يبدو أنه مكتوب على العرب العيش فى شقاق ونزاعات مستمرة، وإذا استثنينا ليبيا وسوريا واليمن لما يجرى فيها من حروب شبه أهلية منذ 2011 وصعوبة عودة الحياة إلى طبيعتها فى المستقبل المنظور، يعيش لبنان والسودان حالة من الصراع لان مكونات الحكم فى كلا البلدين متنافرة ولا تتفق على قرار. السودان يسير نحو حال لبنان، فنراه يعيش الأمرين، بين مكونات الحكم وفقا للوثيقة الدستورية التى وقعها الجميع فى أغسطس 2019، ولكن بمرور الوقت ومع قرب تسلم قوى إعلان الحرية والتغيير إدارة الحكم من مجلس السيادة بدايات 2022، ظهرت خلافات عميقة على السطح، ليدعو رئيس المجلس السيادى عبد الفتاح البرهان إلى حل حكومة عبد الله حمدوك وتشكيل أخرى تتمتع بقاعدة واسعة بهدف الخروج من الأزمة السياسية والتشريعية التى يعيشها السودان..فى حين يدعو تحالف الحرية والتغيير البرهان، للالتزام ببنود الوثيقة الدستورية وإجراء الانتخابات وتشكيل المحكمة الدستورية، ليخرج حمدوك عن صمته ويوجه سهامه مباشرة إلى المكون العسكري، فهو طالب بوقف حرب التصريحات وعدم استغلال مؤسسات الدولة فى الصراع السياسى وتفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن.
استخدم حمدوك مفردات سلام فى تصريحاته مثل (لن نسامح أنفسنا ولن يسامحنا التاريخ ما لم نحقق شعارات الحرية والعدالة والسلام والانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية منتخبة فى انتخابات حرة ونزيهة،).. ولكنه مهد بهذه الكلمات ليصل إلى مبتغاه ليتهم البعض باستغلال الانقلاب الفاشل ليضع الثورة فى مهب الريح ويعود بالسودان إلى الوراء، وتعطيل العمل بالوثيقة الدستورية. وتتعالى نبرة حمدوك ليقول لجميع السودانيين إن الصراع ليس بين العسكريين والمدنيين، بل هو بين معسكر الانتقال الديمقراطى ومعسكر الانقلاب على الثورة، وإنه لا يجب لقوى معينة الاستئثار بالحكم لأن هذا سيقود السودان إلى الأسوأ والأخطر.
وفى خضم الصراع الدائر فى السودان، ثمة من يتشكك فى أوساط تحالف الحرية والتغيير فى نية رئاسة مجلس السيادة تسليم الحكم لهم وفقا للوثيقة الدستورية والالتزام الصارم ببنودها واستكمال مؤسسات وهياكل السلطة الانتقالية التى تجاوزت آجالها المحددة.. وأخيرا مر السودان بأزمة المظاهرات، الأولى تطالب بتنحى الحكومة، والثانية تطالب بتنحى رئيس المجلس السيادي، ليظل الصراع مفتوحا على مصراعيه، لتخرج أمريكا عن صمتها وتؤيد مطالب (الحرية والتغيير).
لمزيد من مقالات محمد أمين المصرى رابط دائم: