رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

علماء الدين للمحبطين: النفس ملكٌ لخالقها.. و«الانتحار» لا يُحَسِّنُ الأقدار

تحقيق : حسنى كمال ــ إبراهيم عمران
انتحار

الصبر على الشدائد من تمام الإيمان.. والأنبياء قدوة فى تحمل الابتلاء

 

 

ليس الأمر حالة عارضة لفتاة «المجمع التجارى»، أو للشاب «ضحية المترو»، أو لسيدة المادة السامة، ولا غيرهم ممن اختاروا إنهاء حياتهم بتلك الطرق البشعة، لكن الخطورة تكمن فى حالات مستترة تمتلئ سخطا على الأقدار، وتتعجل حتفها بأى خاتمة، هروبا من مواجهة ابتلاءات الحياة، كأن الموت (انتحارا) هو الحل لمعاناتهم، لذا يحذر علماء الدين من عواقبه الوخيمة، موضحين أن الانتحار كبيرة من الكبائر، تؤدى بصاحبها إلى النار، وأن من علامات تمام الإيمان مواجهة شدائد الحياة بالأمل والصبر والرضاء بأقدار الله، وقد كان الأنبياء الكرام قدوة فى ذلك.

فى البداية يصف الدكتور عبدالوارث عثمان، أستاذ الفقه المقارن، بجامعة الأزهر، الذين يفكرون فى الانتحار، بأنهم يجهلون سبب الوجود فى الحياة، الذى لخصه القرآن الكريم فى قوله تعالي: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»، فالإنسان متعبد لله تعالى بحركاته وسكناته ونومه ويقظته، وكلامه وصمته، وطعامه وشرابه، وزواجه وطلاقه، وفرحه وحزنه، وسعادته وشقائه، فهو مملوك لله رب العالمين، لا يملك من أمر نفسه شيئا، وهو بتلك العقيدة يستطيع تحمل المشاق، ومواجهة الصعاب، والصبر على كل بلاء يصيبه.

ويشدد على أن المسلم لا يكون مسلما إلا إذا تلقى أقدار الله بالرضا، والصبر، فالدنيا دار ابتلاء، وكل مصيبة فى غير الدين تهون.. ولو كانت العقيدة سليمة لما أقدم المنتحر على هذه الفعلة النكراء، وارتكب تلك الكبيرة، التى حذر الله تعالى ورسوله منها، لكن البعض ينسى ذلك، ويظن أن الحياة ترف ونزهة، فإذا تعرض لابتلاء انتابه الخور.

لا يغير الأقدار

ويضيف د. عبد الوارث أن المنتحر بفعله هذا لا يقدم ولا يؤخر شيئا فى قدره المكتوب، ويخطئ من يظن أنه بصنيعه هذا يعجل فى انقضاء أجله، بل إن هذا أجله المحتوم، ولو لم يفعل ذلك، لكان سيموت أيضا لأن أجله مقدر عند الله فى الأزل، وكل ما فى الأمر أنه اكتسب وزرا، وتحمل ذنبا، وارتكب كبيرة، وأزهق نفسا بغير حق، وكان الأجدر به أن يواجه المشكلات ويأخذ بالأسباب المتاحة، ويعمل على تغيير واقعه، فكل شىء بقدر الله تعالي. ويوضح أن الأمل والرجاء جزء لا يتجزأ من عقيدة الإسلام الخالدة، ويتخللان كل أحكامه الفقهية ومبادئه الأخلاقية والأركان التى قام عليها الإسلام.. فالأمل إحدى صفات المؤمن، بل هو ثمرة من ثمرات إيمانه، ونتيجة مترتبة على صدق إيمانه وثقته فى الله، ولا أدل على ذلك من قول الله تعالى: «قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم»، لذلك كان اليأس رفيق الجهل والكفر معا.

نفسك أمانة

فى سياق متصل، يقول الدكتور رمضان عبدالعزيز عطا الله أستاذ ورئيس قسم التفسير وعلوم القرآن، إذا تأملنا قوله تعالى مخاطبا النبى: (ولقد نعلم أنه يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) نجد أن الله عز وجل، يبين لنا أن الإنسان ما دام على قيد الحياة؛ قد يتعرض لبعض ابتلاءاتها فقد يتعرض لليسر أو العسر، أو للصحة ثم المرض، أو للغنى ثم الفقر، كما قال تعالي: «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ»، فالمؤمن الحق عندما يتعرض للبلاء يلتزم بهذا المنهج الذى نصت عليه الآية الكريمة: من الامتثال للأوامر الثلاثة التى وردت فيها من التسبيح والصلاة والعبادة؛ فإذا فعل ذلك تمر عليه الأزمات التى يتعرض لها بسلام. ويتابع د.رمضان: مهما يبلغ بالمؤمن من ضيق أو تأخر الفرج، ليس له سوى الصبر، دون أن يعرض نفسه لأى أذى، فالنفس ليست ملكا له يتصرف فيها كيف يشاء، إنما هى ملك لله تعالى، لذلك قال المولى عز وجل: «ولا تقتلوا أنفسكم إنه كان بكم رحيما»، كما حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من يقتل نفسه بوسيلة من وسائل القتل بأنه سيعذب بهذه الوسيلة فى الآخرة، فى حديث قال فيه: (من تردى من على جبل فهو فى نار جهنم خالدا مخلدا يتردى فيها، ومن طعن نفسه بحديدة فحديدته فى يده يضرب نفسه بها فى نار جهنم، ومن تحسى سما فسمه فى يده فى نار جهنم)، فالجبل إشارة للأماكن المرتفعة، والحديدة إشارة لأنواع السلاح، والسم إشارة لأنواع السموم التى يقتل نفسه بها.

ويضيف: النفس ملك لله، ولا ينبغى لإنسان أن يضيع هذه الأمانة التى استودعها الله إياه. ولنا فى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الأسوة فى الصبر وتحمل الأذى، فقد تعرض لما تنوء الجبال عن حمله، ومع ذلك كان يأمر صحابته ويأمر نفسه معهم بالصبر، وموقفه الذى حدث قبل الإسراء والمعراج، خير شاهد على هذا، فبعد أن أوذى من أهله وقومه، ثم من أهل الطائف، لم يفكر فى الانتحار، لكنه ناجى ربه.

دور الأسرة

فى السياق نفسه، يرجع الدكتور عبدالفتاح إدريس ـ أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر ـ إقدام بعض المسلمين على الانتحار إلى غياب الوازع الدينى لديهم، وغلبة التسرع والتهور وافتقاد خلقى الصبر والرضا بأقدار الله تعالى، علاوة على اغتراب الشباب عن أسرهم أحيانا وتأثرهم بالأفلام والدراما التى جعلت التفكير فى الانتحار خلاصا مقبولا من المشكلات.

ويؤكد د. عبدالفتاح أن الإيمان بما قسم الله للمرء هو من تمام الإيمان بالله, فمن أسسه: الإيمان بالقدر, خيره وشره, حلوه ومره, إلا أن كثيرا من الناس فى زماننا, خاصة ممن هم فى سن صغيرة, لا يريدون من الحياة إلا الجوانب التى تحقق رغباتهم فقط, مع أن الله تعالى كما يبتلى العبد بالخير, ليرى منه الشكر على ما ابتلى به, يبتليه بالشر, ليرى منه كيف يكون صبره, يقول الحق سبحانه: «وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً», ويقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن, إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن, إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له». والأمر هكذا، يطالب إدريس الأسرة بأن تربى أبناءها على أن الحياة ليست على وتيرة واحدة، وأنه ليس كل ما يتمنى المرء يدركه, فإن أدركه وجب عليه شكر المنعم على ما أنعم, وإن لم يدركه صبر, وأيقن أن الصبر على ذلك ابتلاء يُثاب صاحبه عليه, وكذلك أن تبين لأفرادها أن القنوط من رحمة الله ليس من الإيمان فى شي. ويشدد على ضرورة غرس القيم النبيلة التى دعا إليها التشريع الإسلامى، وعلى رأسها: الصبر, وتحمل الشدائد والأذى, والتسامح, والصفح, والعفو عن المسيء, وعدم الانصياع للنماذج السيئة ومناهجهم, وتلك مهمة الأسرة أولا, ثم وسائل الدعوة إلى الله تعالي, بالإضافة إلى وسائل الإعلام, مع الحرص على تعليم الشباب أمور دينهم, ووسائل إرضاء خالقهم, ببيان الحلال والحرام, وبيان أن المنتحر يرتكب كبيرة من الكبائر, وأن من انتحر بوسيلة من الوسائل، تُعذب نفسه بها يوم القيامة.

المراقبة والاحتواء

من جهته، يجذب الدكتور نبيل السمالوطى، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، الانتباه إلى غياب ثقافة التعامل مع الأزمات والمحن، فضلا عن الفجوة الواسعة بين بعض الشباب وأسرهم، فكثيرا ما يكون رب الأسرة فى جانب والأبناء فى جانب آخر. ويتساءل: أين التربية والتوجيه والمراقبة والمصاحبة والاحتواء، وهى حقوق للأبناء على الآباء، أشد ما يحتاجون إليها فى مرحلة الشباب، كى لا يقعوا فريسة أصدقاء السوء، أو مساوئ التكنولوجيا، أو الإدمان؟

والأمر هكذا يدعو السمالوطى إلى تضافر مؤسسات الدولة فى التوعية بمخاطر الانتحار، بدءا من دور الأسرة فى تعميق الوازع الدينى لدى أبنائها، وتعزيز الحوار معهم، لاسيما فى فترة الشباب، والاستماع إليهم مطولا، والحرص على احتوائهم والتفاعل الإيجابى مع مطالبهم، مع تكثيف التوعية والمراقبة الحكيمة، وتفهم تباين الأجيال ومقتضياته. ويطالب الإعلام بأن يكون له دور إيجابى فى تقديم حلول واقعية وعملية للشباب والمحبطين عند تعرضهم لما يسخطهم على أقدارهم، وإعلاء روح التفاؤل والأمل وحب الحياة، بدلا من الصورة السلبية التى ألفناها من بعض معالجات الدراما والأفلام عند التعرض لمشكلة أو أزمة، إذ تدور بين معاقرة المسكرات، وإدمان المخدرات، والتفكير فى الانتحار. ويشدد على ضرورة التعامل بواقعية مع أصحاب الأمراض النفسية، وعدم تركهم فريسة للوحدة والأفكار الشيطانية، فالعلاج النفسى يحتاجه كثير من الناس، لاسيما الذين تبددت أحلامهم، أو يمرون بمشكلات فى حياتهم، حسبما يوضح.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق