رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

كتيبة الخوارق

فى حياة مصر 134 يوما يفوح عطرها على الدنيا كلها، مازال طيبها يلامس قلوبنا وعقولنا، روائع تفاصيلها تؤنس وحشتنا وتلهب حماسنا وتستدعى هممنا لنجعل من ضعفنا الحاضر قوة قادمة.

يوم أن أصدرت القيادة العسكرية أوامرها لكتيبة الخوارق 603 مشاة أسطول فى السادس من أكتوبر لاقتحام نقطة كبريت واحدة من أهم النقاط الحصينة لإسرائيل ضمن خط بارليف، ملتقى الطرق العرضية شرق القناة بين البحيرات الُمرَة الصغرى والكبرى عندها تتضاءل المسافة بين الشاطئين الشرقى والغربى وفى الوسط جزيرة يستطيع العدومن خلالها تطويق الجيش الثالث، ولهذا كانت محصنة حتى فى وجه أشد الموجات الانفجارية، اقتحمتها كتيبة الأبطال الأربعمائة بقيادة الشهيد البطل العقيد إبراهيم عبد التواب واستولت عليها فى نصف ساعة، جُنَ جنون إسرائيل وحاولوا قصفها بالطائرات وإلقاء 2500 طن من القنابل الواحدة تهدم حيا بكامله دون جدوى، بعد حصار دام 134 يوما وقصف بمنتهى القسوة على مدى اليوم أصبح العدو اثنين الجوع والعطش وإسرائيل والشتاء، كان المقاتل يأكل ملعقة فول وقطعتين من البسكويت وربع لتر ماء وكانت هذه رفاهية، حتى جاء الأسوأ مع طول الحصار وانقطاع المدد. أصبحت الوجبة تقسم على أربعة ووزع القائد حصته على جنوده بعدما ظهر عليهم الإعياء الشديد ومع ذلك كان يخرج يقاتل العدو وينصب له الكمائن ويحدث فيه الخسائر . بدأ الأبطال يتساقطون حتى أصبحوا مائتى رجل، لكن مدد الله لم ينقطع عن هذه القلة الصابرة المجاهدة ومد الله يده إليهم ونبتت الفكرة فى عقل البطل الكيميائى النقيب وقتها محمد نور الدين واسترجع ما درسه فى كلية العلوم وقام بتحلية مياه القناة بعد نفاد كل مصادر المياه وعندما نجحت التجربة المضنية بالمصادر الشحيحة، قدم كوب ماء لقائده الذى قال بعزم الرجال وهو يضع يده على جهاز التحلية: من هنا لن تضيع ذرة رمل من أرض سيناء، واجهتهم مشكلة أكبر وهى نفاد مصادر الأخشاب المستخدمة فى تسخين المياه المطلوب تحليتها، بحث الأبطال عن ضالتهم من الخشب حتى وجدوه بعيدا عن الموقع بـ 300 متر، مسافة كافية للتعرض للقصف والموت، لم يترددوا وذهبوا لإحضاره فكانوا يفكون خشب الفلنكات يأيديهم وأسنانهم ومن يموت منهم كان زميله يحمل أخشابه على كتفيه ثم يعود لحمل جثمان زميله الشهيد تحت القصف والنيران فهل استسلموا؟ لا رغم كل محاولات إسرائيل بالقوة تارة وبالتفاوض تارة أخرى لخروج الكتيبة فى أمان مع سلاحهم إلا أن الأبطال ردوا على قائدهم أنهم لن يتركوا الموقع الذى سيذل مصر ويضعف موقفها فى أثناء التفاوض، تستميت إسرائيل أكثر لاسترجاع النقطة وتعرض على الشهيد عبد التواب إرسال طائرة من الصليب الأحمر بالمؤن فيرفض ويقول سأقصفها مهما تكن جنسيتها ولن نترك هذه الأرض.

عندما يصل زورق مطاطى مصرى بمؤن وعلم مصرى جديد يقول لرفاقه لفونى به بعد استشهادى واستشهد فعلا بعدها بأيام عندها توقفت إسرائيل عن القصف بعدما تأكدت أنه لا جدوى من ذلك وتسلم الجيش الثالث الموقع فى 13 فبراير 1974 بعد أطول حصار لموقع لا تتجاوز مساحته كيلو مترا واحدا ولاستكمال صورة المنتصر ووضعها فى عين العدو ولبيان قوة وعظمة المقاتل المصرى طلبت إسرائيل التفاوض حول سحب 22 مدرعة قصفتها يد الأبطال المحاصرين فأرسلت الكتيبة البطل النقيب وقتها جابر شعراوى وقاموا بغسل أفرول وكيه تحت المرتبة وجمعوا له كم سيجارة ووضعوها فى علبة وحلق ذقنه وأخذ معه زمزمية مياه حتى يرى العدو أنه لم يتمكن منهم، ويوم خروج الأبطال من الموقع اصطف لهم جنود العدو وأدوا لهم التحية العسكرية اعترافا بصمودهم وشجاعتهم الخارقة التى قال عنها كيسنجر إن كبريت إحدى المعارك التى شرفت العسكرية المصرية ووضعتها فى مكانة عالمية بين جيوش العالم وكم كان يتمنى لقاء البطل إبراهيم عبد التواب.

حين نعرض تفاصيل هذه الأيام الجليلة لانعرضها لتنشيط الذاكرة ليوم أو شهر أو سنة ولكن ليعرف المجتمع نفسه، ليصنع نفسه، ليؤسس ذاته ليقرأ العقل الجمعى لهذه الأمة ويتمعن ويستوعب ويدرك ويعرف ثم يتحول كل ذلك إلى ممارسات يومية تسود كل مظاهر الحياة لنواجه التصدع اللامعقول الذى يلف الوعى العام ويبرز للشباب النماذج التافهة لتصبح قدوتهم فى غياب من هم أولى بها لتزيح ستائر الانغلاق ويتحرر المجتمع من تعطله عن التفوق والسيادة وتدفعه إلى رؤية جمعية تنفى عنه داء الخرس والصمت والعجز عن إحداث نهضة حقيقية.


لمزيد من مقالات سهيلة نظمى

رابط دائم: