التفاوت الاجتماعى - الطبقى موجود منذ أن تحول الإنسان الأول مما يُطلق عليها حياة الطبيعة إلى تكوين مجتمعات بدأت قزمية ثم كبرت تدريجيًا. وجود أغنياء وفقراء معروف، ومدروس علم الإنسان وعلم الاجتماع، منذ تلك اللحظة التى لم يُعرف بعد متى كانت على وجه التحديد. ربما هى اللحظة التى تصور المفكر المُبدع جان جاك روسو امتلاك بعض الأفراد أراضى كانت مشاعًا. فقد تخيل أن التفاوت بدأ عندما زعم أول شخص امتلاكه قطعة لأرض، ووجد من يصدقه، ومن يعمل فى خدمته. غير أنه على مدى ملايين لا نعرف عددها من السنين، لم تبلغ المسافة بين الأكثر ثراء والفقراء المدى الذى وصلت إليه خلال العقود الأخيرة. لم يُنتج التفاوت الاجتماعى طول ذلك التاريخ المديد ثقافة تُدعمه وترسخه مثلما أنتج فى الفترة بين أواخر الثورة الصناعية الأولى وبدايات الثانية.
وأخطر ما فى هذه الثقافة التى استشرت فى أنحاء العالم تقدير قيمة الإنسان بالمال الذى يملكه، وتحديدًا بما يُنفقه ويعرف الناس عنه. فهناك أثرياء، وفاحشو الثراء، يملكون أموالا طائلة، ولكنهم يحيون حياة عادية مُريحة بعيدًا عن السفه المتزايد فى أنماط حياة آخرين من الفئات الاجتماعية نفسها. كما يحرص كثير من كبار الأثرياء الذين يتبرعون بأموال وفيرة لأغراض شتى على أكتاف إنفاقهم النبيل، بخلاف آخرين يعرف العالم كله ما يتبرعون به قبل أن يخرج من رصيدهم فى المصارف. وكلما ازداد كبار الأثرياء الذين يتفاخرون بأموالهم، تنامى الاتجاه إلى وضعهم فى مرتبة أعلى من غيرهم، ومن ثم ترسيخ ثقافة تقدر قيمة الإنسان فى ظلها بماله وليس بعمله وعلمه وإسهاماته فى هذا المجال أو ذاك، وخاصةً منذ انتشار الأفكار النيوليبرالية منذ منتصف السبعينيات. ومن أهم هذه الأفكار أن الأكثر ثراء هم الأوفر ذكاءً ونشاطًا وطموحًا، وأن الفقراء ليست لديهم هذه السجايا، وأن التفاوت يعود بالتالى إلى عوامل طبيعية وليس إلى اختلالات اجتماعية واقتصادية. وبرغم أن هذه الثقافة النيوليبرالية نشأت فى الغرب، فهى تنتشر بدرجة أعلى فى مناطق أخرى، لأنها تجد مساحة أوسع فى المجتمعات الأكثر تخلفًا، والأقل تقدمًا. ازدادت هذه الثقافة البائسة رسوخًا فى المجتمع، واشتد أثرها فى سياسات عدد أكبر من الحكومات وصارت أكثر انحيازًا للأثرياء، وقوى بالتالى نفوذهم فى المجال العام، فى إطار ظاهرة الزواج بين السلطة والثروة. ويظهر الانحياز للأثرياء، فى هذه الحالة فى سياسات وتشريعات تمنحهم مزايا أو تعطيهم واجبات.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: