-
«هيئة الأبنية»: إلقاء المسئولية على «التعليم» غير منصف.. وثلث الميزانية لبناء المدارس
-
عضوان بالنواب: لا قيمة لبناء مدارس دون معلمين.. والتمويل الذى طلبته «الأبنية» أخذته
-
مدرسون: تقسيم المدارس ذات الكثافات المرتفعة إلى فترتين مع تخفيف المناهج
-
إحدى منظمات المجتمع المدنى: المشاركة مكلفة ووجهنا لإعادة تأهيل المدارس
مضى ما يقرب من شهر على بدء الدراسة ولا يزال ارتفاع كثافة الفصول مشكلة تلاحق غالبية المدارس وتدق ناقوس الخطر باستمرار تلك المشكلة وكأنها ضد كل الحلول وكأنها أيضا مقرر ثابت تتصاعد مشكلته مع بدء كل عام دراسى .. تلك المشكلة يجمع المسئولون والخبراء والمعلمون وأولياء الأمور على وجودها وإن اختلفت تقديراتهم فى أسباب تفاقمها وطرق حلها .. ليستمر تكرار المشهد .. صور مؤلمة لأطفال يتكدسون فى فصول ضيقة على مقاعد متهالكة.. وتتعالى انتقادات أولياء الأمور والمعلمين مصحوبة بمقترحات قد تنقصها دقة الإحصاءات والبيانات .. يخرج بعدها مسئولو الوزارة معترفين بوجود أزمة (كثافة) ومؤكدين فى الوقت نفسه أنه لا ذنب لهم فيها .. ثم تهدأ العاصفة وكأن الأزمة قد حلت لكن الحقيقة أنها توارت فى انتظار عام قادم!
هيئة الأبنية التعليمية طرف أصيل فى قضية التكدس والكثافة، باعتبارها الجهة المنوط بها رسميا، إنشاء وبناء الفصول والمدارس المطلوبة لعلاج هذه المشكلة .. وفى هذا الصدد تقول المهندسة أمل صابر رئيس الإدارة المركزية للبحوث بالهيئة، إن مخصصات الهيئة فى الموازنة العامة للدولة تتراوح سنويا بين 6و8 مليارات، وزادت فى العام الحالى إلى نحو 10 مليارات جنيه .. والهيئة رصدت الاحتياج إلى230 ألف فصل بتكلفة 130 مليار جنيه لتحقيق (الكثافة المثالية) .. وحتى لو تم توفير (التمويل) المطلوب لبناء المدارس فأين (الأراضى ) الكافية والمناسبة؟ وأين (المعلمون) الذين سيقومون بالتدريس فى هذه المدارس والذين يقدر العجز فى أعدادهم بنحو 340 ألف معلم؟
وتكشف عن أنه تم التوافق مع وزارتى التخطيط والمالية على اعتماد (تكلفة إنشاء الفصل الواحد) كوحدة تكلفة والتى قدر متوسطها بنصف مليون جنيه، ولكن مخصصات الهيئة لا تتوجه كلها لإنشاء المدارس، حيث إن (إنشاء مدارس جديدة) يستحوذ على ثلث مخصصات الهيئة فقط، بينما الثلث الثانى يوجه لـ (التوسعات) وبناء الملحقات بالمدارس التى تسمح فراغاتها بالتوسع، أما الثلث الأخير فيوجه إلى (إحلال) وتطوير المدارس القائمة بالفعل.
وتوضح رئيس الإدارة المركزية للبحوث بهيئة الأبنية التعليمية أن لديها ما يزيد على (1000 مشروع) ضمن مبادرة (حياة كريمة) كان مطروحا منها بالفعل 500 مشروع قبل إطلاق المبادرة بين إنشاء وتوسع وإحلال داخل المدن والقرى وتوابعها المستهدفة، وتم بالفعل تسليم 293 مشروعا ويجرى العمل فى 208 مشروعات .. أما الـ (500 مشروع) الأخرى فقد تم إعداد الطرح الجديد لها بنظام الإسناد المباشر بناء على توجيهات مجلس الوزراء .. ونستهدف الوصول إلى متوسط 14 ألف فصل سنويا كإجراء مؤقت لمحاولة تحقيق (الإتاحة) واستيعاب أعداد الطلاب المتزايدة.
تحدى توافر الأراضي
تلفت المهندسة أمل إلى تحد ثان إلى جانب (التمويل) هو (توافر الأراضى ) اللازمة لبناء هذا الكم الهائل من الفصول والمدارس .. وتشير إلى أنه بالنسبة للمدن فلم يعد بالمدارس (فراغات) للتوسع، كما تم البناء على غالبية (المتخللات)، وهناك اشتراطات لقرب وبعد المدارس عن التجمعات السكنية، حتى يتمكن الطلاب حسب مراحلهم العمرية من الوصول إليها، لذا لا بديل ولا سبيل للحل فى المدن – فى رأيها – سوى بإعادة النظر فى تبعية وملكية بعض الأراضى المخصصة وغير المستغلة الاستغلال الأمثل والتابعة لأملاك بعض الجهات الحكومية مثل الإصلاح الزراعى والأوقاف والجراجات غير المستغلة لهيئة النقل العام، ومنحها للهيئة تحت بند (النفع العام) لإنشاء مدارس عليها، مع تعويض هذه الجهات أو إعطائها أراضى بديلة، ومراعاة تسعير هذه الأراضى بالسعر المناسب دون مغالاة.
أما بالنسبة للقرى وتوابعها فالحل يتمثل فى قرارات نزع الملكية للأراضى - ولو كانت زراعية مثلما يحدث عند إنشاء الطرق - مع مراعاة المواصفات والمحددات التى وضعتها الهيئة للأراضى المطلوبة من حيث المساحة المناسبة والقرب من التجمع السكنى والبعد عن أى مؤثرات سلبية على البيئة التعليمية مثل المصارف وغيرها من المحددات.
وتشير المهندسة أمل إلى أن الامتدادات العمرانية والمدن الجديدة تمتاز بالتخطيط المسبق،v ولذا يمكن نسبيا توفير الأراضى اللازمة لبناء المدارس وفق المخططات الموضوعة، وهى الجزئية التى تقودنا إلى ضرورة مواجهة التحدى الثالث وهو (الزيادة السكانية) وما يستتبعها من ضرورة وضع خطة متكاملة لوقف عشوائية إعطاء تراخيص بناء مساكن جديدة فى المناطق المزدحمة، تتزايد فيها الكتلة البشرية لتتزايد معها المطالبة بأماكن لأبنائها فى المدارس المتكدسة بالفعل.

مشاهد كثافة التلاميذ بالفصول أزمة تبحث عن حلول - صورة أرشيفية
وتؤكد أن الأزمة الراهنة تتطلب تضافر جميع جهات الدولة لحلها وأن إلقاء مسئوليتها على جهة واحدة مثل وزارة التربية والتعليم غير منصف، وأن هناك جهتين رئيسيتين يجب أن تقودا مهمة حل الأزمة .. جهة الولاية الأولى على أراضى الدولة وهى (المحافظ) صاحب السلطة على الجهات التابعة له فى محافظته مثل: مديرية الإسكان وإدارة التخطيط العمرانى بها، ومديرية التربية والتعليم وفرع هيئة الأبنية التعليمية، وإدارة الأملاك وشبكة معلومات المحافظة .. وجهة الولاية الثانية على أراضى الدولة وهى (هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة) صاحبة السلطة على الظهير الصحراوى والامتدادات العمرانية بكل محافظة .. مؤكدة أن (هيئة الأبنية) تعرض سنويا على كل محافظ خطتها واحتياجاتها ومقترحاتها إلا أن (البيروقراطية) وتنازع الجهات المختلفة إلى جانب عدم توافر التمويل والأراضى بمواصفاتها المطلوبة كلها عقبات تقف عائقا أمام التنفيذ الكامل للمستهدف.
اقتراحات المعلمين
المعلمون هم الأكثر دراية وتماسا مع الطلاب وكثافتهم، ولذا أتت إجاباتهم متناسبة مع حقيقة الأوضاع ففى رده على سؤال حول كيفية تعامله مع مشكلة الكثافة فى مدرسته أكد محمد رجب – معلم ابتدائى – أن كثافة الفصول فى مدرسته تزيد على 60 طالبا، وأن مساحة الفصل وعدد المقاعد لا تسمح بتنفيذ تعليمات التباعد الاجتماعى وغيرها.
ويقترح عمرو درويش - معلم رياضيات ومعه مدرسون آخرون - حلا عاجلا يتمثل فى ضرورة تقسيم عمل المدارس ذات الكثافات العالية إلى فترتين (صباحية ومسائية)، مع ضرورة تخفيف المناهج والتعاقد مع معلمين جدد لسد العجز الحاصل والذى ستزداد حدته مع التقسيم إلى فترتين .. أما الحل الدائم فيتطلب تكاتف كل جهات الدولة لإعطاء أولوية قصوى لتنفيذ خطة مكثفة المدة عالية التمويل لبناء المدارس الجديدة والفصول المطلوبة.
موازنة النواب
النائب محمد خالد، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب يؤكد أن الجلسات المقبلة لمجلس النواب سيحضرها الوزير وستتم مناقشة أزمة الكثافة، ويمكن تعديل بعض بنود الموازنة وأولويات المخصصات لتدارك الموقف.
ويقول إنه فى أول يناير من كل عام تحدد كل وزارة وهيئة احتياجاتها المالية ثم ترسلها إلى وزارة التخطيط، التى تقوم بدورها بهيكلة هذه الاحتياجات وبنودها، وتضع تصورها للموازنة العامة للدولة، بعد رصد الموارد المتاحة مع مراعاة النسب المئوية المخصصة لكل قطاع مثل النسب المخصصة للتعليم والصحة، حيث تعطى لها نسبتها المقررة أو أقل قليلا، وإذا تلاحظ زيادة المطلوب عن المخصصات فإنه يتم الرجوع للوزارة أو الجهة الطالبة لترشيد احتياجاتها .. ثم فى بداية شهر مايو يأتى مشروع الموازنة إلينا فى مجلس النواب، ويحضر الوزير وممثلو كل وزارة لمناقشة الموازنة والمخصصات، وإذا كشفت المناقشات عن زيادة المطلوب فى بند ما فإنه يمكن (ترحيل) المبلغ من بند داخل مخصصات نفس الوزارة أو من مخصصات وزارة أخرى .
ويكشف عن أنه رصد التكدس الشديد بالفصول نتيجة ارتفاع نسبة حضور الطلاب، والذى كان (مفاجئا) للجميع وللوزارة، خصوصا بعدما استمر الطلاب فى منازلهم نحو عامين بسبب جائحة كورونا، ويرى أن الحل السريع الذى لا بديل عنه تمثل فى ضرورة تقسيم المدارس إلى فترتين، ولكنه حل اعترضه وجود عجز شديد فى عدد المعلمين مما دفع الوزارة لفتح باب التطوع والعمل بالحصة كحل مؤقت.
ويشدد على أن الحل الدائم لمشكلة الكثافة يتمثل فى أمرين: أحدهما ضرورة تعيين معلمين جدد لسد العجز وبسرعة، وثانيهما: إنشاء عدد كبير من المدارس لاستيعاب الطلاب المتكدسين، مع ضرورة إلغاء فكرة (شراء) الأراضى لبناء المدارس اقتطاعا من ميزانية هيئة الأبنية التعليمية، والتى يجب أن توجه كل مخصصاتها لبناء المدارس.
مفاجأة التمويل
مفاجأة يفجرها النائب ياسر عمر وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب بتأكيده أن (كل التمويل الذى طلبته هيئة الأبنية أخذته)، مشيرا إلى أن المشكلة الأولى بالحل العاجل- من وجهة نظره - هى (عجز المعلمين) إذ لا معنى لبناء فصول جديدة وإلزام التلاميذ بالحضور ثم لا نجد معلمين للتدريس لهم .. ضاربا المثل بوجود مدرسة فى قرية (المعابدة) بدائرته أبنوب بأسيوط بها ألف طالب ولا يوجد بها سوى مدير ووكيلين واثنين فقط من المعلمين (على حد قوله) .. فهنا المدرسة والفصول متوافرة وموجودة بالفعل ولكن بلا فعالية حقيقية لعدم وجود معلمين.
ويزف البشرى بأنه حلا لأزمة عجز المعلمين وتجاوبا مع ما شهدته لجنة التعليم من مناقشة لطلب الإحاطة المقدم من النائب مصطفى سالم عضو لجنة الخطة والموازنة بخصوص عجز المعلمين وبحضور الدكتور رضا حجازى نائب الوزير لشئون المعلمين، أوصت اللجنة بضرورة سرعة الإعلان وعقد مسابقة لـ (تعيين) معلمين جدد – نحو 40 ألف معلم – مع وعد من لجنة الخطة والموازنة بتوفير الاعتمادات المالية المطلوبة من خلال البنود الاحتياطية بالموازنة.
الدكتور أحمد الجيوشى ، نائب وزير التربية والتعليم السابق والأستاذ بكلية التكنولوجيا والتعليم بجامعة حلوان يرى أن أحد عناصر حل الأزمة هو ضرورة إدراك اختلاف (حدة الأزمة) بين مرحلة تعليمية وأخرى وتحديد المرحلة الأولى بالبدء بها.. وفى رأيه ينبغى البدء بالوفاء باحتياجات (المرحلة الابتدائية) من الفصول الدراسية الجديدة، فهى التى يبدأ فيها التلاميذ حياتهم المدرسية، ومن ثم نحتاج لتجهيز مدارسها بعدد الفصول اللازمة، أما باقى المراحل الإعدادية والثانوية فيمكنها الانتظار 6 سنوات على الأقل لحين وصول دفعة أولى ابتدائى الجديدة إليها.
ويضيف أن العنصر الثانى فى تفكيك حدة الأزمة مكانيا هو ( المحافظات) فهناك نحو (10 محافظات هى الجيزة والإسكندرية والقليوبية والقاهرة والغربية والدقهلية والبحيرة وأسيوط والمنوفية والشرقية) يزداد متوسط الكثافات الطلابية فى الفصل لنحو 80 طالبا وفى بعضها لنحو 120 طالبا، وينبغى إعادة تقسيم هذه المحافظات من حيث (توافر الأراضى ) - بافتراض توافر التمويل - لنجد أن نصفها يعانى من عدم توافر أراض لبناء مدارس عليها وسط الكتل السكنية، مثل القاهرة والجيزة والإسكندرية، وهناك خياران: إما بناء مجمعات مدارس فى الامتداد الصحراوى لهذه المحافظات ولكننا سنقابل بضرورة توفير وسائل نقل متخصصة للطلاب، وإما نزع غالبية مساحات المتخللات والأراضى المتوافرة بالقرب من الكتل السكنية بهذه المحافظات وتخصيصها لبناء المدارس المطلوبة عليها.
حلول المجتمع المدنى
ما أشار إليه نائب وزير التربية والتعليم السابق يأخذنا إلى مراجعة ورصد دور مؤسسات المجتمع المدنى والجمعيات الخيرية والقطاع الخاص ورجال الأعمال ومدى إسهامهم ومشاركتهم فى حل (أزمة الكثافة) لنرصد ضعف دورهم فى هذا الاتجاه.
الدكتورة غادة النشار، المدير التنفيذى لصندوق الاستثمار القومى للتعليم (التعليم حياة) تؤكد أن إطلاق الصندوق منذ نحو عامين جاء إحياء لفكرة الوقف الخيرى ، متبنيا فكرة الاكتتاب وليس التبرع، وبهدف إيجاد آلية لتوفير تمويل مستدام للمشاريع التعليمية، بالإضافة إلى توفير خدمة تعليمية متميزة موجهة للمناطق الأكثر احتياجًا، وتوضح أن رأس مال الصندوق بلغ نحو 100 مليون جنيه يدر عائدا نحو 10 ملايين جنيه، يتم توجيه أغلبها لتطوير التعليم الفنى خصوصا مدارس (التكنولوجيا التطبيقية)، بينما تقف قلة العائد عائقا دون مساهمة الصندوق الخيرى فى بناء المدارس لارتفاع تكلفتها.

كثافة التلاميذ بالمدارس
وتؤكد الدكتورة سلمى البكرى رئيس مجلس أمناء مؤسسة (التعليم أولا) إحدى مؤسسات المجتمع المدنى التابعة لوزارة التضامن الاجتماعى والمتخصصة فى مجال التعليم، أن إطار عمل المؤسسة يستهدف فى مرحلته الأولى رفع الكفاءة المهنية للعاملين بالعملية التعليمية ورعاية وتأهيل الطلاب المتفوقين فى المدارس، مع التركيز بشكل خاص على تجربة المدارس الرسمية والرسمية المتميزة للغات، مضيفة أن الإسهام فى (بناء المدارس) وحل أزمة الكثافات واجب وطنى وضرورة ملحة لتحسين المنتج التعليمى ، ولكن قلة موارد مؤسسات المجتمع المدنى تقف عائقا أمام هذه المهمة التى تتطلب مليارات الجنيهات، ولذا فنحن نعمل ونخدم العملية التعليمية على قدر إمكاناتنا المتاحة.
رابط دائم: