عندما قال الجمسى لوايزمان إن الرئيس السادات يريد أن يراك فى مقره بالإسماعيلية استدعى وايزمان شريطا من الأفكار التى كانت تدور فى ذهنه حول السادات. وكانت البداية ملفا تسلمه من المخابرات الاسرائيلية جاء فيه أنه كان منحازاً إلى النازية ومعجبا بهتلر.وعندما تولى السلطة بعد رحيل الرئيس عبد الناصر لم تهتم به ولم تأخذه على محمل الجد، وأنه ترك خيار الحرب وكان مرحباً بالدخول فى علاقة مع أمريكا عبر الوسيط كيسنجر وذلك بداً من الدخول فى علاقة مع الأمم المتحدة، وأنه كان محقاً فى ذلك لأن مَنْ يطرد الروس ويستدعى الأمريكان لا يكون مستعدا للحرب، وكان كل زوار وايزمان على هذا النحو. أما وزراء الدفاع من الذين سبقوا وايزمان قبل تعيينه فى يونيو 1977 بالاضافة إلى الخبراء والمستشرقين ومديرى المخابرات العامة فكان الرأى السائد لديهم أنه ليس ثمة تحول جذرى فى الدوائر المصرية الحاكمة فى شأن عدم الاعتراف بوجود إسرائيل، وأن أى إيحاء بأن ثمة تغييرا فيكون ذلك من قبيل الألفاظ خالية المعنى. وانتهى وايزمان من كل ذلك إلى نتيجة بائسة وهى أن الأجيال الإسرائيلية القادمة مدعوة إلى الاستعداد للحرب مع أنه كان قد تصور أن حرب 1948 هى الأولى والأخيرة وإذا بحرب ثانية تشتعل. ومن هنا أدرك أنه مخطئ فى تصوره فمازالت غيوم الحرب تطل على الجميع. ثم أضاف أمرا آخر وهو أن جيله لم يشاهد الهولوكوست ومع ذلك فهذا الجيل ذاته يعيش فى ظلها بمعنى أنه لا يمكن تفاديها فى إسرائيل ذاتها. ولا أدل على ذلك من أن أحدا لم يهتم بإبلاغ وايزمان موجزا للخطاب الذى ألقاه السادات فى البرلمان المصرى. ومع ذلك ففى صباح اليوم التالى قرأ موجزا للخطاب فى الصحافة الإسرائيلية وفيه عبارة وردت وهى أنه قادم إلى الكنيست فى القدس. ومع ذلك أيضا فإنه لم يصدق ما ورد فى تلك العبارة إذ اعتبرها مجرد عبارة خالية من أى معنى، إذ بعد عداوة مستمرة لمدة ثلاثين عاما يحدثنا السادات عن الحضور إلى القدس. كيف يحدث ذلك والتاريخ يشهد على غير ذلك؟ ففى عام 1937 اقترحت بريطانيا تقسيم الأرض. إسرائيل وافقت أما العرب فرفضوا.وفى عام 1947 أصدرت الأمم المتحدة قرارا بإقامة دولة يهودية ودولة عربية. وعندما وافقت إسرائيل هوجمت من خمس دول عربية بدعوى أنه ليس من حق إسرائيل أن يكون لها وجود. ومن هنا لم يعد فى إمكان الإسرائيليين تصور أن موقف مصر قد تغير. فالصراع متواصل ومتجذر فى أن أمة تهدد أخرى بالفناء وليس مجرد أمة تحتل أخرى على نحو ما يحدث فى الحروب.ومن هنا كان لدى الإسرائيليين قناعة بأنهم إذا خسروا حربا واحدة فإن هذه الخسارة تعنى نهايتهم. وكان وايزمان على قناعة تامة بأن مبادرة السادات فى الذهاب إلى القدس ما كان يمكن أن تكون مقبولة من الحكومات الإسرائيلية السابقة مثل حكومة إشكول ومائير ورابين. حتى حزب العمل انتهى بعد ثلاثين سنة من محاولة الاتصال بالعرب إلى عبارة واحدة: لم نجد أحدا لنتحدث معه. ومع ذلك فإنه من سخرية القدر أن مبادرة السادات قد قوبلت بترحاب من رئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجن مع أنه مشهور عنه أنه من الصقور العتاة وأنه يمينى متطرف. ومن هنا قيل إن ما كان فى الماضى فانتازيا أصبح وضعا قائما. أما وايزمان فقد أقنعته المخابرات الاسرائيلية بأن الرئيس المصرى قادم بالفعل إلى القدس. وبدأ العالم كله يتطلع إلى هذه الزيارة. وبعدها ارتأى وايزمان أنه من اللازم الاتصال تليفونيا بمكتب رئيس الوزراء فى القدس ليقترح عليه ضرورة مناقشة هذه الزيارة فى مجلس الوزراء ولكن بلا مجيب إلا أن الموساد وهو المقابل للمخابرات الأمريكية قد انتهى إلى نتيجة واضحة من غير التباس وهى أن مصر لن تبرم معاهدة منفردة مع اسرائيل ولكنها مع ذلك تريد السلام فى مقابل طلبات محددة ومن بينها الانسحاب من سيناء.وعندئذ قرر وايزمان الالتقاء برئيس الوزراء بيجن ليعرض عليه الأمر ثم يترك له اتخاذ القرار، ومن ثم أمر السائق بأن ينطلق بالسيارة فى اتجاه القدس وبسرعة فائقة. وفجأة لمح شخصا يعبر الطريق فصرخ فى السائق لكى يتفاداه ولكن بعد فوات الأوان الأمر الذى أدى بالسيارة ذاتها إلى أن تنقلب على ذاتها وكان وايزمان على وشك الموت. وفى المستشفى اكتشف أن حالته سيئة وأن أجزاء كثيرة من جسمه وضعت فى الجبس. ومع ذلك فقد قال بصوت هزيل للأطباء ولكن بنبرة آمرة: أنا ذاهب إلى الكنيست يوم الأحد أيا كان ما ترونه. وذهل الأطباء إلا أنهم أخبروه بأن عليهم الانتظار إلى يوم الأحد ليروا كيف سيتصرفون. وكان رده: ماذا تريدون أن تروا.. لا شئ.. أنا ذاهب إلى القدس. وفى صباح يوم الجمعة أذن الأطباء لوايزمان برؤية التليفزيون فلم يصدق ما رأى.. طائرة مصرية تهبط على مطار بن جوريون وعلى الأرض عشرات من رجال الأمن المصريين. تأمل وجوههم لقراءة أفكارهم، وكان وزراء بيجن فى انتظار هبوط السادات من الطائرة وكان وايزمان متشوقا لرؤيتهم وهم يصافحونه. وفى لمح البصر رأى السادات العدو على أرض إسرائيل. والمغزى أن ما هو محال أصبح واقعا بعد سنوات عديدة من الحروب ومن القتلى. إلا أن وايزمان تذكر أمرا مذهلا وهو أن اليهود والمصريين، قبل هذه السنوات، كانوا فى حالة تعايش مشترك سرعان ما تلاشت ونسى المصريون أن الحدود بينهم وبين اليهود كانت مفتوحة.
لمزيد من مقالات د. مراد وهبة رابط دائم: