رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

صمود الشعوب الأصلية فى أمريكا الشمالية

أتلفت أفلام الكاوبوى والهنود الحمر، التى اشتهرت فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، تاريخ أمريكا الشمالية لأنها كانت تُمجِّد رعاة البقر البيض وتُحقِّر الهنود ذوى البشرة الداكنة وتجعلهم، دائمًا وأبدا، يخضعون لهذا المستعمر القادم من أوروبا. كان رعاة البقر يمثلون الذراع الفضلى للإنسانية والهنود الفئة الدنيا من البشر وليست لهم حقوق فى أراضيهم وتاريخهم وثقافتهم. نشرت هوليوود هذه المعالجة السينمائية الغيرعادلة على العالم وهى مثال ضئيل من العديد من الأعمال التعسفية التى عانى منها السكان الأصليون فى أمريكا الشمالية.

كان هناك حوالى 15 مليون ساكن أصلى فى أمريكا الشمالية وقت اكتشافها. بحلول أواخر القرن التاسع عشر لم ينجُ غير 238000 من تعسف القادمين إلى البلاد. ولعقود من الزمان لم يُعتبر السكان الأصليون مواطنين، لذلك كان نظام المدارس السكنية فى كلٍ من الولايات المتحدة وكندا أحد الأساليب التعذيبية العديدة المستخدمة حتى ينقرض السكان الأصليون باستيعابهم فى ثقافة القادمين الجدد.

كانت هذه المدارس الداخلية إلزامية وتديرها الحكومة والسلطات الكاثوليكية، حيث أُخذ الأطفال قسراً من آبائهم فى ظل سياسة استعمارية مشينة. فى كندا ولسنوات تم انتزاع أكثر من 150 ألف طفل من أحضان آبائهم ووُضعوا فى مدارس كانت بمثابة مستعمرات. نظرًا لعدم السماح للأطفال بالتحدث بلغتهم أو ممارسة ثقافتهم، وتعرض الكثير منهم لسوء المعاملة والإيذاء فقد كانت هذه السياسة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية الثقافية. يتردد صدى آثار هذه المدارس حتى اليوم.

لكن المناخ اليوم قد أخذ منعطفا حاسما وملحوظا. فإن السكان الأصليين يستردون بالفعل بعض حقوقهم،أولها بالاعتذار. فى عام 2008 اعتذر رئيس وزراء كندا آنذاك ستيفن هاربر علنًا عن عواقب المدارس الداخلية. هذا بينما أقر قانون الحقيقة والمصالحة بالتاريخ المؤلم الذى عانت منه الشعوب الأصلية وتعهد بدعم المتضررين.كما اعتذرت الولايات المتحدة كتابيا لجميع الشعوب الأصلية عن العديد من حالات العنف وسوء المعاملة والإهمال. واليوم قدم الأساقفة الكاثوليك فى كندااعتذارًا عامًا للسكان الأصليين لمعاناتهم فى المدارس الداخلية.

كان يُحتفل بذكرى قدوم كولومبوس إلى أمريكا فى أكتوبر من كل عام. لكن مع اعتقاد الكثيرين أن قدومه إلى أمريكا أدى إلى الإبادة الجماعية للسكان الأصليين استُبدل بهذا العيد فى كثيرمن الولايات يوم الشعوب الأصلية حيث يُحتفل بأصل وثقافات الشعوب الأصلية.كما تحتفل كندا بيوم السكان الأصليين في21 يونيو من كل عام.

من ناحية أخرى تم إزالة النصب التذكارى لكنديين مشهورين لكونهم تسببوا فى عذاب السكان الأصليين. فقد تمت إزالة تمثال جون ماكدونالد، أول رئيس وزراء لكندا بسبب سياساته ضد السكان الأصليين. أيضا فى جامعة رايرسون فى تورنتو تم إسقاط تمثال إجيرتون رايرسون، الذى يُعتبر البادئ الرئيسى لنظام المدارس الداخلية. علاوة على ذلك،كان معظم المجتمعات الأصلية عبارة عن مجتمعات شفهية بدون كلمات مكتوبة مرتبطة بلغاتها. تنوقلت طرقهم ومعرفتهم من خلال القصص والأغاني. مع وجود لغة مكتوبة اليوم لن تندثر الثقافة الاصلية. الآن قد ترى اللغة الأصلية مكتوبة على إشارات الطرق فى كندا، وهذا اعتراف بديهى بوجود السكان الأصليين قبل الغربيين وحقهم فى الوجود بها.

جاء التغيير الأكبر فى كندا عندما عُيِّنت مارى سيمون، وهى من سكان الإنويت الأصليين من نونافيك، كيبيك كأول حاكم عام من السكان الأصليين وتُوِّجت بمنصب الحاكم الثلاثين على البلاد.

الجدير بالذكر أن العديد من المناطق فى كندا بما فى ذلك 95 فى المائة من مقاطعة كولومبيا البريطانية وإجمالى منطقة الماريتيم وكثير من الجزء الشرقى من مقاطعات كيبيك وأونتاريو تقع فى أراضٍ غير خاضعة للسيطرة الكندية، مما يعنى أنه لم يتم التنازل عنها أو تسليمها إلى كندا. لذا أصبح الاعتراف بحق السكان الأصليين طريقة مقبولة منتظمة لتقديم خطاب أو وثيقة أو اجتماع أو عرض. تبدأ جميع الأحداث تقريبًا بالاعتراف بالدولة المضيفة بقول عبارة على غرار: قبل أن نبدأ، أود أن أقر بأننا نجتمع اليوم على الأراضى الأصلية للمواطنين الأصليين فى هذه المنطقة. واليوم يخوض عدد قياسى من المرشحين من السكان الأصليين الانتخابات الفيدرالية الكندية الحالية ويتنافس 70 مرشحًا من السكان الأصليين للحصول على مقعد فى البرلمان الكندي. هذا تغيير جوهرى فى كيفية رؤية السكان الأصليين لدورهم فى الصورة الأكبر فى كندا ليصبحوا جزءاأساسيا من الدولة.

هذه كلها تغييرات استثنائية تتم من خلالها عملية العفو والتسامح والمصالحة. ومع ذلك سوف يستغرق الأمر وقتا طويلا للتغلب على سنوات الألم.


لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى

رابط دائم: