عمرو صالح، وعمرو حمدى لا يعرفان بعضهما البعض ولكن جمعهما شغف مشترك. فقد نصبا نفسيهما مع آخرين كوسطاء لعشق التاريخ الإسلامى ومدرسته المعمارية، خاصة فى الأزمنة المملوكية. ورغم العشق المشترك، إلا أن لكل منهما أسلوبه الخاص فى التعبير عن هذا العشق عبر مواقع التواصل الاجتماعى.
صالح وشوارع المماليك القديمة
بدأ عمرو صالح عشقه للآثار الإسلامية عندما كان يصطحبه والده وهو طفل لزيارة شوارع القاهرة القديمة، ويحكى له عن تاريخ المماليك والفاطميين، وهو ما جعله يهتم بمعرفة المزيد عن تلك الفترة التاريخية، ويدفعه لدراسة سماتها المعمارية.
يعمل عمرو (23 عاما) أمين مخزن بإحدى الشركات. انصبت هواياته على قراءة كتب التاريخ وزيارة الآثار القديمة. وتولد لديه شغف إضافى لتعريف الناس بآثار مصر الإسلامية.
وبدأ فى توثيق زياراته للآثار التاريخية عبر مقاطع مصورة، معلقا عليها للتعريف بالتاريخ الماثل وراء أهم المساجد والشوارع المملوكية بالقاهرة، والتعريف بجماليتها المعمارية. وينشر تلك المقاطع عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» لتنال رواجا واسعا وينال الكثير من المتابعين. وزادت مهامه، عندما بدأ عدد من متابعيه يطلبون منه الخروج بهم فى جولات تثقيفية تستهدف تلك الآثار.
يحكى عمرو صالح عن تجربته قائلا: «أتذكر أن من أكثر الأماكن التى، لاقت استحسانا بين المتابعين، خاصة أنها تبدو مجهولة للأغلبية، جامع الأمير جوهر اللالا، الذى شيده الأمير عام 1430 ميلاديا على ربوة عالية شمال جامع الرفاعى حاليا بميدان صلاح الدين بالقلعة. وذلك فى أيام حكم السلطان سيف الدين برسباى (1369 - 1438) السلطان 32 بين سلاطين المماليك».
ويكمل عمرو صالح شارحا كيف اهتم متابعوه بمعرفة كل ما توفر له من معلومات حول الجامع الذى شيد على مساحة 187 مترا تقريبا، ملحق به سبيل وقبة وكتاب. ويكمل الشاب الشغوف بالمعمار الإسلامى حاكيا: «وتصميم بناء الجامع يشبه تصميم المدارس ويتألف من أربعة إيوانات يتوسطها صحن يعلوها شخشيخة مزخرفة».
ويرتكز عمرو صالح فى استحضار المادة التوثيقية التى يستند عليها على أمهات الكتب، مثل كتاب «الخطط التوفيقية الجديدة» لصاحبه على باشا مبارك (1823-1893).
وكان ذلك الكتاب تحديدا خير معين لعمرو صالح فى تعريف متابعيه ورواد رحلاته بمزيد مما ذكر عن الأمير جوهر اللالا ومسجده، أن جوهر كان يعمل فى خدمة «سيف الدين برسباى» قبيل تولى الأخير السلطنة عام 1422. وفى ولاية السلطان برسباى، تقلد جوهر عددا من الوظائف إلى أن توفى ودفن بالمسجد الذى شيده. ولقب «لالا» بالفارسية يعنى مربى أبناء السلطان.
مسجد جوهر اللالا
حمدى ومطابقة الواقع بالتاريخ
أما عمرو حمدى (34 عاما) وهو يعمل محاميا، إلا أن حبه للقراءة وتحليل الأحداث كانت بداية اطلاعه على سير عدد من سلاطين المماليك مثل السلطان قنصوه الغورى (1441- 1516). وكانت هذه بداية اهتمامه بزيارة الآثار الشاهدة على تلك الأزمنة التى يتناولها بقراءاته، لتكتمل لديه التجربة المعرفية. وينقل هذه التجربة إلى متابعيه، بعد توثيقها والتأكد من مختلف تفاصيلها عبر حسابه بمواقع التواصل الاجتماعى، والتى يطالع منشوراتها أكثر من خمسين ألف متابع وعاشق للتاريخ والعمارة الإسلامية. وقد ساعده بشكل كبير انتسابه لاتحاد الأثريين المصريين.
يوضح عمرو حمدى للأهرام، أن زياراته دائما ما يسبقها قراءة وافية عن الأثر المقصود بالزيارة، مع الحرص على الإلمام بجوانب الشخصية التاريخية صاحبة الأثر. ويوثق الشاب زياراته عبر وسيط التصوير الفوتوغرافى، بلقطات تبرز جمال التراث الإسلامى، مؤكدا: «غالبا ما أميل للتركيز على التفاصيل الفنية الدقيقة مثل النقوش والزخارف والحفر على الخشب، لإبراز الجماليات المعمارية».
ويشير عمرو إلى ولعه بفترة السلطان قنصوه المشهور بالغورى، والذى لقب «بالأشرف» لامتناعه عن قبول السلطة عندما ألحوا عليه فأطلقوا عليه «الأشرف».
ويتابع عمرو: «من أهم الزوايا التى جذبتنى فى تلك الحقبة التاريخية، من يعرف بأصحاب القباب الأربعة: (قيت الرجبى، وسيف الدين قرقماس، ودولت باى، وسودون العجمي) وهؤلاء الأربعة هم من الأتابكة، وهو لقب أطلقه الأتراك قديما على أصحاب المناصب العسكرية الرفيعة، وقد تولى الأربعة قيادة جيش مصر فى عهد السلطان قنصوه الغورى.
قبة سودون العجمي
ويوضح عمرو أن للأمراء الأربعة قبابا بديعة بعضهم مدفون تحتها، فيما تدور الشكوك حول كون الأمير سودون العجمى الأتابكى مدفونا تحت القبة التى تحمل اسمه.
ضوابط على شغف الوسطاء:
لكن رغم انتشار الصفحات التى تنشر أو يتحدث أصحابها عن المواقع الأثرية، وتزايد أعداد متابعيها، إلا أنه لابد من وجود ضوابط تحكم هذه المسألة. فكان التواصل مع عاصم مجدى عضو اتحاد الأثريين المصريين ومسئول العلاقات العامة بالاتحاد، الذى بدأ حديثه بالإشارة إلى تاريخ «الاتحاد» موضحا أنه قام عام 2009 على يد الدكتور عبد الحليم نور الدين (1943- 2016) العميد السابق لكلية الآثار بجامعة القاهرة، ثم أصبح اتحادا رسميا مشهرا يتبع وزارة التضامن الاجتماعى منذ 2012 بإشراف من وزارة الآثار.
عاصم مجدى
وعن عضوية الاتحاد، يشير عاصم إلى أنها تضم طلبة كلية آثار وطلبة الإرشاد السياحى وآداب تاريخ، والأساتذة بهذه الكليات، والعاملين بالمجلس الأعلى للآثار، بالإضافة لضم نسبة 10% من الهواة أو المنتسبين ويرأس الاتحاد حاليا الدكتور عادل الطوخى. وتتيح عضوية الاتحاد العديد من الخدمات، وأبرزها الدخول المجانى إلى عدد من المواقع الأثرية وغير ذلك الكثير.
وعن أصحاب الصفحات الخاصة بالترويج للمواقع الأثرية والتعريف بتاريخها، وعلاقتهم بالاتحاد، كشف عاصم عن إطلاق مبادرة خاصة لضمهم إلى الاتحاد. وبالفعل انضم نحو 37 فريقا على مستوى الجمهورية. ويضيف: «نسعى حاليا لضم الباقى حتى يستفيدوا من خدمات الاتحاد من ناحية، ولصقل مواهبهم وكذلك لتتم الاستفادة من نشرهم للوعى التاريخى من جهة أخرى خاصة لجمهور السوشيال ميديا».
رابط دائم: