مثل بقية أشقائه العرب فى الدول التى تمارس الديمقراطية العربية، لم يؤمن المواطن العراقى بأهمية الانتخابات البرلمانية، ربما لشكه فى أن نتائجها لن تحل مشكلاته الحياتية المستمرة منذ حرب الخليج الأولى لتستمر حتى الثانية وما بعد احتلال أمريكى قضى على البقية الباقية من ثروات العراق، ليكون الفساد اللاعب الأول فى ادارة العملية السياسية باستثناء رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمى الذى كتب تاريخا جديدا لبلاده بعيدا عن المصالح الحزبية والفئوية والطائفية ليكون العراق الكبير هو همه الأول.
وبغض النظر عن نتائج الانتخابات، بات المواطن العراقى محاصرا فكريا بين مجموعة من الأحزاب القديمة التى تتشبث بأهداب الدين والقومية العنصرية ليكون طريقها ووسيلتها للوصول الى البرلمان ومن ثم الحكم، ليكون تساؤل المواطن العراقى العادى غير الحزبى هو :لماذا ننتخب مرشحين ليكونوا ممثلينا فى البرلمان ثم يبتعدون عنا لاحقا بمجرد حلف القسم، لينقلبوا ضدنا ثم يتباهون ببطانتهم السياسية؟.
حتى ثوار تشرين وهم شباب ثورة اكتوبر 2019، كانوا أكثر فئة مقاطعة للانتخابات رغم انها كانت من أهم مطالبهم، نتيجة شعورهم بالإحباط واليأس وعدم إحداث أى تغيير ينتظرونه عبر صناديق الاقتراع، فنظام المحاصصة القومية والطائفية لن يتغير فى رأيهم، فرئيس الجمهورية سيظل كرديا، ورئيس الحكومة شيعيا، لتذهب رئاسة البرلمان لسني، رغم ان الدستور العراقى لا يقر هذه التقسيمة، ولكن الواقع أقرها وجعلها عرفا، وأن التغيير سيكون فى الأشخاص مع ثبات التقسيم الطائفى والعرقى والقومي. لتبقى أوضاع ما بعد الانتخابات مثل قبلها نتيجة الأسس التى بنيت عليها العملية السياسية، حتى وإن تغيرت الجدران ولكن الأسس ثابتة، فليس هناك إرادة من الكتل السياسية الكبرى للتغيير، ناهيك عن عدم نضوج البيئة السياسية، حتى إن الصراعات لم تعد بين تلك الكتل السياسية (الشيعية والسنية والكردية ) ولكن تنخرها الصراعات من داخلها، وكل ذلك يمنع حدوث أى تغييرات جذرية فى العملية السياسية تدفع الشباب للمشاركة.
كما يسخر ثوار تشرين من شعارات مثل نريد دولة..أو نريد وطنا على خلفية أن الكتل التى ترفع هذه الشعارات أول من يضحى بها بعد حصوله على المقعد البرلمانى فيستغنى عن الدولة وينغلق على حزبه أو معتقداته، فتكون الدولة مجرد ديكور سياسى لدغدغة مشاعر الناخبين.
لمزيد من مقالات محمد أمين المصرى رابط دائم: