رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

80 عاما على رحيل صاحبة «صالون الثلاثاء»
الأهرام تنعى مى زيادة: «أشهر أديبات الشرق».. كتبت « العصفورية» وأنقذتها لباقتها

دعـــاء جـلال
الأنسة مى .. سيرة استثنائية

امرأة فتحت أبواب بيتها لعمالقة ورواد الأدب والشعراء والمثقفين فى مصر والعالم العربى، ليتحول إلى محراب أدبى متنوع، مى زيادة (1886-1941) الأديبة والشاعرة التى كانت لحياتها نصيب من عنوان أحد إبداعاتها الأدبية «مد وجزر»، فكان مشوارها تجسيدا لهذا المعنى، فقد شهد الكثير من المد والجزر والعلو والهبوط والتقدم والتقهقر والحزن، والقليل جدا من الفرح، حتى كانت نهاية حياتها بشكل مأساوى يقارب أحداث الروايات السينمائية الحزينة.

كانت ولا تزال الآنسة مى - كما كان يطلق عليها- وبعد مرور عقود على وفاتها، تدور حول حياتها الأدبية والعاطفية الكثير من الحكايات والأقاويل، وبالعودة إلى ما نشرته الأهرام فى 20 أكتوبر 1941، تحت عنوان: «الآنسة مى»، ومما ورد فيه: «نعيت الينا أمس اديبة من أشهر أديبات الشرق، وكاتبة من خيرة كتاب العرب، وخطيبة طالما تاهت بها اعواد المنابر، توفاها الله الى رحمته يوم أمس فى مستشفى المعادى عقب مرض هد قواها واطفأ نور ذكائها اللامع، فذهبت الى ملاقاة ربها بعد حياة أفنتها فى الدرس والتأليف». ووفقا للأهرام، فإن مى وُلدت فى مدينة الناصرة بفلسطين من أب لبنانى وأم فلسطينية، واستكملت مراحلها التعليمية مابين فلسطين ولبنان، حتى حضرت إلى مصر بصحبة والديها.

 


مى الصغيرة مع والدتها

وحول هذه المرحلة المبكرة ، توضح الكاتبة نوال مصطفى من خلال كتابها «مى زيادة .. أسطورة الحب والنبوغ» هذا التنقل الدائم لمى بأنه كان السبب فى جعل شعور «اللامنتمية» مصاحبا لها، وتذكر أن مى عبرت عن ذلك فى أحد مقالاتها فقالت «أين وطنى؟! وُلدت فى بلد، وأبى من بلد، وأمى من بلد، وسكنى فى بلد، وأشباح نفسى تنتقل من بلد إلى بلد، فلأى هذه البلدان أنتمى، وعن أى هذه البلدان أدافع؟!».

وبالعودة للأهرام، فعندما هبطت أسرة مى بمصر: «انصرفت الى الدرس والمطالعة والتبحر فى مختلف العلوم والفنون، وكانت اولى جولاتها الكتابية فى جريدة والدها المحروسة». وكانت نوال مصطفى قد ذكرت أن والد مى عمل فى مصر مع على إدريس راغب باشا، صاحب جريدة المحروسة، وقامت مى بتدريس اللغة الفرنسية لابنتيه، فتوطدت العلاقة بين العائلتين، وبعد فترة منح الباشا الجريدة لوالد مى، وبدأت هى تكتب بابا ثابتا فى الجريدة تحت عنوان «يوميات فتاة».

وعن بداية انتشار اسم مى زيادة بالوسط الأدبى، توضح الأهرام: «وما فتئت تدرس وتطالع كتب الادب والفلسفة حتى اخذ نجمها يتلألأ فى سماء الادب، وطار صيتها وامتدت شهرتها الى جميع بلاد الشرق والغرب، لانها الى جانب تضلعها من اللغة العربية، كانت تجيد كل الاجادة اللغات الفرنسية والانجليزية والايطالية والالمانية والاسبانية، ولها مساجلات طريفة فى مختلف الموضوعات مع كتاب تلك البلاد، ومن اشهر مؤلفاتها باحثة البادية ومد وجزر وابتسامات ودموع وديوان شعر باللغة الفرنسية»، وكان هذا الديوان هو أول ديوان شعر صدر لمى بعنوان «زهرات الحلم» عام 1911 وكان باسم «إيزيس كوبيا» وليس مى زيادة.

صالون الآنسة مي

وتستكمل تغطية الأهرام يوم 20 أكتوبر 1941 سرد السيرة الذاتية لمى زيادة، ويشير إلى أهم حدث ثقافى وأدبى كانت تقوم به زيادة وهو «صالون مى»، فكتب فى إحدى الفقرات «ولعل صالونها كان أشهر صالونات الادب، كان يجتمع فيه بعد ظهر الثلاثاء من كل اسبوع صفوة الكتاب والشعراء والعلماء ورجال السياسة والفكر من اهل مصر وضيوفها النازلين فيها أو المارين بها، وكانت مى تتصدر هذه الاجتماعات وتوجه الاحاديث والمناقشات فى لباقة وظرف»، وفى تطرقها لهذه المرحلة من مشوار مى زيادة الأدبى، تشير نوال مصطفى إلى أن الأديبة الراحلة تأثرت بالصالونات الثقافية فى فرنسا. وكانت بداية صالون مى فى شهر مايو عام 1913، ومقره منزل مى زيادة. وأوضحت نوال مصطفى، أن هذا المنزل الكائن بشارع علوى بمنطقة وسط البلد كان إهداء من صحيفة الأهرام لزيادة تقديرا لظروف معيشتها البسيطة. وبدأت مى فى دعوة الأدباء لصالونها بعد الكلمة التى القتها فى الجامعة المصرية نيابة عن الشاعر جبران خليل جبران(1883-1931) فى حفل أقيم لتكريم الشاعر خليل مطران(1872-1949)، ولفتت الأنظار إليها بعد إلقائها كلمة خاصة بها بعد أن أنهت كلمة جبران خليل جبران، وبذكائها الشديد لاحظت انبهار الحاضرين بكلمتها وطريقة إلقائها فدعت الجميع للحضور فى لقاء أدبى بمنزلها يوم 24 أبريل 1913. واستعانت نوال مصطفى بوصف كبار الأدباء لكيفية إدارة مى لهذا الصالون، فيقول الكاتب أحمد حسن الزيات(1885-1968) إن مى تشارك فى كل علم، وتفيض فى كل حديث، وتختصر للجليس سعادة العمر كله فى لفتة أو لمحة أو ابتسامة، ويصفها الأديب عباس محمود العقاد (1889-1964) فيقول كان ما تتحدث به مى ممتعا، ووهبت ما هو أدل على القدرة من ملكة الحديث وهى ملكة التوجيه وإدارة الحديث بين مجلس المختلفين فى الرأى والمزاج والثقافة، ولم يشعر أحد بتوجيه الكلام منها.

محاضرة أنقذتها من «العصفورية»

ويتطرق الأهرام لنهاية مى المؤلمة، فيقول: «ومنذ بضع سنوات توفى والدها، ثم توفيت والدتها، فظلت وحيدة واشتد بها الحزن فانصرفت الى العزلة وداهمها المرض فانقطعت عن الكتابة والتأليف، وبعد علاج طويل فى لبنان اصابت بعض التحسن فعادت الى مصر، وقد القت محاضرة فى قاعة الجامعة الامريكية اعادت الى الذاكرة وقفات مى على المنابر، ثم عادت صحتها فساءت ونقلت منذ ايام الى مستشفى المعادى حيث فاضت روحها امس مذكورة بنبوغها وصفاتها العالية مأسوفا على ادبها الجم وذكائها الممتاز»، ولكن وراء وفاتها تفاصيل مأساوية ربأ الأهرام أن يتحدث عنها تقديرا وإجلالا للأديبة الكبيرة. فإثر مؤامرة للاستيلاء على أموالهامن جانب المقربين، دخلت زيادة مستشفى الأمراض العقلية «العصفورية» فى لبنان، فكان ذلك ملهما بعنوان للمذكرات التى كتبتها، لتسرد فيها أيام قضتها بين جدران تلك الزنزانة الموحشة لمدة تعدت السبعة أشهر، ووصلت القضية إلى المحاكم.

وتهيأ لمى فرصة إلقاء كلمة وسط جموع بالجامعة الأمريكية، فذهبت وألقت كلمة اذهلت فيها الحاضرين من سباتها العقلى والنفسى والجسدى، ووفقا لما روته نوال مصطفى فى كتابها كان من بين الحاضرين النائب العام، الذى ألقى كلمته بعد ذلك أمام القضاء ليعلن كلمة الحق فقال «إن الحجر على هذه النابغة هو حجر على الأدب العربى وعلى الأمة العربية وعلى العبقرية العربية، فلا تعدموها بسطرين من قلمكم وهى عاقلة، فلا تجعلوها بحكمكم مجنونة!»

 


إحياء «يوم مى» بجمعية «الاتحاد النسائى» الصور ـ أرشيف معلومات الأهرام

 

هدى شعراوى تتبنى «يوم مى» .. طه حسين: «الساعات معها قليلة»

 

«هذا قبر فتاة لم ير الناس منها غير اللطف والبسمات، وفى قلبها الآلام والغصات، لقد عاشت، وأحبت، وتعذبت، وجاهدت، ثم قضت»، هذه الكلمات كتبتها مى زيادة، وربما كانت تصف نفسها، ولكن بما وصفها رفقاء صالونها ومجلسها الأدبى؟!.

ففى يوم 4 ديسمبر عام 1941 أقيم حفل تأبين للأديبة مى زيادة بمناسبة مرور أربعين يوما على وفاتها فى جمعية الاتحاد النسائى، وأرسلت هدى شعراوى (1879-1947) ما يشبه الدعوة العامة لمحبى مى زيادة من القراء والمثقفين عبر صحيفة الأهرام فى يوم 24 أكتوبر 1941 لحضور التأبين، ومما جاء فيها: «وإنى بالنيابة عن جمعية الاتحاد النسائى، أتشرف بدعوة كل من يريد الاشتراك فى هذا الاحتفال العام، وأرجو من حضرات الراغبين والراغبات فى ذلك من الأدباء والصحفيين ومقدرى فضل الفقيدة وأصدقائها وصديقاتها التكرم بإبلاغ الجمعية باشتراكهم..»، وفى يوم 5 ديسمبر 1941 نشرت الأهرام على أربع صفحات تغطية شاملة لهذا التأبين تحت عنوان «يوم مى»، وبدأ التأبين بكلمة هدى شعراوى، قائلة: «كانت مى بالامس القريب زهرة نادرة فى روض الادب وبلبلا صداحا فى نوادينا، كانت الكاتبة المقتدرة والصحفية الماهرة والخطيبة المفوهة والناقدة النزيهة، دانت لها ناصية البلاغة وانقادت لها أعنة الفصاحة فجاءت بمعجزة فى الأدب عز أن تأتى على يد غيرها».

ومن كلمة الدكتور محمد حسين هيكل(1888-1956) نختار بعض العبارات والتى أظهر من خلالها جانبا جديدا من شخصية زيادة، فقال «سيحدثكم اخوانى فى اكثر من ناحية من نواحى نبوغها الادبى، فلاذر هذه النواحى لمن هم اكثر منى علما بها، ولاتحدث عن ناحية ادنى الى اتجاهى انا فى الحياة، تلك هى ناحية التفكير السياسى لمى، ولست اقصد بالتفكير السياسى حديثا فى الحزبية والاحزاب، فلم تكن مى تتجه الى هذا النوع من التفكير، وانما اقصد بالتفكير السياسى لمى ناحية منه لم يكن لها بد من ان تكون صاحبة رأى فيها، تلك ناحية المركز السياسى للمرأة فى المجتمع، انها تخالف الذين يدعون الى مساواة الرجل والمرأة فى الحقوق، وانها ترى هذه المساواة عدوانا على المرأة وعلى الرجل جميعا»، ويتذكر الأديب مصطفى عبدالرازق باشا(1885-1947) فى كلمته كيف شاهد مى زيادة فى أول لقاء وآخر لقاء فيقول «شهدنا مشرق مى وشهدنا مغيبها، فى 1916 حضرت حفلة أقيمت لمطبعة المعارف، وكانت الآنسة مى فيمن خطب، فتاة رشيقة ذات وجه فيه حلاوة وفيه حياة ولها طريقة فى الالقاء معجبة ولهجة عذبة، تمتاز بالذكاء متقدا فى عينيها الصافيتين، ومنذ اشهر معدودة كنت أشهد حفلة فى قاعة الجامعة الامريكية وانتهى الاحتفال وأخذ الناس يتبارون بالانصراف متزاحمين، واذا سيدة فى صمت ووقار تأبى الزحام فسألتنى، هذه مى، اشتعل رأس مى شيبا وبدت تجاعيد وهن والم فى وجهها السمح، يكاد ابتسامها يخفيها، كانت مى اديبة جيل»، أما عميد الأدب العربى طه حسين (1889-1973) فكانت كلماته عن مى يبدو فيها التأثر الشديد لفقدانه لها، فقال «كنت أرى ان الساعات مهما تتصل معها فهى قليلة، وكنت أرى ان الاوقات التى تنفق مع مى زاد خير من زاد ذى الرمة الذى كان يطلبه الى مى تلك البدوية، ذلك لان مى تمثل فى نفسى بداوة البادية وحضارة الحاضرة وثقافة العرب القدماء وثقافة المحدثين والاوروبيين، ولقد عرفت مى فى حفل كان يقام لصديقنا خليل مطران، وسمعنا نحن طلاب الجامعة لاول مرة فى تاريخنا صوتا عذبا لا يكاد يبلغ الأذن حتى يصل الى القلب وتعلقت النفس بهذا الصوت وإمتلأت القلوب بصاحبته، وأريد ان أسجل أن الادب العربى المعاصر مدين لمى، لا بآثارها الأدبية التى انتجتها ولكن بما هو ابعد من هذه الآثار واعمق فى حياتنا الادبية الجديدة، فمى هى التى اسست لاول مرة فى تاريخنا الحديث، هذا الصالون الذى استؤنفت فيه الحياة الادبية المشتركة بين الرجال والنساء بعد ان انقضت عصور بغداد والأندلس».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق