رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

نهاية المشروع الأمريكى

بعد الاعتداء الذى تعرضت له الولايات المتحدة فى 11 سبتمبر 2001، ظهر على الساحة بشكل قوى أفكار مركز بحثى حمل اسم «مشروع القرن الأمريكى الجديد»، المركز أنشئ فى الأصل عام 1997، بواسطة مجموعة من الباحثين أطلقوا على أنفسهم اسم «المحافظون الجدد»، وكان معظمهم من اليهود من أنصار الحزب الديمقراطى، الذين انقلبوا على الحزب بعد ان تبنى سياسة الوفاق مع الاتحاد السوفيتى، لتفضيلهم موقفا أكثر تشددا تجاه موسكو فى أثناء فترة الحرب الباردة، وسرعان ما وجد هؤلاء ضالتهم فى الرئيس الجمهورى رونالد ريجان الذى تبنى نهج التصعيد والمواجهة مع الاتحاد السوفيتى.

ولكن مركز المشروع الأمريكى ظل محدود التأثير، حتى جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001، والتى أصابت مراكز التفكير الأمريكية بصدمة أفقدتها القدرة على فهم ماحدث، وهنا استغل مشروع القرن الأمريكى الموقف، وقام سريعاً بطرح رؤية لتفسير ما حدث وكيفية التعامل معه، واستطاع ملء الفراغ الفكرى فى هذه اللحظة الفارقة من التاريخ الأمريكى.

تبنى المشروع الذى طرحه المركز فكرة أن أحداث 11 سبتمبر، لم تكن نتيجة للسياسات الأمريكية غير العادلة فى الشرق الأوسط، ولكن نتيجة للأوضاع الداخلية فى العالمين العربى والإسلامى، التى أفرزت قوى التطرف التى هاجمت الولايات المتحدة فى 11 سبتمبر، وظهر وقتها بشدة تحليلات عنوانها «لماذا يكرهوننا»، تبنت نفس وجهة النظر، وأسهم فى تصاعدها أيضاً الأفكار المتعلقة بـ «صراع الحضارات».

وتبنى المشروع الأمريكى افتراض أن افرازات الداخل العربى والإسلامى والتى انتجت الإرهاب، أدت إلى تغيير الداخل الأمريكى، من خلال فرض قيود على حريات المواطن الأمريكى فى إطار مكافحة الإرهاب، ومن ثم أصبح من حق الولايات المتحدة «تغيير الداخل» فى البلدان العربية والإسلامية لانه غير الداخل الأمريكى.

فى هذا الإطار طرح المشروع سياسة تغيير النظم للدول التى ارتبطت بالإرهاب، وبتأثير المحافظين الجديد تبنت إدارة الرئيس جورج بوش الابن هذا المشروع، وكانت خطوته التنفيذية الأولى هى غزو أفغانستان وتغيير نظامها، ووضع أسس لنظام جديد، وبعد الإطاحة العسكرية بحكومة طالبان، بدأت الولايات المتحدة بالفعل فى تغيير النظام التعليمى بأفغانستان، وبناء نظام سياسى على أسس جديدة، وإعادة بناء الجيش الأفغانى. وتلى ذلك تبنى مركز المشروع الأمريكى فكرة غزو العراق والإطاحة بنظام صدام حسين، فى إطار نفس منطلقات تغيير النظم. وفى ذلك الوقت تم التأكيد أيضا على أن الولايات المتحدة استطاعت تغيير النظم فى ألمانيا واليابان فى إطار هزيمتهما العسكرية فى الحرب العالمية الثانية، ثم بدأت فى إعادة هيكلة النظام بهاتين الدولتين، وتحويلهما من أعداء الى أصدقاء، وانها يمكن أن تكرر التجربة بنجاح فى العالم الإسلامى. وبالتالى أصبح المسلمون هم المختبر الجديد لهذه الفكرة.

بعد مرور ما يقرب من عقدين من إطلاق هذا المشروع، أدركت الولايات المتحدة صعوبة تنفيذه، وأعلنت بشكل رسمى فشله وتخليها عنه، وكان تحديد تاريخ 11 سبتمبر 2021 كموعد لاستكمال الانسحاب الأمريكى من أفغانستان، والذى يتوافق مع الذكرى العشرين لهجمات سبتمبر على الولايات المتحدة وبدء مشروع تغيير النظم، هو بمنزلة إعلان عن طى صفحة هذه المرحلة من التاريخ الأمريكى، والتى اضطرت لاغلاقها حتى قبل موعد سحب القوات فى ١١ سبتمبر، وبعد ان سقطت كابول فى يد طالبان، وهرولت القوات الأمريكية للخروج من أفغانستان. أحد الأسباب الرئيسية لتخلى الولايات المتحدة عن هذا المشروع هو ادراكها أن العراق و أفغانستان ليستا المانيا أو اليابان، وان إعادة بناء الأمم وفقا للوصفة الامريكية، لا تناسب كل المقاسات، او كل النظم، وان ما يصلح لليابان وألمانيا فى ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية لا يصلح بالضرورة لدول أخرى وفى زمن آخر. وبالرغم من ان الولايات المتحدة الأمريكية دفعت ثمنا باهظا فى المشروعين العراقى والافغانى، فإن شعوب هاتين الدولتين هى من دفع الثمن الأكبر لهذه التجربة. السبب الثانى، هو ادراك الولايات ان إنشاء امبراطورية أمريكية بالخارج يتطلب التضحية بالارواح والأموال، كما كانت تفعل الإمبراطورية البريطانية وكما فعلت الولايات المتحدة نفسها فى أثناء الحرب الباردة، ولكن الرأى العام الأمريكى فى السنوات الأخيرة أصبح يرفض هذه التكلفة، ويفضل الحفاظ على أبنائه وأمواله فى الداخل. يضاف لذلك أن قضايا الهجمات الإرهاب التقليدية التى احتلت الصدارة فى أولوية التهديدات للولايات المتحدة منذ عشرين عاما لم تعد كذلك هذه الأيام بعد أن أمنت الولايات المتحدة حدودها ضد احتمال أى هجوم إرهابى خارجى، وحل الإرهاب السيبرانى محل الإرهاب التقليدى. كما أصبح الهدف الاستراتيجى للولايات المتحدة هو مواجهة الصعود الصينى وليس مواجهة الإرهاب.

لهذه الأسباب وغيرها، تخلت الولايات المتحدة عن مشروعها المتعلق بتغيير النظم وبناء الأمم فى الخارج، وبدأت فى تبنى مشروع جديد تركز فيه بالأساس على التحديات الداخلية من اقتصاد وصحة وتعليم ...إلخ، ومواجهة الصين كمنافس استراتيجى على المسرح العالمى، والتحرر من أى أعباء خارجية يمكن أن تؤثر على هذا المشروع الجديد. ورغم رفع الرئيس الأمريكى بايدن شعار عودة الولايات المتحدة للعب دور قيادى على المسرح العالمى، فإن هذه العودة بالأساس ستكون رمزية، لأن بلاده لم يعد لديها الإرادة أو الموارد لقيادة هذا العالم.


لمزيد من مقالات د. محمد كمال

رابط دائم: