رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المشير طنطاوى والعسكرية المصرية

تملك العسكرية المصرية إرثا هائلا، يمتد لآلاف السنين، فقد عرفت مصر القديمة فكرة الجيوش النظامية، مثلما عرفت فكرة القائد، وتغنى المصريون على جدران المعابد بقادتهم، وكانوا كتفا بكتف معهم، وكان كل مصرى يدرك نصيبه من الذود عن كيمى أو كيمت، ويعرف كيف يمكن لهذه الأرض أن تستمر حاملة نسله، وحاوية جسده المرسل إلى العالم الآخر.

كان كل شىء فى الميعاد، القادة والجنود، الحكام والشعب، واستمر سلسال الدولة المصرية جاريا بلا انقطاع، بفعل عوامل عديدة، من بينها وحدة التراب المصري، والطبيعة الجغرافية التى لعب النهر دورا مركزيا فيها، والتناغم الجيوسياسي، والتنوع فى إطار الوحدة الذى يسم الثقافة الوطنية بعناصرها المتعددة، والروح المصرية القادرة على صهر الجميع داخل مظلتها الواقية، والجيش الذى يمثل خط الدفاع الرئيسى عن الهوية الوطنية فى لحظات مختلفة ومعقدة من عمر الأمة المصرية.

وقد لخصت جملة بليغة ودالة، وردت فى قصيدة ملحمة قادش قوة رمسيس الثانى الذى تماهى مع آمون فى لحظة استثنائية لمواجهة الحيثيين، (إننى سيد النصر، وإننى أحب الشجاعة)، وسردت كتابة أخرى شجاعة تحتمس الثالث، ومعاركه، وانتصاراته المدونة فى لوحة جرانيتية، كُشف عنها فى معبد آمون بالكرنك فى طيبة.

ويعد المشير حسين طنطاوى امتدادا للعسكرية المصرية فى أبهى صورها، فهو الذى قاد الجيش المصرى فى فترات مفصلية من عمر الأمة المصرية، تحلى خلالها بالعزم والحكمة، وجنّب البلاد ويلات إراقة الدماء، والأخطاء التى ظهرت فى أثناء الفترة الانتقالية كانت نتاجا لفتيل حاولت التيارات المتطرفة إشعاله كثيرا بدعم بعض القوى الخارجية من جهة، وتحالف بعض المحسوبين على القوى المدنية معهم من جهة ثانية، ولم ينج من فخاخ التحريض المفتعل والفوضى المنشودة سوى كل من جعل الوطن بوصلته الوحيدة.

إن التاريخ العسكرى للمشير طنطاوى ناصع للغاية، فقد شارك فى حربى الاستنزاف وأكتوبر، وكان قائدا للكتيبة ١٦ مشاة فى حرب أكتوبر المجيدة، وأبلى بلاء حسنا فى ملحمة المزرعة الصينية التى أسهمت فى إيقاف الثغرة، وقد وصف موشيه ديان ما تم للدبابات الإسرائيلية، والنيران التى التهمتها بحسرة شديدة حين قال: ومع اقترابنا من كل دبابة كان الأمل يراودنى فى ألا أجد علامة الجيش الإسرائيلى عليها، وانقبض قلبى فقد كان هناك كثير من الدبابات الإسرائيلية.

وكانت مواقف المشير طنطاوى الوطنية تعزيزا لأدائه العسكرى المنضبط، و المتصل ببوصلة الوطن ولا شيء سواه.

وقد نعت الرئاسة المصرية المشير طنطاوى ، وبدت كلمات الرئيس السيسى مؤثرة، وصادقة عن الرجل الذى اتسم بصفات الأبطال.

ويمثل المشير محمد حسين طنطاوى حلقة مركزية من حلقات العسكرية المصرية فى العصر الحديث، ربما بفعل الظروف التى عاينها، والمهام التى اضطلع بها، وما يزيد من تماسك الجيش المصرى فضلا عن مهنيته الشديدة، انتماؤه الكلى للدولة المصرية، ووعيه اليقظ بأنه صمام أمانها الدائم، وحرصه على هذه الرابطة النفسية التى تربطه بالشعب، ففضلا عن الرابطة المادية التى تجعلنا جميعا نشعر بالجملة الدالة كلنا الجيش المصري، حيث لا يخلو بيت مصرى من شاب خدم فى الجيش أو شارك فى حرب، أو نهض بمهمة وطنية فى لحظة من لحظات حياته، وهذه الروابط المادية التى تجعل الجيش منا ونحن منه على سبيل الحقيقة وليس على سبيل المجاز، تتواءم معها روابط نفسية تدعمها وتقويها.

ولم يكن ببعيد عن هذا السياق أيضا رحيل المجند المصرى البطل أحمد إدريس الذى كرمه الرئيس السيسى منذ سنوات، ومنحه وسام النجمة العسكرية، وهو الرجل صاحب فكرة الشفرة النوبية التى استعصى على الاسرائيليين حلها فى حرب أكتوبر، لأن اللغة النوبية تنطق ولا تكتب.

وينتمى البطل المصرى أحمد محمد أحمد إدريس إلى قرية توماس وعافية، وقد تطوع فى قوات حرس الحدود عام 1954 وحتى عام 1994 ، وشارك فى جميع الحروب، وأبرزها حرب أكتوبر المجيدة. ومن الأمور اللافتة أنه خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة السادسة والعشرين والتى تم تنظيمها فى 10 أكتوبر عام 2017 عرض فيلم تسجيلى بعنوان “الشفرة”، حوى شرحا من البطل أحمد إدريس لطرق التغلب على أعمال التنصت اللاسلكى فى أثناء حرب أكتوبر.

إن مصر لا تنسى أبناءها ابدا، والجيش كان وسيظل بيتا للوطنية المصرية، وروحها الأبية التى لا تفتر ولا تموت.


لمزيد من مقالات د. يسرى عبدالله

رابط دائم: