائمًا من دعاة انعدام اليقين المُتشككين؟ رد الصاحب: بل قُل إننى من الواقعيين الفاهمين المصحصحين، ولستُ واحدًا من كسالى العقل التافهين المُغفلين. همس الصاحب: الله يحفظك يا سيدى !

أتت القهوة، وتم تغيير الحجر، وتبادل الصاحب مع فتى المقهى ابتسامة ذات مغزى، فتشجّعَ الولد وسأل: قل لى يا أستاذ.. أين يبيعون هذه الشرائح أروح أشترى لى أربع ( حِتَتْ) لى أنا والعيال وأم العيال؟ انفجر الصاحبان فى ضحك مدوٍ أيقظ رواد المقهى من سُباتهم.. ثم أجاب الصاحب: لن يبيعوها لأمثالك يا مسكين. سأل الفتى بسرعة: ليه إن شاء الله.. أهِيَ غالية إلى هذا الحد؟ أجاب الصاحب: لا يا بُنيّ.. بل لأنها ستكون للأذكياء فقط.. امْشِ غَيّر المحطة وهات لنا الماتش. قال هو: صحيح.. كم سيكون سعرها هذه المدعوقة؟ أجاب الصاحب: ليس أغلى من سعر الموبايل العادي. هنالك فز هو مغادرًا المقهي. على فين يا عَمّ؟ .. قال: ألحق أحجز لى (حِتتين) قبل ما تِتخِطِف !


لمزيد من مقالات سمير الشحات

رابط دائم: