رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الأهرام ودعمها الجامعة المصرية

إذا أردت أن تعرف شيئًا عن مصر فعليك الرجوع إلى الأهرام، فهى بالفعل ديوان الحياة المعاصرة. أتحدث اليوم عن دور مهم لجريدة الأهرام فى الدفاع عن الجامعة المصرية، ففى اوائل القرن العشرين أفردت العديد من صفحاتها لكى تدافع عن الجامعة وتساعدها فى البقاء فى ظل ظروف مالية وسياسية صعبة، واليوم ونحن نحتفل هذا العام بمرور 145 عاما على إنشاء جريدة الاهرام العريقة وجب علينا أن نلقى بصيصًا من الضوء على ما قدمته لتثبيت الجامعة المصرية ضد موجات المشكلات التى واجهتها اعترافا بفضلها العظيم. لقد ظهرت الجامعة المصرية فى يوم21 ديسمبر عام 1908 بمبادرة أهلية واتفاق بين مجموعة من المصريين الشرفاء الذين كانوا مختلفين فى انتماءاتهم السياسية والاجتماعية، على أهمية وجودها كضرورة مجتمعية وثقافية لمصر، وكانت البداية واعدة، الا أنها تعثرت كثيرا خلال فترة الحرب العالمية الأولي، مما حدا بأصوات تطالب بإغلاقها (1915ـ1917)، ومن هنا تصدت جريدة الأهرام للدفاع عن بقاء المؤسسة الوليدة، التى لم تكن بلغت عشر سنوات وقتئذ. ومن «ديوان الحياة المعاصرة», للعظيم د. يونان رزق يذكر: أنه فى 19 أكتوبر عام1915 تم نشر مقال بعنوان: حول الجامعة المصريةـ ضجة فى الفضاء لا نعرف مهبها, أعرب عن الدهشة من أصحاب تلك الأصوات، واستعرض أهم الأسباب والمشكلات التى تواجه مشروع الجامعة، وذكر فيه: ان هذه الجامعة أنشئت فى القاهرة، وكان من الواجب أن تكون فى كل عاصمة من عواصم هذا القطر جامعة مثلها، ولم يدرك الكثيرون مهمتها، فظن بعضهم أنها ستحمل العلم بأكياس إلى الدور والمنازل، فتوزعه حتى تملأ به كل بيت، وظن آخرون أننا بها سنستغنى عن المدارس الأخرى العالية، وازدراها سواهم لأن شهاداتها لا توصل الطالب إلى كرسى الاستخدام، ووعد الكثيرون بأن يعطوها ويمنحوها، ولم يفعلوا بل خلفوا وعدهم، وتخيل فريق العضوية فيها كمنصب الحكم! وفى مقال طويل آخر، قدمت الأهرام لأهم أسباب ضائقة كانت تعانيها الجامعة فى ذلك الوقت، ومعظمها خارج عن إرادتها، فإيراد الجامعة، الذى بدا، وكأنه تناقص كثيرا بعد قيام الحرب، كان الموضوع الأول، الذى تناولته الأهرام، حيث تنوعت مصادره بشكل ملحوظ، منه إعانة الأوقاف، وقدرها خمسة آلاف جنيه سنويا، الاشتراكات، إيجار الأطيان الموقوفة على الجامعة، وأخيرا فائدة الأموال، التى تم الاكتتاب بها، والتى أودعت فى البنك الألمانى الشرقي، ولاحظت الأهرام أن رأس المال لا يزيد تقريبا لكون حركة الاكتتابات بطيئة، على الرغم من المساعى لحض الناس على مساعدة الجامعة، والأخذ بيدها. يأتى من ضمن الموضوعات التى ناقشتها الأهرام فى ذلك الوقت بعثات الجامعة إلى أوروبا، فنتيجة لقصور مواردها همت باستدعاء بعثة ألمانيا وفرنسا وإبقاء بعثة إنجلترا مع تخفيض رواتب أعضائها، غير أنها تداركت الأمر بعد قليل بسبب حسن مساعى مجلس الإدارة، وفى نهاية الامر اضطرت الجامعة إلى استدعاء من لم يتمم دروسه من أعضاء البعثات، وكان الباقى منهم ثلاثة فى إنجلترا وسبعة بفرنسا، فعادت إرسالية إنجلترا، وعاد من فرنسا اثنان بعد أن بقى بها خمسة يتمون دروسهم على نفقتهم، وكان طه حسين واحدا كضحية لأزمة الجامعة من الاثنين اللذين عادا من فرنسا عام1915، وراحت بعثته الأولى، فى مونبلييه، وكان عليه أن ينتظر عبور تلك الأزمة ليعود إلى باريس بعد الحرب، ويصبح عميد الأدب العربى فى المستقبل! لم تكن هيئة تحرير الأهرام وحدها فى ميدان الدفاع عن الجامعة، ولكن دعمها لعدد من القراء خصص لهم مساحات واسعة منها، مما شكل دعما قويا للجامعة للخروج من عثرتها ولاستمرارها لا إلغائها، وكان الجميع بذلك متوافقين مع دورة عجلة التاريخ. منهم ابن سينا، وفؤاد أبو السعود، وكانوا يوقعون بأسماء وحروف مستعارة. حاولوا تفسير أزمة الجامعة بأنها كان يجب أن تتدرج وتنمو نموا طبيعيا، بدلا من أن تبدأ كبيرة جدا غير حاسبة لتراخى الأيدى من حولها حسابا، وغير متعظة بالطرق والاساليب الشرقية بالاندفاع فى بداءة كل أمر حتى يظن الناس أننا بالغو السماء طولا، ثم نهبط إلى ما دون الحضيض وهنا وتهاونا وضعفا! وهناك من قاد هجمة مضادة ضد أصحاب دعوة إغلاق الجامعة، فكتب اكثر من مقال تحت عنوان: الانتقاد لا الانتقام، هاجم فيها بقسوة أصحاب هذه الدعوة. أما القارئ، الذى وقع بالحروف الأولى من اسمه م.ي، فقد طالب الأمة المصرية بأن تبرهن على أنها أمة حية مشتاقة للعلم، وتحتفظ بأثر من مآثرها العلمية، وتنفخ فيه روح الحياة، وتهب هبة واحدة فى مساعدة هذا المشروع الجليل، الذى هو غرس أياديها وثماره لها، فلتعد الصحف المصرية على صفحاتها قائمات الاكتتاب وليتبار فى ذلك الفقير قبل الغنى والصغير قبل الكبير. لقد ظلت الجامعة تعانى المتاعب خلال سنوات الحرب الصعبة، خاصة أن رئاستها انعقدت لحسين رشدى باشا، رئيس النظار، الذى كان مشغولا بمهام منصبه، لكنها تشير أيضا إلى أن عددا من المصريين، الذين دخلوا مجلس إدارتها خلال تلك الفترة على رأسهم سعد زغلول وأحمد لطفى السيد نجحوا فى صلب عودها إلى أن اعتلى الامير فؤاد، رئيس الجامعة حتى عام1913 عرش مصر عام1917، ولم يكن بالإمكان أن يتخلى عن مشروعه القديم فعادت الحياة إلى عروقه، وكان وراء تحويل هذا المشروع لمؤسسة حكومية عام1925، ومن ثم لم يكن غريبا أن تتسمى الجامعة باسمه عقب وفاته.

هذه صفحات نادرة لجريدة وفية لوطنها قدمت للجامعة المصرية فى بدايتها التشجيع والدفاع عن وجودها، وأنه ليس ثمة سبيل لإنقاذ الجامعة، سوى استنفار قوى الأمة للتبرع لإنقاذها. وما زالت صفحاتها حتى اليوم تفردها لمسألة الجامعة والتعليم، ليس لجامعة القاهرة فقط، ولكن لجميع الجامعات المصرية، ويكفى شرفا تلك المقالات التى تفردها لأساتذة أجلاء يكتبون بحرية ما يعن لهم من آراء وأفكار فى العديد من المشكلات التى تواجه التعليم العالى فى مصر والمواجهات القوية والصريحة، التى تقودها من أجل بعث روح جديدة للتعليم فى مصر.


لمزيد من مقالات د. حامد عبدالرحيم عيد

رابط دائم: