رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مستقبل مصر قراءة جادة

تحت إشراف ورعاية رئيس الوزراء د.مصطفى مدبولى أعدت مجموعة عمل برئاسة الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط تقريرا عن مستقبل مصر ٢٠/ ٣٠.. وهى وزيرة جادة من مدرسة العلم والأرقام والحقائق فى مدارس الاقتصاد المصرى.. وكان والدها د. حلمى السعيد احد الوزراء البارزين فى تاريخ مصر مع رموز آخرين القيسونى والجنزورى وحجازى.. ومن خلال دراسة شاملة وعميقة حول مستقبل مصر فى كل المجالات رؤية ٢٠/ ٣٠ توقفت عند بعض الاستنتاجات والتوقعات وأيضا الحقائق.

> توقفت عند ضرورة الارتقاء بدورة الحياة وتحسين مستوى المعيشة وهو هدف لا أحد يختلف عليه.. إن المجتمعات دائما تسعى بكل ما فيها من الحكومات والمؤسسات إلى توفير مصادر الكفاية والحماية والرفاهية لشعوبها.. وإن مقاييس النجاح والفشل تحددها وسائل الوصول إلى أفضل النتائج فى تحقيق أحلام الشعوب.. وإن من أهم أهداف الدولة المصرية هى توفير الحياة الكريمة للإنسان المصرى.. وأن يتعاون الشعب ومؤسساته للوصول إلى هذه النتائج..

> توقفت فى هذه الخطة عند واحدة من أهم القضايا التى تحكم مسيرة الشعوب وهى قضية العدالة الاجتماعية.. وهى ليست فقط قضية إنسانية ولكنها قضية اجتماعية اقتصادية تضع ضوابط لأشياء كثيرة فى سلوكيات المجتمع والعلاقات بين أفراده.. إن العدالة الاجتماعية هى أهم مقومات التوازن التى تحكم العلاقات بين البشر.. وهى تمثل مدى نجاح سلطة القرار فى حماية حقوق الناس وحين تغيب العدالة تفقد الحياة أهم مقوماتها..

> تأتى قضية النمو السكانى كواحدة من أهم الجوانب السلبية فى مقومات التنمية.. إنها عبء ثقيل على كل مصادر العمل والإنتاج والرخاء والكفاية.. إنها تغلق كل الأبواب بما فى ذلك العدالة وفرص العمل وتوفير الأمن والحماية والحق فى التعليم والرعاية الصحية.. إن الزيادة السكانية هى التى تعصف بكل موارد الشعوب وثرواتها وأحلامها فى الثراء والتقدم..

> توقفت كثيرا عند قضية تكافؤ الفرص وأنها الوجه المقابل للعدالة الاجتماعية.. وحين تختل مقاييس العدالة يكون غياب تكافؤ الفرص أول الضحايا انه السبب الرئيسى فى الانقسامات والتفاوت الطبقى بين أبناء المجتمع الواحد.. وهى تحمل أسوأ الأمراض الاجتماعية من الكراهية ورفض الآخر والانقسامات البغيضة..

> توقفت كثيرا عند البنية التحتية المتطورة وهى الخدمات التى توفرها الحكومات لشعوبها من ضرورات الحياة.. منها الوسائل العصرية التى توفر للإنسان كل مصادر الحياة الكريمة.. وهنا جاء الحديث عن تكنولوجيا العصر ودورها فى التنمية والرخاء والرفاهية..

> توقفت عند قضية هى الأكثر حساسية وإثارة للخلاف وهى قضية التمويل وهى الأساس الذى يقوم عليه كل مشروعات البناء.. إنها الموارد المالية التى تتحقق منها كل هذه الأهداف إنها ميزانية الدولة ومصادر دخلها وبنوكها ومؤسساتها المالية والاقتصادية إنها باختصار شديد قوة الدولة الحقيقية..

> هذه القضايا والأفكار والرؤى لابد أن تحكمها بنية تشريعية تتجسد فى قوانين وتشريعات وإجراءات.. تضع ضوابط حاسمة لحركة وتفاعل عناصر التنمية التى يقوم عليها بناء الدولة فى كل مجالات الحياة.. إن القوانين والتشريعات هى العمود الفقرى الذى تقوم عليه مقومات بناء الشعوب والأوطان..

> قضايا كثيرة توقفت عندها فى هذه الدراسة الجادة حول المستقبل وإن عجزت عن قراءة كل جوانبها.. ولكن الجانب والقضية الأهم والأخطر هى منظومة القيم الثقافية التى ينبغى أن تقف وراء هذا المشروع الحضارى الكبير.. إن كل هذه المقومات لابد لها من مشروع ثقافى وفكرى وتعليمى مواز.. إن التنمية مهما كانت نجاحاتها فى كل المجالات تفقد الكثير إذا غابت عنها جوانب الفكر رالثقافة ونحن نخسر الكثير إذا تخلينا عن ثقافتنا وجذورنا.. وهنا يجب أن تكون هناك أولوية للبعد الثقافى فى كل شىء..

> هنا تأتى أهمية التعليم وهو أساس بناء الإنسان العصرى المثقف المتحضر.. تأتى قضية اللغة العربية وقد أهملناها زمنا طويلا وتركت آثار ذلك على كل وجوه حياتنا إهمالا وتخلفا وجهلا.. نأتى إلى قضية الأمية ونحن الآن نعانى منها منذ عشرات السنين وفشلت كل تجاربنا السابقة معها ولم تنجح حكومة واحدة فى التخلص منها.. تأتى بعد ذلك قضايا التطرف وقد تغلغلت فى جذور الريف المصرى وخرجت لنا ألوانا من الجهل والفكر المتطرف.. اننى أضع أولوية خاصة للجانب الثقافى لأنه السياج الذى يحمى الإنسان من كل أمراض التخلف والجهل والتطرف..

> تبقى عندى بعض الملاحظات حول رؤية 2٠/3٠ التى أعدتها الحكومة برئاسة د.مصطفى مدبولى ووزيرة التخطيط د.هالة السعيد..

أولا -: إن أى انجاز ليس هدفه وغايته بناء الإنسان لا يمثل أى قيمة.. وإن كل شيء فى هذه الحياة هدفه سعادة الإنسان وكرامته وحريته ولقد غابت قضايا الحريات فى قضايا كثيرة فكرا وحوارا وابداعا.. إن الحرية هى الأساس الذى تبنى عليه مقومات الشعوب وثوابتها..

ثانيا -: إن تغيير هوية الشعوب وتشويه جذورها واستبدال عقائدها تترك أوطانا مهلهلة فى فكرها وانتمائها وثقافتها..

ثالثا -: حين يكون الحديث عن مصر فنحن أمام كيان حضارى عريق له تاريخه وثوابته وأديانه وتقاليد شعبه.. ولا ينبغى أن نتجاهل هذه المقومات ونحن نتطلع إلى مستقبل وحياة أفضل..

رابعا -: إن مصر القوى الناعمة والدور والريادة لا ينبغى أن تتخلى عن دورها ورسالتها نحو شعبها وأمتها وعشاقها فى كل زمان ومكان.. إن مصر التاريخ والدور والحضارة لابد أن تبقى على رسالتها قوة وفنا وإبداعا..

خامسا -: احتوى التقرير على اهتمام كبير بالعلاقات بيننا وبين دول إفريقيا فى كل المجالات وهذا شيء مطلوب ويجب أن نشجعه أمام تطور كبير فى علاقاتنا بإفريقيا ومصالحنا فيها.. ولكن لاحظت غيابا واضحا للعلاقات المصرية العربية وهى من ثوابت تاريخ مصر القديم والحديث.. ولا أتصور تهميش هذه العلاقات ووضعها فى غير مكانها ومكانتها..

سادسا -: بحثت عن مستقبل قضايا الفقر ووسائل مقاومة هذا الشبح الغامض فى مستقبل مصر.. وما هى إجراءات التصدى لمظاهره تخلفا وتراجعا وتنمية وانطلاقا..

> اعترف إننى قضيت وقتا ممتعا مع قضايا مهمة تضيء جوانب كثيرة حول مستقبل مصر فى السنوات القادمة.. هناك أوراق كثيرة سبقت فى طرح ومناقشة هذه القضايا ولكنها لم تكن على هذه الدرجة من العمق والشمولية والجدية.. شكرا لكل من شارك فى هذا الجهد الخلاق.

 

ويبقى الشعر

الطـَّقـْسُ هَذا العَامَ يُنـْبـِئـُنِى

بأنَّ شتـَاءَ أيامِى طويلْ

وبأنَّ أحْزانَ الصَّقِيع ِ..

تـُطـَاردُ الزَّمنَ الجَمِيلْ

وبـِأنَّ مَوْجَ البَحْر..

ضَاقَ مِنَ التـَّسَكـُّع.. والرَّحِيلْ

والنـَّوْرسُ المكـْسُورُ يَهْفـُو..

للشَّواطِيء.. والنـَّخِيلْ

قدْ تـَسـْأليـِنَ الآنَ

عَنْ زَمَنى وَعُنـْوَانِى

وَمَا لاقـْيتُ فِى الوَطـَن البَخِيلْ

مَا عَادَ لـِى زَمنٌ.. وَلا بَيْتٌ..

فـَكـُلُّ شَوَاطِيءِ الأيَّام ِ

فِى عَيْنـَىَّ.. نِيلْ

كـُلُّ المواسِم ِ عشتـُهَا..

قدْ تـَسـْألينَ: وَمَا الدَّليلْ؟

جَرْحٌ عَلى العَيْنـَين أحْمِلـُهُ وسَامًا

كلـَّمَا عَبَرَتْ عَلـَى قـَلـْبـِى

حَكـَايَا القـَهْر.. والسَّفـَهِ الطـَّويلْ

حُبُّ يَفيضُ كـَموْسِم ِ الأمْطـَار..

شَمْسٌ لا يُفـَارقـُهَا الأصيلْ

تـَعبُ يُعَلــِّمُنِى..

بأنَّ العَدْوَ خـَلـْفَ الحُلـْم ِ..

يُحْيى النـَّبْضَ فِى القـَلـْبِ العَليلْ

سَهَرٌ يُعَلـِّمُنى..

بأنَّ الدّفْءَ فِى قِمَم الجـِبَال ِ..

وَلـَيْس فِى السَّفـْح الذليلْ

قدْ كانَ أسْوَأ مَا تعْـلــَّمْنـَاهُ

مِنْ زَمن ِ النـَّخَاسَةِ..

أنْ نَبيعَ الحُلـْمَ.. بالثـَّمَن ِ الهَزيلْ

أدْرَكـْتُ مِنَ سَفـَرى.. وتـَرْحَالِى..

وفِى عُمْرى القليلْ

أنَّ الزُّهُورَ تـَمُوتُ..

حينَ تـُطـَاولُ الأعْشَابُ..

أشْجَارَ النـَّخِيلْ

أنَّ الخُيُولَ تـَمُوتُ حُزْنـًا..

حِينَ يَهْربُ مِنْ حَناجرهَا الصَّهيلْ

الطـَّقـْسُ هَذا العَامَ يُنـْبـِئـُنِى

بأن النـَّوْرَسَ المَكسُور يَمْضِى..

بَيْنَ أعْمَاق السَّحَابْ

قدْ عَاشَ خـَلـْفَ الشَّاطىءِ المَهْجُور

يُلـْقيهِ السَّرَابُ.. إلى السَّرَابْ

والآنَ جئـْتِ.. وفِى يَدَيْكِ

زَمَانُ خَوْفٍ.. واغـْـتـَرابْ

أيُّ الشـَّوَاطيء فِى ربٌوعِكِ..

سَوْفَ يَحَمْـِلـُنِى؟

قلاعُ الأمْن ِ.. أمْ شَبَحُ الخَرَابْ؟

أيُّ البلادِ سَيَحْـتـَوينِى..

مَوْطِنٌ للعِشْق ِ

أمْ سِجْنٌ.. وجَلادٌ..

ومَأسَاة ُ اغـْتِصَابْ؟

أيُّ المضَاجـِع سوْف يُؤُينى؟

وهَلْ سَأنامُ كالأطـْفـَال فى عَينيْـكِ..

أم سَأصيرُ حقــًّا

مُسْتبَاحًا.. للـْكِلابْ؟

أى العُصُور على رُبوعِكِ

سَوْفَ أغْرسُ

وَاحَة ً للحُبِّ..

أمْ وَطنـًا تمزِّقـُهُ الذئـَابْ؟

أيُّ المشَاهِدِ

سَوفَ أكـْتـُبُ فى رَوايـِتنـَا؟

طـُقـُوسَ الحُلم..

أمْ «سِيْركـًا» تـَطيرُ

عَـلـَى مَلاعِبـِه الرِّقـَابْ؟

الطـَّقـْسُ هَذا العَامَ يُنبـِئـُنـِى

بأنَّ الأرْضَ تـَحْمِلُ ألـْفَ زلـْزَال ٍ

وأنَّ الصُّبْحَ يَصْرُخُ

تَحْتَ أكـْوَام الــُّـتـَرابْ

الطـَّقـْسُ هَذا العَامَ يُنبِئنى

بأنَّ النـَّيلَ يَبْكى

فاسْألى الشُّطآنَ

كيْفَ تفيضُ فِى العُرْس الدُّمُوعْ؟

الدَّمْعُ فِى العَيْنين

يَحْكِى ثـَوْرَة الشُّرَفـَاءِ

فِى زَمَن التـَّخَنـُّثِ..

والتـَّنـطـُّع.. والخُنـُوعْ

هَذِى الدِّمَاءُ عَلى ثـَيابـِكِ

صَرْخـَة ٌ.. وزَمَانُ جُوعْ

هَيَّا ارْفعِى وَجْهـِى.. وَقـُومِى

حَطـِّمِى صَمْتَ السَّوَاقِى..

واهْدِمِى صَنـَمَ الخـُضُوعْ

هَيَّا احْمِلينى فى عُيُونِكِ دُونَ خَوْفٍ

كـَيْ أصَلـِّى فِى خُشُوعْ

صَلـِّيْتُ فى محْرابِ نيلكِ كـُلَّ عُمْرى

لـَيْس للأصْنـَام حَق فى الرُّجُوعْ

فغدًا سَيُشْرقُ فِى رُبُوعِكِ

ألفُ قِنديل ٍ

إذا سَقـَطـَتْ مَعَ القـَهْر الشُّمُوعْ

فالنـِّيلُ سَوْفَ يَظلُّ مِئـْذنـَة ً

وَقـُدَّاسًا..

وَحُبًا نـَابـِضًا بيْنَ الضُّـلـُوعْ

تتعَانقُ الصَّـلوَاتُ والقدَّاسُ

إنْ جَحُدوا السماحَة

فِى مُحَمَّدَ.. أو يَسُوعْ

الطـَّقـْسُ هَذا العَامَ يُنـْبئنِى

بأنَّ الجُوعَ قـَاتِلْ

وبأَّن أشْبَاحَ الظـَّلام..

تـُطلُّ مِنْ بَيْن الخَمَائِلْ

والنـَّهْرُ يَبْكِى.. والطـُّيُورُ

تفرُّ مِنْ هَوْل الزَّلازلْ

فزَواجُ عَصْر القـَهْر..

بالشُّرَفـَاءِ بَاطلْ

مَا بَيْنَ مَخْبُول ٍ..

ودَجَّال.. وجَاهِلْ

الصُّبْحُ فى عَيْنيكِ

تـَحْصُدُهُ المنـَاجلْ

والفَجْرُ يَهْرَبُ كـُلــَّمَا لاحَتْ

عَلى الأفـْق السَّلاسِلْ

لا تتركِى النـِّيَرانَ تـَلتـَهمَ الرَّبيعَ..

وتـَرتـَوى بـِدَم السَّنابـِلْ

فالقـَهْرُ حِينَ يَطيشُ فِى زَمن الخَطايَا

لنْ يُفـَرِّقَ.. بَيْنَ مَقـْتـُولٍ.. وقـَاتِلْ

"قصيدة الطقس هذا العام" سنة 1990

[email protected]
لمزيد من مقالات يكتبها ــ فاروق جويدة

رابط دائم: