رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اللغة التى يفهمها آبى أحمد

تتواصل المعارك الطاحنة بين الحكومة الإثيوبية وحكومة إقليم تيجراى فى شمال البلاد، رائحة الموت والخوف تنعق فى كل أقاليمها، حروب الجميع ضد الجميع تروّع وتقتل وتشرّد الملايين، وتهدد بانهيار كيان الدولة الإثيوبية الهشة، فوضى عارمة تغذيها أحقاد تاريخية وأطماع مستجدة فى السلطة والموارد والحيز الجغرافى، الغريب أن الذى أشعل شرارة الحرب المدمرة الراهنة ليس أعداء إثيوبيا بل رئيس وزرائها آبى أحمد نفسه؛ الحائز على جائزة نوبل للسلام!.

جموح آبى أحمد وشبقه للسلطة ورغبته العارمة فى تأبيد حكمه واستعادة المظاهر الإمبراطورية والحكم المركزى، لا الفيدرالي- فى مخالفة صريحة للدستور الإثيوبي- كل ذلك أوقد نار الخلافات بينه وبين التيجرانيين شركائه فى الحكم بالأمس، الذين يراهم إرهابيين اليوم إلى حد المواجهة العسكرية معهم؛ وهى مواجهة لم تقف عند طرفيها بل سرعان ما انتشرت لتعم أرجاء البلاد؛ كل أثنية تحارب الأضعف منها؛ طمعا فى الأراضى والموارد، مع ذبول هيبة الدولة وانحسار سلطتها.

إثيوبيا بين نارين، نار الحرب مع نخبة تيجراى، التى كانت تحكم البلاد وأقصيت عن المشهد، بعدما ضيق عليها الخناق آبى أحمد المتحالف مع قومية الأمهرة، ونار الحروب الإثنية بين القوميات المختلفة، حرب تتسع دوائرها وتتمدد كل يوم، لتتعمق الجراح وتشتعل الأحقاد والضغائن، فى بلد يعانى مجاعات ومعدلات فقر مرتفعة وتردى الخدمات. ما يثير الاستغراب والاستهجان أن سلطة تحكم بلدا بتلك الأوضاع المأساوية كان الأجدر أن تتفادى الحروب وتحقن الدماء وتنقذ الأبرياء، لكن بدلا من ذلك، اندفع آبى أحمد إلى تعقيد الأزمة وإشعالها كلما خبت، متوهما إمكانية تشديد قبضة الحكومة المركزية فى أديس أبابا على بقية الأقاليم الفيدرالية، مستسلما لرغبات أنصاره من الأمهرة، لا يؤمن آبى أحمد بالديمقراطية ولا بالتداول السلمى للسلطة، يشعر بأن سجله خال من أى إنجازات يبنى عليها شرعيته؛ لذلك يولغ فى دماء شعبه ويسوق عرقياته إلى الاحتراب، كأنه يسعى جاهدا لكتابة الفصل الأخير فى سفر إثيوبيا الموحدة، ما ينذر بأن ألسنة اللهب لن تنطفئ قبل التهام الجميع, ولا شك أن استمرار الوضع الراهن يقود إثيوبيا إلى التفكك.

وبرغم هذا المشهد المتفجر، والخيارات التى تضيق أمام النظام مع توالى هزائمه؛ فإنه لا علامة فى الأفق على أن رئيس الوزراء الإثيوبى قد يراجع نفسه أو يعيد حساباته، فهو سادر فى غيه؛ يزرع أراضى بلاده بالدماء والمجاعات والبغضاء, مربط الفرس ربما يكون خارج الهضبة الإثيوبية، فى العواصم الإقليمية والدولية المهمة، إذ يتطوع بعضها بإمداد حكام أديس أبابا بالأسلحة المتطورة بغزارة، خاصة الطائرات «بدون طيار«، ويزودهم آخرون بالمال والاستثمارات، ويأتى الصمت الإفريقى والعالمى إلى حد التواطؤ المخزى، أمام مذابح آبى أحمد فى تيجراى وغيرها، دعوة صامتة كى يواصل سلسال الدم والخراب ضد مواطنيه!.

لاينبئ سلوك الرجل بخير لبلاده أو المنطقة برمتها, فإذا كان يقترف كل تلك الجرائم بحق بلاده، فإنه أشد خطرا على السودان ومصر والقرن الإفريقى وحوض النيل إجمالا, فهو يبدى قدرا هائلا من الصلف والعناد فى مفاوضات (سد النهضة)، يصر على الملء الثالث، دون اتفاق مع دولتى المصب- فشل فى إكمال الملء الثاني- وكأنه لا يعى نتيجة أفعاله ولا يقدر عواقبها، فالمفاوضات الجارية/المتوقفة حول السد ليست أكثر من عبث وهدر للوقت، واستفزاز لشعبى مصر والسودان، ودفع للأمور إلى ما لا يرغبه أحد، فى منطقة تكتوى بأصناف الأزمات، وليس أدل على سوء النية من استغلاله التطورات الأخيرة فى السودان للتدليس وإعلان وقف المفاوضات- المتوقفة أساسا- متذرعا بأن الجهة الراعية للمفاوضات (الاتحاد الإفريقي) جمدت عضوية الخرطوم فى أنشطتها، بينما يواصل آبى أحمد تعلية السد؛ يخوض الرجل معاركه بنزق على كل الجبهات، داخل إثيوبيا وخارجها، تلقف الخلاف بين المكونين المدنى والعسكرى ليؤجج نار العداوة بالخرطوم, حتى ينتزع جزءا عزيزا من مياه السودان وأراضيه، ومياه مصر أيضا؛ وتلك ستكون سقطته الكبرى، أو القشة التى تقصم ظهر البعير، أو القطرة التى تُفيض كأس الجميع، مصر تستطيع وتملك الكثير والكثير من الأوراق, كى تحافظ على حقوقها التاريخية والمكتسبة، وما عليها سوى تفعيل ما تملك، دون إبطاء، السودان مشغول بنفسه، وآبى أحمد تاجر دماء لا يفهم إلا لغة واحدة!.

[email protected]
لمزيد من مقالات د. محمد حسين أبوالحسن

رابط دائم: