رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

موسكو وطهران.. تفاهمات نووية غير مطلقة

رغم كل الجهود التى تبذل من أجل استئناف مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووى بين إيران ومجموعة «4+1»، بمشاركة أمريكية غير مباشرة، إلا أن الأولى ما زالت تُماطِل فى الوصول إلى توافق حول ميعاد انعقاد الجولة السابعة، بالتوازى مع استمرار رفع مستوى أنشطتها النووية، خاصة فيما يتعلق بزيادة كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى 10 كيلوجرامات، وكمية اليورانيوم المخصب بنسبة 20% إلى أكثر من 84 كيلوجراما.

وهنا، فإن ثمة اعتبارات عديدة يمكن من خلالها تفسير هذا المنحى التصعيدى فى السياسة الإيرانية، منها محاولة طهران الحصول على أعلى مستوى من العوائد الاستراتيجية التى يمكن أن تفرضها أى صفقة محتملة مع القوى الدولية فى فيينا، والحيلولة دون توسيع نطاق المفاوضات لتشمل الدور الإقليمى والبرنامج الصاروخى. لكن ربما يكمن السبب الأهم فى أن إيران تبدو مطمئنة إلى أن هناك ظهيراً دولياً يمكن الاستناد إليه فى احتواء الضغوط والعقوبات الأمريكية والغربية عموماً، وهو روسيا.

فقد بدا لافتاً أن روسيا حرصت فى الآونة الأخيرة على توجيه رسائل عديدة إلى الدول الغربية تفيد أنها تتماهى، إلى حد كبير، مع السياسة الإيرانية من الملف النووى بصفة عامة، على نحو انعكس فى المحادثات التى عقدها رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامى فى موسكو فى 28 سبتمبر الماضى، والتى كان التعاون النووى عنوانها الرئيسى، لاسيما فيما يتعلق باستكمال وتطوير المرحلتين الثانية والثالثة فى محطة بوشهر التى قامت روسيا بإنشائها من قبل وتستخدمها إيران فى إنتاج الكهرباء.

وقبل ذلك، حرصت روسيا، فى 10 من الشهر نفسه، على توجيه تحذيرات من أنها سوف تصوت ضد أى قرار قد تتخذه الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإدانة أنشطة إيران النووية، والذى قد تترتب عليه تداعيات عديدة على المفاوضات النووية والمسارات المحتملة للملف النووى الإيرانى بشكل عام.

مصالح عديدة

إصرار موسكو على دعم الموقف الإيرانى فى مواجهة الضغوط الغربية يعود إلى اعتبارات عديدة: أولها، يتمثل فى أن الاستجابة لتلك الضغوط من شأنه، فى رؤيتها، تصعيد حدة الأزمة وليس احتواءها، على غرار إصدار قرار إدانة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد إيران، الذى يمكن أن يؤدى إلى نقل الملف الإيرانى مجدداً إلى مجلس الأمن ومن ثم تفعيل ما يسمى بـ«آلية الزناد» أى إعادة فرض العقوبات الدولية التى كانت مفروضة على إيران قبل الاتفاق النووى، وهو ما سوف يدفع الأخيرة إلى الرد عبر رفع مستوى أنشطتها النووية بشكل غير مسبوق.

وثانيها، ينصرف إلى أن التماهى مع الموقف الإيرانى فى الملف النووى يعزز من التنسيق بين الطرفين فى الملفات الأخرى، لاسيما الملف الأفغانى، حيث فرض الانسحاب الأمريكى من أفغانستان وعودة حركة «طالبان» إلى السيطرة على السلطة فى 15 أغسطس الماضى، ضغوطاً على الطرفين سوف تدفعهما، فى الغالب، إلى توسيع نطاق التفاهمات على المستويات المختلفة للتعاطى مع الاستحقاقات السياسية والأمنية التى سوف تشهدها أفغانستان خلال المرحلة المقبلة. وربما يكون ذلك أحد أهم دوافع القرار الذى اتخذته منظمة تعاون شنغهاى، فى 17 سبتمبر الماضى، التى تقودها روسيا والصين، بضم إيران بشكل كامل إليها.

وثالثها، يتعلق باستراتيجية «الأبواب غير الموصدة» أو «الجمع بين الخصوم» التى تتبعها روسيا فى التعامل مع الأزمات الإقليمية فى المنطقة والقوى المعنية بها. إذ إن موسكو حريصة على فتح قنوات تواصل مع معظم تلك القوى إن لم يكن مجملها، حتى رغم الخلافات والصراعات القائمة فيما بينها، وهو ما يبدو جلياً فى الملف السورى، حيث تواصل العمل على الوصول إلى تفاهمات مع تركيا فى سوتشى، رغم وقوفهما على طرفى نقيض فى الأزمة. كما تواصل تعاونها مع إيران والنظام السورى وحزب الله وفى الوقت نفسه تفاهماتها مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

هذه الاستراتيجية ترى موسكو أنها توفر لها هامشاً واسعاً من المناورة وحرية الحركة، وتُحوِّلها إلى رقم مهم فى الترتيبات السياسية والأمنية التى يجرى العمل على صياغتها فى الملف السورى بعد انتهاء مرحلة الصراع العسكرى وتغير توازنات القوى لصالح النظام السورى.

ضوابط حاكمة

مع ذلك، فإن هذا التماهى الروسى مع الموقف الإيرانى فى الملف النووى له حدود على الأرض، يفرضها متغيران رئيسيان: الأول، هو عدم وصول إيران إلى المرحلة التى يمكن أن تمتلك فيها القدرة على إنتاج القنبلة النووية، وليس إنتاج القنبلة فى حد ذاتها، باعتبار أن ذلك يعزز موقع إيران بشكل قد يتجاوز حسابات موسكو ومصالحها، التى لا تنحصر فى منطقة الشرق الأوسط فحسب، وإنما تمتد إلى منطقة وسط آسيا التى ربما تكون مرشحة بدورها لاندلاع أزمات عديدة على غرار التصعيد بين إيران وكل من أذربيجان وتركيا، والذى لا يبدو أن إسرائيل بعيدة عنه، فى ضوء ما يمكن تسميته بـ«الحرب الخفية» القائمة بين الطرفين بسبب الخلافات العالقة حول البرنامجين النووى والصاروخى والدور الإقليمى، هذا فضلاً عن ما يمكن أن تسببه التطورات فى أفغانستان من تداعيات على حالة الأمن والاستقرار فى تلك المنطقة.

والثانى، هو استمرار العمل بالاتفاق النووى، الذى يسهم فى إبطاء حركة البرنامج النووى، وتقييد تطوره، وهو ما يمكن أن يهدده مواصلة إيران أنشطتها النووية على الوتيرة الحالية نفسها، والتى يمكن أن تصل بها إلى مرحلة تُفرِغ هذا الاتفاق من مضمونه، ويصبح بعدها حبراً على ورق، باعتبار أن الرقابة على الأنشطة النووية الإيرانية فى هذه اللحظة سوف تصبح بلا معنى.

لذلك، تبدى روسيا بين الحين والآخر قلقاً واضحاً إزاء إمعان إيران فى تطوير برنامجها النووى، وتوجه رسائل تحذيرية للأخيرة بأن ذلك قد ينتج فى النهاية عواقب وخيمة، بما يعنى أنها تسعى فى الأخير إلى إقناع إيران بأن دعمها لموقفها لن يستمر إلى الأبد، وأن الظهير الدولى الذى تستند إليه له مصالح وحسابات مع القوى الأخرى، لا يستطيع التغاضى عنها، رغم أهمية العلاقات القوية القائمة بينهما.


لمزيد من مقالات د. محمد عباس ناجى

رابط دائم: