رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أول ورقة فى التاريخ أغلى من «البنكنوت» «بردى القراموص» يقاوم الاندثار

الشرقية ــ نرمين عبد المجيد الشوادفى
مراحل تصنيع أوراق البردي بورشة بقراموص

تعرف بلقب «قرية البردى» إنها «القراموص» القرية الصغيرة على أطراف مركز «أبوكبير» بالشرقية.

وهى الوحيدة على مستوى العالم التى لاتزال تمتهن إنتاج البردى من حيث الزراعة والصناعة، رغم ماتواجهه من تدهور وانحسار خاصة مع التراجع الأخير لحركة السياحة بفعل جائحة كورونا.

البردى الذى استخدمه المصرى القديم فى مختلف نواحى الحياة، ما بين الكتابة وصناعة القوارب والحبال والحصر، وحتى دخل فى تشييد المنازل وتحنيط الموتى، عرفته «القراموص» نهاية السبعينيات على أيدى ابنها الدكتور أنس مصطفى أستاذ الفنون الجميلة.


ألوان زاهية ورسومات ناطقة تزين "البردي المظلوم"

وأنس مصطفى كان من أنجب تلاميذ الدكتور حسن رجب، مؤسس القرية الفرعونية. وقد اتفق مصطفى ورجب على جلب شتلات البردى وتعليم أهل «القراموص» كيفية زراعته وصناعته ضمن مشروع بحثى لإعادة إحياء النبات العريق. فأصبح «البردى» المحصول الرئيسى بالقرية.

وتحولت القرية تدريجيا إلى مركز عالمى أصبحت منازله كلها ورش لصناعة البردى وأفراده إلى مزارعين وصناع فى خدمة الورقة العريقة.

آثار الخراب

بمجرد الوصول لأطراف القرية، يدرك الزائر حجم التهديد الذى يحيق به، فالقرية التى كانت تمتلئ عن آخرها بزراعات البردى التى بلغت 500 فدان، تقلصت إلى مساحات صغيرة متفرقة لا تتجاوز عشرات الأفدنة. وترتب على ذلك أن أهالى القرية الذين اعتمدوا زمنا عليه كمصدر رزق، لكنهم باتوا يعانون البطالة، لأنهم لا يعرفون غيره حرفة وسبيل لكسب الرزق.

أجمع عدد من فلاحى «قراموص» على أن تراجع حركة الطيران والسياحة دفعهم دفعا إلى تقليع أفدنة «البردى» وزراعتها بالمحاصيل التقليدية لتأمين مصدر رزق، موضحين أن «البردى» من الزراعات المكلفة. ويكشف سامح محمد، صاحب ورشة لتصنيع البردى، المزيد عن مسببات ارتفاع تكلفة صناعة «البردى». فيقول: «بخلاف تكلفة الزراعة ومشكلات الرى المعتادة وأجرة المزارعين، هناك تكاليف ومستلزمات الصناعة من محاليل وكلور ومرافق. وفى النهاية سعر الورقة التى تباع بمقاس 60 × 40 لا يتجاوز 15جنيها، وهو عائد لا يغطى التكلفة والمجهود المبذول فى إعداد ورقة تعد أغلى من البنكنوت لتاريخها وكونها صناعة يدوية».

ومن بين القلائل الذين مازالوا يزرعون «البردى» الفتى أحمد سعيد (16عاما) الذى قابلته «الأهرام» وهو يعمل ببراعة ونشاط على اجتثاث سيقان البردى من الأرض المزروعة، وتنظيفها تمهيدا لنقلها للورشة وكأن يده تعرف طريقها جيدا. فقد ورث حب البردى عن والده. وقال: «لا نعرف سوى تلك المهنة التى تربينا عليها، وأنا أدرس وأتعلم وأساعد والدى فى الأرض، ولا أريد ترك مهنتنا. وتعلمت من والدى أن السياحة فى مصر قد تمرض ولكن لا تموت».

وعن معرفته بالبردى، يحكى: «هو نبات مائى بلا أوراق، وهو من الزراعات الصيفية التى تنمو مع نهاية الفصل الحار، يحتاج لضوء الشمس. يمكن البدء فى استغلاله وتصنيعه بعد 6 أشهر من الزراعة. والمحصول الواحد ينتج ثلاث قطفات، كما أنها تبقى فى الأرض لسنوات طويلة قد تمتد إلى 15 عاما. ونختار منها بعد ما يمتد عودها، وقد ننقل الشتلات لأرض جديدة بغرض التوسع فى الزراعة».

ورشة البردى

وداخل واحدة من ورش قراموص، حيث أغلب العاملين من النساء التقت «الأهرام» بالفتاة أريج التى كشفت عن طبيعة العمل فى صناعة البردى، قائلة: «يومنا يبدأ فى السابعة والنصف صباحا، وتستمر مناوبة العمل بين 7 و8 ساعات، لكن تتقلص فترة المناوبة خلال فصل الشتاء».

وعن مراحل صناعة البردى، أجمعت العاملات على المراحل الرئيسية التالية: «البردى يمر فى صناعته بعدة مراحل، فبعد قطع السيقان وتنظيفها من الشواشى، يتم ربطها فى حزم وجلبها من الحقل للمصنع أو الورشة، ثم تبدأ مرحلة التقطيع، فيتم تقطيع الأعواد بالمقاس وعلى حسب الطلب بدءا من عدة سنتيميرات وحتى أكبر ورقه بطول مترين. ثم يكون الدور على التشريح أو التشريط، أى التقطيع لشرائح وشرائط رفيعة بواسطة خيوط حادة، ثم مرحلة النقع بالغمر فى حوض به محلول «البوتاس» لتطرية الورقة، ثم ما يعرف بـ «الكرولة» بنقعه فى محلول «الكلور» للتحكم فى اللون بالتفتيح أو التغميق، ومنحه الدرجة المطلوبة. وتأتى المرحلة الأخيرة، وهى الرص والتجفيف، فيتم رص الشرائح وتنظيمها تباعا بالطول والعرض حتى تكتمل الورقة، ثم يتم الفصل بين الورق بنسيج فاصل، ثم يكون الدور على تقنية «الكبس» لإفراغ ما بها من ماء وتجفيفها لتصبح صالحة للكتابة.

الفنان طراخان

داخل مرسمه الخاص، يجلس سعيد طراخان، أحد أشهر فنانى القرية ورساميها، وأمامه منضدة بسيطة مزدحمة بالألوان ومستلزمات الرسم. ورغم موهبة طراخان الرفيعة ولوحاته من البردى التى تزين مواقع عريقة مثل لوحة رحلة العائلة المقدسة بمنطقة تل بسطة، يواجه طراخان كغيره من فناني وصانعى البردى الكثير من العقبات فى تسويق الإنتاج مع تراجع الطلب. يكشف للأهرام أنه وأبناء القرية لا يتوقفون عن التفكير خارج الصندوق، قائلا: «نأمل فى انتهاء الأزمة العصيبة وأن تمتد لنا يد الدعم» موضحا: «من أكثر ما يعوقنا تعثر عمليات التسويق فلا معارض، أو ورش للتعريف بإنتاجنا وتوصيله للعالم العاشق لكل ما هو مصرى».

واتفق الأهالى مع طاراخان على ضرورة حل أزمة التجار الوسطاء الذين يشترون الورق بأقل الأسعار ويبيعونه بالدولار ويحصدون جهد أهل قراموص، لذا طالبوا بفتح أسواق خارجية وتوظيف أسابيع الصداقة مع مختلف دول العالم فى عمل معارض دولية بالخارج والداخل للبيع المباشر من الصناع لجنى ثمار جهدهم وعرقه.

محاولات للنهوض

وعن جهود محافظة الشرقية لتنمية ودعم صناعة البردى فى محافظته، يوضح الدكتور ممدوح غراب محافظ الشرقية، أنه يجرى الإعداد لمخطط متكامل لتنمية صناعة البردى والحفاظ عليها من الاندثار لما تمثله من قيمة فنية وتراثية بالنسبة للشرقية ومصر. وكشف أنه سبق وتم تشكيل لجنة قومية عليا لإعداد ملف الصون العاجل لحرفة صناعة البردى وإدراجها ضمن قائمة التراث اللامادى بمنظمة اليونسكو، وهناك دراسة لإنشاء متحف للبردى بقرية «القراموص» يضم معملا للترميم ومركزا لتدريب الكوادر على فنيات الترميم وتحسين جودة المنتج، بالإضافة لتنظيم فاعليات لتسويق منتجات البردى دولياً.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق