مرت أربعة أشهر منذ انتهاء الجولة السادسة لمفاوضات النووى الإيرانى فى فيينا ولم تنجح الأطراف المختلفة فى العودة إلى المفاوضات فى ظل تبنى أمريكا وإيران إستراتيجية الضغوط المتبادلة والعودة المشروطة, ووصل الأمر إلى تصعيد أمريكا لخطابها الدبلوماسى تجاه إيران وذلك بالتلميح بأن كل الخيارات, متاحة فى حالة فشل مفاوضات فيينا, وذلك على لسان وزير الخارجية انطونى بلينكن والمبعوث الأمريكى لإيران روبرت مولى, بما يعنى أن إدارة بايدن تطرح الخيار العسكرى, فى حالة فشل المفاوضات, وذلك لمنع إيران من امتلاك السلاح النووى, كما أنه فى المقابل أيضا يعطى الضوء الأخضر لإسرائيل لاستخدام الخيار العسكرى تجاه إيران, حيث جاءت تصريحات بلينكن فى المؤتمر الصحفى المشترك مع وزير الخارجية الإسرائيلى يائير لابيد.
هذا التصعيد الأمريكى والتلويح بالخيار العسكرى, لا يعكس تحولا استراتيجيا فى السياسة الأمريكية بقدر ما يشكل ورقة ضغط على إيران للعودة السريعة إلى المفاوضات المتجمدة نتيجة لسياسة الممانعة الإيرانية والعودة بشروط وأبرزها وجود ضمانات برفع العقوبات الأمريكية وعدم عودتها مجددا, إضافة إلى ضمانات بعدم خروج أمريكا من الاتفاق النووى مستقبلا, كما حدث مع ترامب, وكذلك العودة إلى الاتفاق القديم الموقع فى عام 2015 دون أي تعديلات عليه, والمطالبة بأن تقوم الولايات المتحدة بالإفراج عن 10 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة فى واشنطن كخطوة على حسن النوايا الأمريكية, وهو ما رفضته إدارة بايدن التى اشترطت العودة للمفاوضات دون أي شروط مسبقة, كما أشارت إلى أنها قد ترفع فقط العقوبات المرتبطة بالملف النووى, فى حال التزام إيران ببنود اتفاق 2015, وبشكل تدريجى ومرتبط بتراجع إيران عن انتهاكاتها فى الاتفاق, وأنه من الصعب رفع العقوبات الأخرى خاصة المرتبطة بالملف الصاروخى الإيرانى وأنشطة إيران فى المنطقة وملف حقوق الإنسان, وهى عقوبات عديدة ومعقدة فرضتها إدارة ترامب, كما أن هناك عقوبات مفروضة بموجب قانون مواجهة خصوم أمريكا فى الخارج الذى أقره الكونجرس فى أغسطس 2017, ومن الصعب رفع تلك العقوبات, كما تسعى إدارة بايدن إلى تعديل الاتفاق القديم الذى ينتهى أجله فى عام 2025, كذلك مناقشة الملفات الأخرى, المرتبطة بالبرنامج الصاروخى ودور إيران فى المنطقة, وهو ما ترفضه طهران فى المقابل, وهو ما أدى لفشل المفاوضات وتعثر العودة إليها حتى الآن.
إن سياسة الضغوط والمشروطية للعودة إلى المفاوضات من جانب أمريكا وإيران للضغط على الطرف الآخر لتقديم تنازلات لم تنجح فى عودة الطرفين إلى المفاوضات حتى الآن, خاصة فى ظل فشل الجهود التى تبذلها الأطراف الأخرى فى الاتفاق, روسيا والصين وفرنسا وألمانيا وبريطانيا, فالخطاب الأوروبى فى مجمله يحذر إيران من نفاد الوقت لكن دون أن تبلور الدول الأوروبية حتى الآن إستراتيجية واضحة تجاه عودة المفاوضات ومضمونها أو الخيارات المتاحة فى حال فشلها وهو ما يؤكد محدودية الدور الأوروبى فى مفاوضات الملف النووى الإيرانى ومراوحة أوروبا بين مصالحها القوية مع إيران خاصة الاقتصادية وما بين مصالحها الكبيرة مع الولايات المتحدة, وذلك على عكس روسيا والصين اللتين تميلان للموقف الإيرانى فى العودة للاتفاق القديم دون أى تعديلات, كما يرفض البلدان سياسة العقوبات الأمريكية, وبالتالى لم يحدث حتى الآن توافق بين كل أطراف الملف النووى الإيرانى حول توقيت العودة وحول مضمون وطبيعة المفاوضات والمرجعيات التى ترتكز عليها وهو ما يفضى إلى إطالة أمد المفاوضات وصعوبة التوصل إلى اتفاق قريب, وإلى تزايد احتمالات السيناريوهات الأخرى خاصة الخيار العسكرى من جانب أمريكا وإسرائيل.
لكن الإشكالية أن إدارة بايدن لم تبلور حتى الآن أيضا إستراتيجية واضحة تجاه التعامل مع الملف النووى الإيرانى والبدائل المختلفة فى حالة تعثر أو فشل المفاوضات نهائيا, فالإدارة أعلنت أنها مع الدبلوماسية لتسوية هذه القضية وأنها مع العودة للاتفاق عبر المفاوضات, لكنها لم تنجح حتى الآن فى إقناع او دفع إيران للتوصل إلى اتفاق, خاصة فى ظل رفض الإيرانيين التفاوض المباشر مع الأمريكيين, كما أن إيران اعتبرت على لسان رئيسها إبراهيم رئيسى أن المفاوضات ليست من أولويات حكومتها وأنها ليست فى عجلة من أمرها رغم استمرار العقوبات الأمريكية التى أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإيرانى. وفى ذات الوقت بدأت إدارة بايدن المزج بين سياسة العصا والجزرة والتلويح بالخيارات الأخرى, فى ظل الضغوط الإسرائيلية عليها مع تسارع معدلات التخصيب الإيرانى لليورانيوم إلى معدل 60% وامتلاك أكثر من 120 كيلو جراما من اليورانيوم المخصب وهو أكبر من المنصوص عليه فى الاتفاق وتركيب أجهزة الطرد المركزى الحديثة ام آر 6, ووضع عقبات أمام مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية للوصول إلى المعلومات الموجودة فى كاميرات المواقع النووية الإيرانية واشتراط إيران ذلك بتقدم المفاوضات ورفع العقوبات, وهو ما يزيد من تعقيدات الملف النووى, ويدفع باتجاه سيناريوهين, الأول: أن تنجح سياسة الضغوط المتبادلة وحافة الهاوية إلى العودة للمفاوضات والتوصل إلى اتفاق توافقى بعد تقديم تنازلات متبادلة من جانب أمريكا وإيران وهو السيناريو المرجح, الثانى: أن تصل الأمور إلى طريق مسدود وتتجه نحو الخيار العسكرى وهو السيناريو الاضطرارى والمحتمل.
لمزيد من مقالات د. أحمد سيد أحمد رابط دائم: