بعد عشرين عاما من الوجود الأمريكي فى أفغانستان للإطاحة بحركة طالبان، والقضاء على التنظيمات الإرهابية التى نفذت هجوم 11 سبتمبر 2001م، وتدعيم حقوق الإنسان، كما ادعى الأمريكان، قرر جو بايدن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، بحجة أن القوات الأفغانية هى التى تكون مسئولة عن الدفاع عن أرضها، ومواجهة طالبان، وتحقيق الأمن والأمان للشعب الأفغانى، دون إدراك من الإدارة الأمريكية العواقب الوخيمة لهذا القرار، الذى يمكن أن يترتب عليه انهيار الدولة الأفغانية.
ولعل هذا الفشل الذريع للإدارة الأمريكية فى أفغانستان، قد يذكرنا بفشلها من قبل فى العراق، عندما دخلت القوات الأمريكية الأرض العراقية بحجة إرساء دعائم الديمقراطية، والدفاع عن حقوق الإنسان، ومراعاة صالح الشعب العراقي، ولكن للأسف لم يتحقق،أى هدف من هذه الأهداف، لأن النوايا لم تكن صادقة، وقد كان الهدف الحقيقي من وراء كل هذه المناورات الأمريكية، هو تنفيذ إحدى الخطوات التى تقود إلى ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد، من خلال نشر الفوضى الخلاقة فى كل المناطق العربية، وغيرها من المناطق، التى تساعد على تحقيق الحلم الأمريكي في إعادة تقسيم خريطة العالم!.
فقد ضاعت العراق، ولم تتحقق الديمقراطية، ولم يتحقق أدنى احترام لحقوق الإنسان، بل قد طغت العنصرية، والمذهبية، والطائفية، على كل شيء في العراق، وحدث ما لم يحدث من قبل في أرض العراق، من وجود أجنبي لدول مجاورة، ودول معادية، وتدخلات خارجية وإقليمية.
فما من أرض وَضعت فيها الإدارة الأمريكية أقدامها، إلا وكان الفشل حليفا لها، لأن هذه الإدارة قد أغفلت على مدار عقود طويلة مصالح الشعوب، ولو أن هذه الشعوب قد وثقت في أهداف الأمريكيين، لوقفت مع الإدارة الأمريكية، طالما أن الهدف هو صالح هذه الشعوب، ولكن أدركت هذه الأخيرة أن الإدارة الأمريكية لا تبحث عن صالح أى شعب، ولكنها تبحث فقط عن صالح الولايات المتحدة الأمريكية، ولم ينكر أي شعب حق أي إدارة في البحث عن مصالحها، ولكن دون أن تكون هناك أهداف استراتيجية خفية، تؤيد تفتيت الجيوش، وانهيار الدول، ونشر الفوضى في كل مكان!.
وعلينا أن نتذكر أيام ما أطلق عليه الربيع العربي، عندما عمل الرئيس الأمريكي أوباما على نشر الفتن، والاضطرابات، فى معظم الدول العربية، وحاول استغلال التنظيمات الإرهابية الموجودة فى أفغانستان، ليأتي بعناصرها إلى أرض سيناء أيام حكم الإخوان، لتتحول أرض الفيروز إلى أرض الكيانات الإرهابية، وبدلا ًمن أن تكون حاضنة للسلام ونشره بين الشعوب، تصبح حاضنة للإرهابيين من كل مكان، ليستخدمهم الأمريكان بهدف تحقيق مآربهم، وتهديد مصالح الشعوب، والقضاء على الأنظمة الحاكمة، وإعادة هيكلة الوطن العربي، ليتماشى الهيكل الجديد مع رغبات الإدارة الأمريكية، وتحقيق هيمنتها، وتنفيذ مشروعها الاستراتيجي المسمى بالشرق الأوسط الجديد!.
وبعد أن فشلت الإدارة الأمريكية في تحقيق هدفها الاستراتيجي، أخذت تفكر من جديد في إعادة استخدام التنظيمات الإرهابية التي كانت من صنعها، ووجد جو بايدن أن البداية الحقيقية، لتحقيق الهدف قد تكون من أفغانستان، وضرورة إفساح المجال، لسيطرة حركة طالبان من جديد على مقاليد الحكم، لتكون نواة للم شمل الحركات الإرهابية على مستوى الشرق الأوسط، وإعادة بث الثقة في قيادات هذه الحركات، وخاصة بعد أن هُزمت بهزائم ساحقة فى بعض الدول، وقد كانت مصر، ومازالت، في مقدمة الدول التي تكافح الإرهاب، وبدأت منذ سنوات بالعملية الشاملة في سيناء، وحقق الجيش المصري، والشرطة المصرية، انتصارات لا نظير لها، على الإرهابيين، الممولين من بعض الدول، ولا أستبعد تورط الإدارات الأمريكية المتعاقبة فى ذلك!.
فقد صُدم الجميع من التصريحات غير المقنعة لجو بايدن وإدارته، والتي تمثلت في أن القوات الأمريكية لن تحارب من أجل مصالح دول أخرى، وأن الجيش الأفغاني هو الذى تخلى عن الدفاع عن شعبه، وأن سيطرة طالبان على جميع المدن الأفغانية، ليس بسبب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ولكن بسبب عدم تحمل الجيش الأفغاني، والرئاسة، للمسئولية في الدفاع عن الدولة، وأن الإدارة الأمريكية قد أنفقت أكثر من ثلاثة تريليونات دولار على مدار عشرين عامًا في أفغانستان، بهدف إعداد جيش قوى، ولكن قد تخلى الجميع عن مسئوليته، مما أدى إلى انهيار الأوضاع بأسرع مما كانت تتوقعه الإدارة الأمريكية!.
ما حدث في أفغانستان، لم يكن إطاحة بالجيش الأفغاني، ولكن كان إطاحة بالإدارة الأمريكية، التي فشلت كعادتها في دراسة عواقب ما بعد الانسحاب من أفغانستان، كما أن ما حدث في أفغانستان، يؤكد هزيمة الإدارة الأمريكية من زاويتين، الأولى تتعلق بفشل كيفية التعاطي مع قرار الانسحاب من أفغانستان، وما قد يترتب على ذلك من نتائج، والثانية تتمثل في الفشل الذريع للأجهزة المخابراتية الأمريكية، وحلفائهم، فكيف تحقق طالبان هذا الانتصار السريع فى أيام معدودة؟! وهل حققت طالبان انتصارها في عشية وضحاها، أم أن ذلك قد كان مخططا له منذ شهور؟! وأين كانت الأجهزة المخابراتية الأمريكية من كل ذلك؟!أم أن كل ما حدث قد كان بمباركة أمريكية، وبعلم من إدارتها؟!.
تساؤلات عديدة تفرض نفسها في المشهد الأفغاني، وأعتقد أن الإجابة تكون واضحة، وأن ما حدث في أفغانستان يدل على تواطؤ محسوب من الإدارة الأمريكية، وأن كل ما ذكره الرئيس جو بايدن من مبررات، لا يمكن قبوله، أو الاقتناع به، وأن هناك مخططات أمريكية بالتعاون مع بعض الدول، لتنفيذها فى منطقة الشرق الأوسط.
إن ما يحدث في أفغانستان، وما سبقه من أحداث في العراق، وسوريا، وليبيا، وغيرها، يؤكد أن المتغطي بالأمريكان عريان، وأن الإدارة التي تعتمد على غيرها في إدارة شئون الحكم، ورعاية مصالح الشعب، عليها أن تختفى، وتترك الساحة للوطنيين المخلصين، الذين يعتمدون على شعوبهم، للحفاظ على الأمن، والاستقرار، ولا يسمحون لأى إدارة أياً كانت، بأن تتدخل في الشئون الداخلية، أو حتى مجرد المحاولة في فعل ذلك، وأن السيادة للشعب، ولا يمكن أن تكون مجالا للاستثمار، أو التنازل عنها.
لمزيد من مقالات د. شحاتة غريب رابط دائم: