ترى هل نمى إلى علم المستشارة الألمانية السابقة انجيلا ميركل مقولة الرئيس الأمريكى الأسبق جون آدامز (1735- 1826): أن أكثر الأمور إثارة للشفقة فى الحياة هى حياة زعيم سابق. على كل الأحوال وسواء اطلعت ميركل أم لم تتطلع على كلمات آدامز، فرأى سادس الرؤساء الأمريكيين يعتبر موضة قديمة. الزمن تغير والزعماء السابقون بات لهم ألف حياة وحياة بعد عهد السلطة والأضواء.
البعض يرسم، والبعض يحاضر، والأغلبية تخط كتبا ما بين مذكرات وآراء فى أعظم القضايا، وأحيانا حشدا لفنون صيد الأسماك وكيف تغسل الروح غسلا كما فعل الرئيس الأمريكى هربرت هوفر( 1874- 1964)، أو رصدا لدور النكات والكوميديا فى دفع العملية السياسية دفعا كما فعل الرئيس الأمريكى جيرالد فورد (1913- 2006) فى كتابه الطريف والواقعى جدا الفكاهة والرئاسة. وكذلك الحال بالنسبة لقادة أوروبا كما فعل ونستون تشرشل (1874- 1965)، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق والأشهر، برسوماته وصراعه مع الأزمات الصحية المتكررة للبقاء فى دائرة العمل العام، ولو بعض الوقت، حتى النهاية. وكذلك يفعل خلفه البعيد العمالى تونى بلير صاحب المحاضرات والاستشارات والمشيع دوما بلعنات حرب العراق.
فى الأغلب ستلتزم ميركل، الأم كما ستلقب دوما وأول مستشارة ألمانية كما ستلقب دوما أيضا، بنمط تقاعدى يتناسب مع شخصيتها المتحفظة التى تشربت الكثير من ماضيها كسليلة القسم الشرقى الألمانى بتقشفه وانغلاقه. يقال إن أيام تقاعدها الأولى ستنقسم مبدئيا ما بين شقتها المتواضعة فى قلب برلين ومنزلها الريفي. وإنها ستعود إلى هواية الطهى التى أهملتها بفعل ضربات أزمة منطقة اليورو، ومعاندة دول الجنوب الأوروبى مع سياساتها الدافعة للتقشف والإصلاح الاقتصادي.
وستجد من الوقت وراحة البال ما يكفى لمشاركة زوجها، أستاذ الكيمياء القدير، التردد على مهرجانات الشعر التى يعشقانها، وحضور مباريات الكرة التى تثير حماستها. فلم تعد مظاهرات أهل اليمين المتطرف تخرج فى ملاحقة سياسة اليد الممدودة التى دفعت بها لانتشال اللاجئين الوافدين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولم تعد قضية تفكك الاتحاد الأوروبى على أثر الخروج البريطانى البريكست تعنيها بشكل مباشر. فإجمالا يرى أغلب المنادين بالتحرر على النسق البريطانى أزمات بريطانيا المتكررة منذ انسحاب العمالة الأوروبية الرخيصة، كما أن ميركل لم تعد هى رأس القرار الأوروبي، فليكن ما يكون.
لكن الأكيد أنها ستردد لنفسها فى واحد من ليالى الشتاء المنتظر أنها بذلت ما استطاعت، حافظت طوال أكثر من 16 عاما على نموذج قيادى لا شبيه له. وخرجت ببلادها وأوروبا من مئات الخنادق المظلمة. لكنها ستكون بالغة الأمانة مع نفسها، تدرك أنها لم تكن دوما تلك المرأة الحديدية كما يلقبونها، فاضطرت على سبيل المثال لا الحصر الى إرخاء قبضتها الحديدية، فسحبت اليد الممدودة من أمام اللاجئين أمام صرخات أهل أقصى اليمين والتزمت بعض سياساتهم حتى لا يسقط حزبها المسيحى الديمقراطى سقوطا مدويا فى حياة عينها. تدرك ذلك كله، ولكنها اجتهدت ما استطاعت وستحاول الاستمتاع بأيام تقاعدها.
لمزيد من مقالات يسرا الشرقاوى رابط دائم: