رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ضد التصور الأسطورى للمرأة «24»

أدى التصور الأسطورى للمرأة فيما أدى إليه، إلى فقدانها لحقوقها المدنية جزئيا أو كليا عبر التاريخ فى كثير من المجتمعات والثقافات والديانات. ولا شك أن مناهضة ذلك التصور الأسطورى وما يتضمنه من مفاهيم متهافتة، خطوة على طريق التأسيس النظرى لحصولها على حقوقها كإنسان كامل الأهلية، ومن أهم هذه الحقوق التى نقف عندها اليوم، حق المعاملات المالية والأهلية الاقتصادية، وحقها الأصيل فى اختيار شريك الحياة.

وإذا توقفنا عند التصور الإسلامي، نجد أنه سوّى بين الرجل والمرأة فى الحقوق المدنية، ولم يقرر أى نوع من أنواع التمييز على كافة مستوياتها: حيث أعطاها حق الملكية مثل الرجل، وشدد على حقها فى ممارسة أشكال وطرق التملك، ولها حق التعاقد، ولها دون أى تمييز أن تمارس التجارة من بيع وشراء، ومساقاة ومزارعة، وشراكة ومضاربة، وغيرها. ولها حق الهبة، سواء أن تهب لغيرها أو يهب غيرها لها، كما لها حق الوصية، سواء أن توصى لغيرها أو يوصى غيرها لها. وأعطاها الحق فى توكيل الغير وأن يوكلها الغير. ولها الحق الكامل فى ضمان الآخرين وأن يضمنها الآخرون، مثلها فى ذلك مثل الرجل تماما، لا فرق بينهما فى الأهلية الاقتصادية ولا فرق بينهما فى مباشرة كافة التصرفات المالية. وقد أباح لها فى ذلك دون أى تمييز كل ما أباح للرجل سواء بسواء، وجعل لها كالرجل حق مباشرة العقود المدنية بكافة ألوانها، وجعلها صاحبة الحق المطلق على ملكها، ولم يجعل للرجل أيا كانت صفته أو قرابته منها – أى سلطة عليها إلا بالمعروف والتراضي؛ فلها أن تتملك المنقولات والعقارات والأراضى وكافة أنواع الممتلكات والأموال.

إن للمرأة كينونتها الفردية، وأهليتها الكاملة، وشخصيتها المستقلة، ومن المستقر أنها طالما وصلت سن البلوغ والرشد، مثلها فى ذلك مثل الرجل، لها ذمة مالية مستقلة كلية ومنفصلة تماما، تتحمل مسئوليتها وتمتع بالحقوق المالية كاملة، فهى تتصرف فى مالها وتديره بكامل إرادتها وبنفسها، ولها أن توكل آخر أو آخرين فى إدارة ممتلكاتها وأموالها جزئيا أو كليا. وليس من حق أحد أن يتولى إدارة أموالها إلا بناء على رغبتها وبإرادتها الحرة الكاملة بتوكيل منها. ولها أن تضمن غيرها، وأن يضمنها غيرها، وأن توصى لمن تشاء ممن هو أهل للوصية، ويصح أن تكون وصيًا لا فرق فى ذلك بينها وبين الرجل...إلخ.

وتستمر ذمتها مستقلة وكاملة بعد الزواج، تدير ممتلكاتها وأموالها مباشرة ودون تدخل من أحد، وعقد الزواج لا يغير من هذا الوضع شيئا، ولا يعطى للزوج عليها أية سلطة ولا أى حق فى ذلك إلا بالتراضى بينهما. ولها أن تقوم -أو لا تقوم- بتوكيله بناء على إرادة ورغبة كاملتين منها، ولها أن تعطيه الوكالة، ولها أن تسحبها حسب رؤيتها وحسب رغبتها، لا تثريب عليها إن أعطت وإن منعت. ولا يعنى الزواج أن مالهما قد أصبح مشتركا أو شراكة بينهما. وفى كل الأحوال، فإن الزوج مكلف بالإنفاق عليها حتى لو كانت غنية، ودون أن يمس مالها الخاص، إلا بالتراضى التام بينهما.

هذه كانت حقوق المرأة فى الشئون المالية بوصفها جانبًا من جوانب الحقوق المدنية التى تتمتع بها كاملة غير منقوصة. وتستمر وتتواصل أهليتها المدنية فى حقها الكامل فى اختيار الزوج. وينص الإِسلام نصًا صريحًا على أن للمرأة – ثيبًا أو بكرًا – كامل الحرية فى اختيار الزوج؛ فلها أن تقبله، ولها أن ترفضه، ولا حق لأبيها أو وليها فى إجبارها على الزواج ممن لا ترضاه. ولا يوجد أى نص فى القرآن الكريم يحول بين المرأة وهذا الحق فى اختيار شريك الحياة، وتؤيد هذا الأحاديث الثابتة بشكل واضح وصريح؛ قال النبى صلى الله عليه وسلم ـ : “تُسْتَأمر النساء فى أبضاعهن، والثيب يعرب عنها لسانها، والبكر تُسْتَأمر فى نفسها، فإن سكتت فقد رضيت”. ومعنى الاستئمار هو: عرض الموضوع عليها لتقرر هى وتعطى الأمر؛ فلا يعقد عليها حتى يتم الرجوع إليها ويعرض الأمر عليها بالموافقة أو الرفض حسب اختيارها. وجاء فى الصحيحين: أن خنساء بنت جذام، زوجها أبوها وهى كارهة، وكانت ثيبًا؛ فأتت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرد نكاحها. وجاء عن ابن عباس: أن جارية بكرًا أتت النبى صلى الله عليه وسلم ـ فذكرت أن أباها زوجها وهى كارهة، فخيّرها النبى صلى الله عليه وسلم ـ فقالت بعد أن جعل الحق لها: «قد أجزت ما صنع أبى، ولكن أردت أن أُعْلِم النساءَ أن ليس للآباء من الأمر شيء».

وهنا نتوقف قليلا عند موقف هذه الفتاة الرائع، تلك الفتاة التى أرادت الدفاع عن حق المرأة عامة فى اختيار شريك الحياة، وبعد أن أكد النبى هذا الحق، أعلنت موافقتها على رأى أبيها بإرادتها الحرة، وقامت بتسجيل موقفها للتاريخ، وهو إعلام النساء أن هذا حقهن وأنه لا يوجد للآباء حق فى إجبارهن على الزواج من أى شخص.

إذن، فإن هذا الدين لم يفرق بين الرجل والمرأة فى أهلية مباشرة التصرفات المالية والاقتصادية، ولا فى حق اختيار الزوج، بوصفها حقوقا مدنية أصيلة للمرأة مثلها فى ذلك مثل الرجل. ولا يوجد فى القرآن الكريم ولا فى السنة الثابتة ما يشير إلى عكس ذلك. فقد أعطى الدين فى منابعه الأصيلة والأصلية، المرأة العاقلة الرشيدة، الأهلية الاقتصادية الكاملة، وأكد حقها فى الملكية والتملك، والتجارة، والمشاركة، ولها أن تقوم بالمضاربة، ولها أن توكل وتتوكل، ولها حق ضمان الغير أو ضمان الغير لها، ولها أن توصى ويوصى لها، ولها أن تزارع، وأن تهب، وأن توقف أوقافا...إلخ. وأحكامها فى كل هذه المعاملات المالية هى أحكام الرجل، يحل لها من المعاملات المالية ما يحل له، ويحرم عليها ما يحرم عليه، وهى مثله محكومة بالقوانين نفسها، ولها من الحقوق وعليها من الواجبات وسائر ألوان الالتزام – ما له وما عليه.

--------------------------------

أستاذ فلسفة الدين ــ رئيس جامعة القاهرة


لمزيد من مقالات د. محمد الخشت

رابط دائم: