رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

كلمات
على قيد الحياة

كان أول لقاء خارج سياق الأسرة والأصدقاء بعد شهر من الخطوبة ، واتخذا نهر النيل شاهدا على ميلاد مشاعر بكر من رحم القلب ، فى ساعات العصارى الخريفية التى تطلق نسماتها الحانية فى ربوع الأرض مع وريقات الشجر ، واتفقا على مدة محددة للمقابلة لا تتجاوز الساعة ، ولكن وسط هذه الأجواء الخصبة ، المحملة بكل ما لذ وطاب من الأحاسيس الهادرة والشغف الشارد ، اتسرسبت الساعات واحدة تلو الأخرى وهما فى حالة من التواصل المغناطيسى المرتبط بأحداق العيون ولم تتوقف شفاههما عن الحكى ، الا أن نامت الشمس فى فراشها وأسدلت السماء ستائرها وفجأة رن الهاتف بطريقة هيسترية فانقطع التيارالعاطفى واضطر الشاب أن يلبى نداء الاتصال ، فإذا بصديق يخبره : شوفت الكارثة الدنيا مقلوبة .. السوشيال ميديا كلها قاطعة من 6 ساعات !.

بينما اتصلت هى بصديقتها للتأكد من الخبر ، فردت عليها : أنا مع ماما لأنها تعبانة شوية وكنت بأراعيها وماأخدتش بالى ! فسمع النادل فى المقهى الخبر وهرول يتصل بزوجته ليتأكد من الخبر ، فأجابته أنا مشغولة فى مذاكرة الأولاد وبجهز لك أكلة بتحبها ! بينما اندهش صاحب المقهى حين وجد عربة البضائع تنزل احتياجاته أمام المقهى رغم الاختلاف على سعر التوريد وحين سأل البائع ، أخبره أنه ارسل له مرارا على الواتس آب السعر الجديد ولم يستقبل ردا ، فأصابه قلق بشأن الصفقة وقرر أن يحضرها فى اسرع وقت !

وحين وصل الخبر إحدى السيدات التى تجلس برفقة «شلتها « على المقهى ، اتصلت بابنتها التى انتهت من التمرين وكانت بانتظار «أوبر» لتعود الى المنزل ، فاضطرت الأم أن تهرول الى النادى لتحضر ابنتها!.

6 ساعات أيها السادة أسقطت ورق التوت عن عوراتنا الإنسانية والحسية ، وعلى الرغم من أنه لا أحد يعلم السبب الحقيقى خلف هذا العطل المفاجيء للفيس بوك وانستجرام وواتس آب ، فالبعض أرجأه الى محاولة اختراق لبيانات المستخدمين « هاكر» بينما صرح موظفون فى الشركة الأم بنيويورك بأنه مجرد عطل فنى وسوف يتم تداركه ، وربما لا هذا ولا ذاك فقد تكون لعبة مصالح عالمية نتيجة حتمية لتصدر شبكات التواصل الاجتماعى المشهد العالمى حيث وصل عدد المستخدمين لتطبيق الفيس بوك الى 2.7 مليار مستخدم يوميا فى المتوسط .

والحقيقة أن انقطاع التواصل الافتراضى أقسم على أن التواصل الاجتماعى الإنسانى مازال على قيد الحياة ، فكيف عاش من سبقونا بلا تواصل تكنولوجى ، وكانوا الاكثر آدمية وعاطفة ، بينما فرض علينا التطبيق الأزرق حالة من العزلة مهما تلاشت المسافات ، تعقبها حالة من الادمان الحرفى للتطفل على الآخر فى تفاصيل حياته ويومه حتى وإن لم يكن يعرفه، أصبحنا نعانى من أنيميا حسية حادة، وارتفاع ضغط الفضول ، وحصوات التطفل ، وجفت المشاعر وجمعتنا الشبكة العنكبوتية فى عنبر السوشيال ميديا بينما لا أحد يعرف أحد ولا شخص يشعر بالآخر فما كل هذا العبث. ومن هنا أتقدم بخالص الشكر للسيد مارك على هذه الساعات القليلة التى منحتنا قبلة الحياة مرة أخري.


لمزيد من مقالات د. هبة عبدالعزيز

رابط دائم: