رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«الملك والمالك».. توثيق سيرة وإبداع بهاء جاهين

كتب ــ محمد بهجت
بهاء جاهين

يتجدد بهاء جاهين فى إبداعاته ويبتكر مثلما يتنفس .. فى كل مرة يفاجئنا وينجح فى كسر توقعاتنا بالجديد المبهر الخارج عن المألوف .. وربما أول أغنية قدمها فى حياته لفرقة المصريين وهو لا يزال شابا يافعا تشهد على ميله للتجديد والبحث عن فكرة عجيبة لم يسبقه إليها شاعر آخر .. فيقول على لسان تلميذ يتعرف على الحب لأول مرة:

إبريل مايو يونيه موسم الامتحانات

ليه بتحلوى يا دنيا فى الوقت ده بالذات !

ليه يا قلوبنا بدأ توا فى الحب و دقدقتوا

يا ربيع هو ده وقته ده احنا ورانا شهادات

يا ربيع اظبط مواعيدك بقى وتعالى فى وقت سليم

ما هو كده لا هاننفع فى المعشقة ولا نفلح فى التعليم

ولا ها ينوبنا غير التريقة كلنا صبيان وبنات»

يطلب الشاعر بطرافة من الربيع أن يغير مواعيد حضوره كل عام فى إشارة ساخرة على استحالة تغيير وزارة التعليم لمواعيد الامتحانات فى فصل الصيف الحار طقسا وعاطفة.

وحتى فى كتابة جاهين للأغانى الدرامية، نجده يجنح دائما للتجديد فعنوان فوازير «جيران الهنا» يشير إلى عالم الحيوان جيراننا فى الخليقة، وهو ما أدهش المتلقى العادى وحيره قليلا، بينما أثار إعجاب الشعراء و المبدعين بالعنوان الذكى المبتكر. وفى فيلم «سمع هس» أحد أهم الأفلام الاستعراضية الحديثة، نجد الموضوع مرتكز دراميا على قدرة بهاء فى كتابة أغنية خفيفة مرحة يسرق لحنها موسيقار كبير مشهور ويحولها إلى أغنية وطنية حماسية على نفس اللحن والوزن الشعرى.. والأغنية الخفيفة يقول مطلعها: «أنا حمص حمص يا حلاوة ..آخر عفرتة كلى شقاوة « بينما اللحن المسروق تقول كلماته :» أنا وطنى بانشد وبطنطن .. واتباهى بمجدك يا وطنطن .. على كل الأوطان متسلطن». والعمل كله اقرب إلى فن الأوبريت السينمائى ولكن بمذاق شعبى يؤدى فيه الغناء الدور الرئيسى فى تحريك الأحداث.

وعندما يتلقى «حمص» علقة ساخنة، نجد شاعر الربابة وفرقته تنشق عنهم الأرض فجأة ويغنون من حوله «خمسة وستين دكتور واتنين تامرجية» ربما فى تعبير ساخر من أسلوب عرض السير الشعبية على المسرح، حيث يكسر الإيهام فى العرض التمثيلى كل فترة ليتدخل الراوى بالحكى أو الغناء.

وسنجد نفس البراعة والميل للحداثة فى مسرحيات عديدة منها «الزعيم» و»شارع محمد على» و»خشب الورد» وغيرها.. فهو دوما باستطاعته أن يحقق المعادلة الصعبة بين التبسيط والوصول للمتلقى وبين التجديد والتحديث فى شكل ومضمون الأغنية.


بهاء جاهين طفلا مع والده صلاح جاهين

أما فى دواوين الشعر، فينطلق أكثر بخياله محطما قيود الشكل والأغراض التقليدية فيقول مثلا: «عشق البنات البيض فى الشرق غرّبنى .. فى الغرب شّرقنى .. إلهى يحرقهم .. ويحرقنى».

لكن المبدع بهاء جاهين فى كتاب «الملك والمالك» الصادر هذا العام، يقدم تجربة فريدة ومبتكرة تخرج عن كل دوائر التصنيف التقليدى. فهى تبدو أقرب للرواية الشعرية والتى يقف راويها طويلا للبوح والمناجاة ويستمر فى حالة تداعى المعانى المختلفة المربوطة بخيط درامى خفى يجمع شتات العالم بأسره .. ولم لا ؟ والكتاب يحمل عنوان الملك والمالك.. إذن فموضوعه ملكوت الله الواسع ونوازع الخير والشر فى نفوس البشر.. أو فى داخل النفس الواحدة لشخصية شادى بطل الرواية الشعرية.. وإلى جانبه الشيطان فى دور رئيسى يليق باستحضاره كنجم الشر الأول.

بالإضافة إلى ظهور شرفى للكائن الرمادى الذى يكتب من داخل عقل بهاء جاهين ويتمرد عليه.. والشاعر بهاء جاهين الذى نحتفل بيوم ميلاده غدا، يتجه فى هذا الكتاب اتجاها صوفيا جديدا شديد الرقة والرهافة فيقول فى الجزء الثانى الذى سماه «السموات والأرض وما بينهما»:

«ما شاء حبيبى كان

عاندته أزمان

أنكرت الحب طويلا

هل أسعفنى النكران

أعلنت الرفض وقلبى

كان بودى ملآن

لكن بعد العصيان

ما شاء حبيبى كان»

هى تجربة استغرقت من الشاعر أكثر من ستمائة صفحة، ونحو عشرين عاما من الكتابة المتقطعة. واختار لها شعر الفصحى رغم كونه علما من أعلام شعر العامية المصرية.. واختار له الكائن الرمادى المتمرد الساكن فى قشرة مخه أن يجوب به وبنا عوالم مختلفة ليضعنا فى نهاية الرحلة أمام أرض بكر جديدة من الإبداع الفنى تحمل اسم بهاء جاهين.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق