رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

دار الإفتاء وتصحيح المفاهيم

لسنوات طويلة تعالت الأصوات المطالبة بأن يخاطب رجال الدين والمؤسسات الدينية المواطن العادى بخطاب دعوى حديث يسقط الأحكام الشرعية على الواقع المعاصر، بدلا من استجلاب موضوعات من التراث الإسلامى القديم ترتبط بعصر زمنى معين وليس لها علاقة بالحياة اليومية الآن، وأن يستخدم رجال الدين وسائل التواصل الجماهيرى الحديثة للتأثير فى الرأى العام، خاصة مع التقدم التكنولوجى الكبير وثورة الاتصالات التى نعيشها الآن. ومازلنا نذكر واقعة شهيرة فى الثمانينيات عندما نشرت صحيفة «الأهرام» موضوعا عن مفسدات الصوم بمناسبة شهر رمضان، قال فيه مفتى مصر وقتئذ إن من المفسدات أكل اللحم النيئ، وأكل الشحم، وأكل الطين الأرمنى والطين غير الأرمنى، وابتلاع الصائم بزاق زوجته أو صديقه، وإذا أكل الصائم أرزا نيئا أو عجينا أو دقيقا. ورد عليه الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين بمقال آثار ضجة كبيرة قال فيه: لن أهين القراء بما ذكره المفتى بين مفسدات الصوم من صور غريبة للعلاقة الجنسية الشاذة التى لم ترد فى «ألف ليلة وليلة» المصادرة بحكم قضائى، والتى ذكر أنها تفسد الصوم.. وكأن فضيلته يرى أنها ــ فى غير أيام الصوم ــ أمور مقبولة، ولكننى أضرب مثلا من عجائب أخرى.. فأكل اللحم النيئ يفسد الصوم، وأكل الطين الأرمنى مطلقا أو غير الأرمنى، وابتلاع بزاق - أى بصاق أو لعاب - الزوجة، أو الصديق!! وقد فهمت حالة ابتلاع بزاق الزوجة، ولم أفهم حالة ابتلاع بزاق الصديق. وتساءل بهاء الدين أى مجتمع مسلم اليوم يأكل اللحم النيئ وقد ضرب فيه الدود ويأكل الطين الأرمنى أو غير الأرمنى .. وهل بلغ الجمود فى النقل، وتعطيل العقل، حد عدم تمييز الزمن الذى نعيش فيه وحد عدم الانتقاء حتى فى النقل. ولم تكن تلك الواقعة الوحيدة التى تجسد انفصال المؤسسة الدينية عن الواقع المعاصر، لذلك سعدنا بالحملة التوعوية الكبيرة التى تقوم بها دار الإفتاء المصرية بقيادة الدكتور شوقى علام للرد على فتاوى شاذة، وتوضيح بعض المعتقدات الخاطئة، وتفنيد شبهات متطرفة، وتصحيح مفاهيم كثيرة عن قضايا حياتية معاصرة مثل تنظيم النسل والتعامل مع البنوك وتأجير العقارات لها والعمل بها، والمغالاة فى المهور، وختان الإناث، ولبس النقاب، واقتناء الكلاب، وتهذيب الحواجب، وحكم المنتحر، والتصوير والمكياج وتهنئة غير المسلمين والترحم عليهم ..... وموضوعات أخرى كثيرة. وتستخدم دار الإفتاء فى حملتها الصور والمنشورات المكتوبة والفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعى، ومنها صفحات الفيس بوك وتويتر ويوتيوب وتليجرام وانستجرام وتيك توك، ولقاءات يومية مباشرة أون لاين مع أحد كبار العلماء، مطلقة هاشتاج #اعرف الصح، # هنعرف الصح، # ده الصح، باستخدام جمل قصيرة وأمثلة عصرية ومفاهيم محددة من الواقع المصرى، إلى جانب إمكانية الرجوع إلى موقع دار الإفتاء وصفحاتها لمن يرغب فى التعرف على المزيد أو التفاصيل. لذلك لاقت هذه الحملة اهتماما كبيرا لدى مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى ومعظمهم من الشباب، الذين وجدوا أخيرا من يتحدث بلغتهم ويلامس واقعهم ويخطابهم عبر الوسائل التكنولوجية التى يتعاملون معها ويستقون منها معارفهم وأخبارهم الآن، لكنها شهدت ـ فى الوقت نفسه ـ هجوما عنيفا من التيارات التى أزعجها نجاح دار الإفتاء فى الوصول إلى الرأى العام وتصحيح المفاهيم الملتبسة لديه، وأصحاب الجهل الجمعى الذين لم يستوعبوا من الدين سوى قشور خارجية تصوروا أنهم بذلك قد احتكروا صكوك الغفران، والمتأثرين ببعض مشايخ السلفية والوهابية الذين انفردوا بعقول الشباب لسنوات طويلة فى ظروف تاريخية اصبحت معروفة وانتهى عصرها ودورها الذى كانت تتحكم فيه قوى سياسية لأغراض خاصة بها. وعندما تقرأ تعليقات هؤلاء على صفحات دار الإفتاء ترى العجب، فبعضهم يستنكر تصدى دار الإفتاء للفتوى وكأن الدار لها عمل آخر بعيد عن هذا المجال وأقحمت نفسها فى الأمور الدينية دون مبرر، والبعض الآخر يستنكر مضمون الفتوى دون توضيح السبب، وعندما تدخل صفحته الشخصية لتبحث عن خلفيته العلمية الدينية تكتشف أن مؤهلاته ـ إن وجدت ـ فى مجالات بعيدة عن العلوم الدينية وليس له أى علاقة بها لا علما ولا ممارسة، بل إن بعضهم لجأ إلى توجيه السب والقذف لعلماء دار الإفتاء ومحاولة إطلاق هشتاجات مضادة على وسائل التواصل الاجتماعى،ووصل الأمر إلى حد سرقة صور الحملة ووضع كلام مختلف عليها لتضليل الجمهور، مما دعا الدكتور أحمد رجب أبو العزم مدير مواقع التواصل الاجتماعى بدار الإفتاء للتساؤل: هل السرقة حرام؟ سؤال لمن يدعون التدين ويسرقون صور حملة دار الإفتاء ووضع كلام آخر عليها، فهل من الدين أن تسرق مجهود الآخرين وهل هذا ما تعلمونه للناس .. هذا هو نتاج الفكر المتطرف. هذه الأساليب والمعركة الكبيرة التى يخوضها البعض ضد حملة الإفتاء لتصحيح المفاهيم يوضح انزعاجهم الشديد من الحملة وانها نجحت فى الوصول إلى الرأى العام والتأثير فيه وهزت عرش المتشددين والمتطرفين والمتنطعين باسم الدين، كما يكشف ان بعض الشرائح المجتمعية مازالت تعانى ـ لأسباب مختلفة ـ من سيطرة انصار مذاهب الغلو والتشدد والإيمان بأن الله لم يهد قوما سواهم. نحن بحاجة إلى مزيد من هذه الحملات وأن تنسق معها الفضائيات المختلفة بكل برامجها ـ وليست البرامج الدينية فقط ـ وتسلط الضوء عليها وتستكمل مهمتها، إلى جانب خطباء المساجد، وهيئات الأزهر الشريف. بالإضافة إلى أهمية تطوير محتوى مادة التربية الدينية بالمدارس ليتضمن القضايا الحياتية التى وردت فى هذه الحملة وغيرها، ولا يقتصر على العبادات والجوانب العقائدية فقط، فلابد من تبصير الابناء فى المدارس بموقف الشريعة الإسلامية الحقيقى من كل ما نتعرض له فى حياتنا اليومية وأسانيد ذلك، لتحصينهم فى مواجهة أى أفكار متطرفة أو متشددة يتعرضون لها بعد ذلك.


لمزيد من مقالات فتحى محمود

رابط دائم: