رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

السعودية ولبنان .. حقيقة الأزمة

لم تكن تصريحات جورج قرداحى وزير الإعلام اللبنانى التى أغضبت معظم دول الخليج وخاصة السعودية سوى عرض من أعراض الأزمة بين الجانبين، وقد سبقتها وترافقت معها أعراض مماثلة منها تصريحات أخرى سلبية لمسئولين حكوميين لبنانيين من نفس الحلف السياسى الذى يمثله قرداحى مثل وزير الخارجية الأسبق شربل وهبه، والحالى عبدالله بو حبيب، ومواقف وتصرفات عديدة، لكن الأزمة الأساسية تكمن فى قيام أطراف لبنانية بأنشطة تهدد بشكل مباشر الأمن القومى لدول عربية أخرى، بالتزامن مع السعى لتقليص التأثير العربى على لبنان وإبعاده عن محيطه العربى لمصلحة مشروع الهيمنة الإيرانى، عبر تعظيم الدور الإقليمى لحزب الله، بشكل يتنافى مع سياسة النأى بالنفس التى تنادى بها معظم القوى اللبنانية، وكانت ضمن مطالب الشارع اللبنانى فى انتفاضة 17 أكتوبر 2019.

وإذا كان تدخل حزب الله فى الصراع الدائر فى سوريا له مبررات لدى الحزب تتعلق بالتداخل الكبير بين سوريا ولبنان، ولكون سوريا هى المعبر الرئيسى لواردات حزب الله الإيرانية من السلاح إلى المازوت، فإن التدخل المباشر فى اليمن إلى جانب الحوثيين ليس له أى مبررات تخص لبنان بغض النظر عن العلاقة العقائدية بين الجانبين، علاوة على أن هذا التدخل يمثل عدوانا على الأمن القومى السعودى، خاصة أن دعم حزب الله المتنوع للحوثيين لم يعد سرا، وفى شهر مايو الماضى أكد معمر الإريانى وزير الإعلام اليمنى مصرع مصطفى الغراوى القيادى بالجناح العسكرى لحزب الله الذى كان يقاتل مع الحوثيين وذلك إثر غارة جوية لتحالف دعم الشرعية على مواقع الميليشيات فى جبهة صرواح بمحافظة مأرب. وسبق أن طالب الإريانى فى سبتمبر 2018 الحكومة اللبنانية بوقف بثّ قناة (المسيرة) الفضائية، والساحات، والمواقع الإلكترونية، التابعة للحوثيين والتى تعمل من داخل لبنان، وكذلك العشرات من العناصر التابعة لميليشيات الحوثى الناشطين فى لبنان، كما دعاها إلى الالتزام بسياسة النأى بالنفس تجاه الصراعات فى المنطقة، والتدخل لوقف الأنشطة التخريبية والتحريضية لميليشيات الحوثي، بغطاء سياسى وأمنى ودعم مالى من حزب الله، على حدّ قوله.

وجاءت هذه التصريحات بعد أيام من إعلان حزب الله عن استقبال أمينه العام حسن نصرالله وفداً من جماعة أنصار الله اليمنية التى يتزعمها عبدالملك الحوثى برئاسة الناطق الرسمى محمد عبدالسلام.

إن الدور الإقليمى الذى يلعبه حزب الله فى العراق وسوريا واليمن وغيرها باعتباره الذراع الطولى لمشروع الهيمنة الإيرانى على المنطقة العربية، لا يهدد السعودية أو دول الخليج فقط إنما يهدد الأمن القومى العربى بأكمله، فى مرحلة يواجه فيها النظام الإقليمى العربى تحديات ضخمة ومتغيرات متسارعة ومشروعات هيمنة من قوى إقليمية مع اتجاه قوى عظمى لتقليص وجودها فى المنطقة.

وجزء من هذه المشروعات يعمل منذ سنوات وبشكل مخطط على عزل لبنان عن محيطه العربى، ومحاولة إبعاد الخليج العربى وخاصة السعودية عن المعادلة اللبنانية، رغم الدور الكبير الذى لعبته السعودية ودول الخليج فى الحفاظ على الكيان اللبنانى بعد الحرب الأهلية عبر اتفاق الطائف، والدعم المالى والاقتصادى السخى والكبير الذى قدمته لإعادة إعمار لبنان بعد الدمار الضخم الذى تعرضت له معظم المناطق خلال الحرب الأهلية، وهو ما تكرر أيضا بعد العدوان الإسرائيلى على لبنان فى 2006 وفى مناسبات أخرى متعددة. فالدعم الذى قدمته السعودية ودول الخليج إلى لبنان رغم ضخامته سواء عبر المنح والمساعدات المباشرة أو تحويلات اللبنانيين العاملين فى الخليج أو الاستثمارات السعودية الخاصة فى لبنان والتدفق السياحى إليه، ليس هو ما يربط السعودية بلبنان، ولكنه جزء من السعى الدائم للحفاظ على الكيان اللبنانى بتنوعه الفريد عبر الدعم السياسى والاقتصادى وفى المؤسسات والمحافل الإقليمية والدولية.

بينما محاولات تكريس الهيمنة الإيرانية على لبنان قائمة على قدم وساق منذ سنوات، وهى لن تنجح إلا بإضعاف الدور العربى فى لبنان وخاصة الخليجى والسعودى، الأمر الذى سيؤدى إلى إضعاف القوى اللبنانية المقاومة للمشروع الإيرانى وخاصة الطائفة السنية ومعظم القوى المسيحية مثل القوات اللبنانية والكتائب، وكذلك العناصر الشيعية المعارضة لحزب الله والتى غالبا ما تنتهى حياتها بشكل غامض.

وهذه المحاولات بدأت مع جريمة اغتيال رفيق الحريرى رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق و21 آخرين عام 2005، وأدانت فيها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان المتهم سليم عياش الذى رفض حزب الله تسليمه، ثم احتلال حزب الله لبيروت وبعض مناطق الجبل فى مايو 2008 لإرهاب كل من يقف فى وجه مشروعه، وصولا إلى عرقلة عمليات انتخاب رئيس الجمهورية أو تشكيل الحكومات لفرض تسويات معينة.

إن المخرج من الأزمة الحالية بين لبنان ودول الخليج وخاصة السعودية، يستلزم إعادة التزام السلطات اللبنانية بسياسة النأى بالنفس، وعدم تهديد أى قوى أو تيارات لبنانية للأمن القومى العربى أو الأمن القومى لأى دولة عربية، وتوقف حزب الله عن دعم الحوثيين أو أى تدخل يؤثر على المصالح اللبنانية وعلاقاتها بمحيطها العربى.

كما أن استعادة لبنان للدعم العربى يتطلب جهدا كبيرا من القوى اللبنانية المؤمنة بعروبة لبنان، فلبنان لن يخرج من ازماته السياسية والاقتصادية والإجتماعية دون دعم عربى قوى، ولن يتم هذا الدعم فى ظل الظروف الحالية، وهو أمر يمثل خطرا كبيرا على لبنان.

اخطأ جورج قرداحى وأخطأ أكثر بإصراره على موقفه، لكن الخطأ الأكبر هو عدم معالجة جذور الأزمة، والحل يكمن فى استعادة وجه لبنان العربى، ولا بديل.


لمزيد من مقالات فتحى محمود

رابط دائم: