جذبت بعض أعمال الفن المعاصر المعروضة بين ممرات «إكسبو دبى» أنظار رواد هذا الحدث الفريد، فنجحت فى مخاطبة الجمهور العام، لتخالف الاعتقادالشائع عن عزلتها بوصفها أعمالا قد تبدو غير مفهومة.
تقول الدكتورة حياة شمس الدين، نائب رئيس إدارة الفنون فى « إكسبو دبى» إنه تم تكليف عدد من الفنانين بإبداع هذه الأعمال لوضعها فى محيط الإكسبو، وليكون الموقع امتداداً عمرانياً مستقبلياً لمدينة دبى، بعد أن يغلق الحدث الدولى أبوابه.وتضيف: «اعتبرنا إكسبو كمنصة عالمية للحوار، ورأينا أن الفن المعاصر يعد الأكثر ملاءمة لتلبية رؤيتنا. فالمطلوب فى حدث بهذا الحجم، التأكيد على أننا أبناء لحظة إنسانية مشتركة».
> عمل الفنانة هيجيو يانج
وتشير شمس الدين إلى أن الفكرة العامة التى حكمت اختيار الأعمال هى الرغبة فى التأكيد على الطابع المعاصر لمدينة دبى، وترى أن وجود الأعمال الفنية ضمن مسار التجوال داخل «إكسبو دبى» دليل على تقدير القائمين على المشروع لقيمة الابداع الفنى، خاصة ان هذه الأعمال ستبقى وتضاف إليها أعمال أخرى مستقبلا». وتشير إلى «الرؤية البانورامية» للأعمال المختارة، مؤكدة أنها تطرح أسئلة عن القضايا التى تشغل الجمهور اليوم.
تصورات مستوحاة من «المناظر»
أما مهمة التنسيق الفنى للأعمال المشاركة، فكانت من نصيب المنسق المصرى طارق أبو الفتوح، الذى يؤكد أنه اعتقد بضرورة إتاحة الفرصة أمام الفن المعاصر ليلعب دورا فى صياغة التصور النهائى لإكسبو. ويشير إلى أن التوقعات ترجح قدرة «إكسبو» على جذب أكثر من 20 مليون مشاهد، وهو رقم يشكل تحديا كبيرا، وفى الوقت ذاته فرصة لاسكتشاف قدرة الفن المعاصر على مخاطبة الجمهور العام.
وردا على سؤال بشأن معايير اختيار الفنانين المشاركين، قال أبو الفتوح «المعيار الأساسى كان فى استعداد الفنانين لإنتاج أعمال كبيرة تحمل أفكارا وتثير مزيجا من الاستمتاع والتساؤل لدى الزائر». ويكشف أبو الفتوح أنه فى عقب حسم القائمة النهائية للفنانين، بدأ العمل على تصورات مستوحاة من كتاب العالم الحسن ابن الهيثم ( 965-1040) «المناظر»، وهو المرجع القيم فى علم البصريات برؤيته المتقدمة لطرق إدراك الصورة. وقد عكس هذا الكتاب التقدير المبكر من جانب الحضارة العربية لفكرة «الخيال وفلسفة الصورة ».
إبداع وينكاشو نيباري
وعلى الرغم من أن الكتاب أنجز فى بدايات القرن الـ 11 ميلاديا،إلا أنه ترك أثرا حاسما فى التطور العلمى والفنى، وصولاً إلى التصوير والسينما. وذلك بسبب النظريات والمباديء التى وضعها فى مجال علم البصريات.
وحسب أبو الفتوح، فإن الأهم وفقا لابن الهيثم، هو الجانب الفلسفى الذى طرحه بتأكيده أن إدراك الصورة الكلية يتشكل فى التخيل. وأن ما يتم رؤيته بالعين لا يضمن مصداقية الشكل الحقيقى للأشياء. ويضيف: «القدرة الفريدة المشتركة والمؤكدة بين البشر هى ميزة التخيل، لذلك فإن العودة إلى أفكار ابن الهيثم اليوم، تؤمن سياقاً فريداً لرؤية أعمال فنية معاصرة تُلهم الزوار وتحثّهم على استثمار قوة الخيال. وأخيرا ، يؤكد أبو الفتوح أن «إكسبو» حدث عالمى بإمتياز، لكن الأعمال الفنية المعروضة بين أجنحته تؤكد فكرة الهوية، لتمثيلها الدول المشاركة.
من كل حدب وصوب
ومن بين الأعمال الفنية المعروضة، عمل للفنانة الكورية هيجيو يانج، وهو عبارة عن كرات لونية تمثل فكرة الأجراس بأصواتها الصاخبة، وبغرض استلهام حركة الأقمار، والكواكب، والحركة داخل قبة سماوية متخيلة. وذلك فى اقتراب لتصورات ابن الهيثم عن الإدراك.
«القاعدة» للفنانة شيخة المزروع
أما منحوتة الفلسطينى خليل رباح، فتشير إلى أداة تعود إلى القرن الـ 11 كانت تستخدم لقياس خط العرض بدون جداول حسابية، باستخدام ضوء الشمس. يفكك رباح الأداة، ويوسع عناصرها لإنشاء ساحة مرحة مع رسم تخطيطى محفور يشير إلى خط عرض موقع إكسبو 2020.
وقدم النيجيرى وينكاشو نيبارى منحوتة تشكل نسيجا عملاقا ثلاثى الأبعاد وكأنه يتحرك كردة فعل للرياح. ويعطى النسيج بألوانه إيحاء بأصوله الإفريقية، وإن كان به إشارات إلى المنسوجات الإندونيسية التقليدية. وذلك تأكيد للتمازج بين الثقافات والحضارات الذى تلعبه التجارة.
وتحت عنوان «كميرا»، يأتى عمل الكويتية منيرة القديرى، وهو عبارة عن منحوتة على شكل رأس عملاق لحفار للبترول ذوى ألوان متغيرة ومشعة، ما يجعله أقرب إلى «سفينة فضائية»أو كائن مستقبلى هبط لتوه من الفضاء. وهو نتاج تزاوج أبدعته الفنانة للملامح الجمالية المشتركة بين البترول واللؤلؤ، فى إيحاء لتأثير العنصرين على الحياة الاجتماعية والاقتصادية بمنطقة الخليج العربى.
أما عمل التونسية نادية الكعبى، فهو لظل دراجة على الأرض. وقامت الفنانة بتحديد هذا الظل بطريقة «ديجتال»، تجعله أقرب إلى كائن أسطورى تتبدل ملامحه بحسب توقيتات النظر إليه على مدار النهار.
وإبداع حمرا عباس أقرب ما يكون لجدارية ملونة تم تنفيذها على الأرض وبطبقات لونية مختلفة أقرب للمنمنمات بعنوان «تباين المألوف». ويقوم العمل على آلية صهر العديد من الخامات ودمج تشكيلات من الطبيعة والبيئة الحضرية كأنها توثيق لانتقال العين بين مرتفعات الجبال فى مشاهد الطبيعة وقامات ناطحات السحاب فى المدن.
وتبرز مساهمة فنانى الإمارات من خلال عمل للفنانة شيخة المزروع بعنوان «القاعدة» يشير إلى القاعدة التى تنتصب عليها التماثيل، وهو مهيأ لحمل أعمال فنية أخرى، تجسيدا لفكرة الحوار والاستدامة. ووظف الفنان عبدالله السعدى صخور منطقة «وادى الطيبة» بإمارة الفجيرة فى تنفيذ منحوتات أقرب إلى هيئة الوسائد المنفذة من الرخام الأبيض والمزينة بالزخارف البسيطة، وذلك تحت عنوان «ترحال».
رابط دائم: