رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الحقائق والأفكار المغلوطة فى المسألة الأفغانية

رغم أن التطورات الأخيرة التى شهدتها أفغانستان تصدرت نشرات الأخبار خلال الفترة من 15-30 أغسطس 2021وتسابقت البرامج الحوارية فى استضافة مَسئولين ومُتحدثين، فإن هذا السيل الإعلامى لم يكُن من شأنه توضيح حقيقة ما حدث فى أفغانستان. بل أدى أحيانًا إلى جعل الموضوع أكثر غموضًا بسبب التضارُب فى المعلومات، والتركيز على معلومات مُعينة دون غيرها، أو بسبب عرض آراء من سُموا مُتخصصين أو خُبراء دون توضيح خلفياتهم ومواقفهم السياسية. وأدى كُل ذلك إلى شيوع كثير من الأفكار المغلوطة والأخبار غير الدقيقة عما جرى فى أفغانستان.

وعلى سبيل المثال، كانت تقديرات أجهزة الاستخبارات الأمريكية التى روجت لها وسائل الإعلام فى الأسبوع الثانى من شهر أغسطس أن كابول لن تسقط فى يد طالبان قبل ثلاثة أشهر من اتمام انسحاب القوات الأمريكية، وأنه فى أسوأ الأحوال لن يحدث قبل شهر على الأقل منه. وجاءت الأحداث المُتلاحقة لتضرب بهذه التقديرات عرض الحائط ودخلت قوات طالبان العاصمة يوم 15 أغسطس ودون قتال تقريبًا. وأصبحت قواتها عند مداخل المطار الذى كانت تتم منه عملية انسحاب القوات الأجنبية. ولم يُقدم المسئولون الأمريكيون تفسيرًا مُقنعًا لخطأ هذه التقديرات وركزوا على مسئولية الحكومة الأفغانية وهروب رئيس الجمهورية أشرف غنى. ولكن ذلك لا يُفسر سُقوط الولايات الأفغانية واحدة بعد الأُخرى وعدم مُقاومة الجيش الأفغانى له رغم وجود الرئيس والحكومة فى كابول.

وكان الأغرب فى هذا الشأن ما نشرته جريدة الوول ستريت فى 19 أغسطس الماضى من أن السفارة الأمريكية فى كابول كانت قد أرسلت فى 13 يوليو الماضى تقريرًا إلى وزارة الخارجية بواشنطن تنبأت فيه بما حدث، وما نشرته النيويورك تايمز فى 17 أغسطس من أن مصادر المُخابرات الأمريكية العاملة على الأرض حذرت فى يوليو أيضًا من عدم قُدرة الحكومة والجيش على صد هجوم طالبان على العاصمة. يُدعم من ذلك أن المبعوث الأمريكى زلماى خليل زاد تفاوض مع قادة الحركة للحصول على ضمانات بعدم مُهاجمة مبنى السفارة الأمريكية عند دخولهم العاصمة. والغريب أيضًا أنه حسب رواية النيويورك تايمز، إن الرئيس بايدن قلل من خطورة التحذيرات التى وردت فى تلك التقارير بل واستبعد حدوث أى إجلاء فوضوى للأمريكيين من أفغانستان على غرار ما حدث فى سيجون عام 1975.

ومن ذلك أيضًا، التعتيم الرسمى الأمريكى على العوامل التى أدت إلى سيطرة طالبان على أفغانستان بهذه السهولة. فالحقيقة، أن وجود طالبان لم يختفِ أبدًا طوال فترة الوجود العسكرى الأمريكى. وظلت سيطرتها على القُرى والمُدن الصغيرة التى امتدت لمساحات كبيرة فى أفغانستان، وأن السُلطات الأمريكية قبلت هذا الوضع وتعايشت معه. ولم تهتم بمُكافحة الفساد الذى استشرى فى مؤسسات الحُكم والإدارة والتى دعمتها واشنطن، وانقسام النُخبة الحاكمة والذى وصل إلى توظيف الجيش الأفغانى لأغراض سياسية وشخصية. وكان من شأن ذلك أن الحكومة الأفغانية بَدت لدى الأفغان كحكومة عميلة أو خاضعة لواشنطن. مما مكن طالبان من تصوير نفسها كحركة تحرير وطنية مُعادية للاحتلال.

ومن ذلك أيضًا، التعتيم على مصير ترسانة الأسلحة الأمريكية والتى كانت موجودة فى حوزة الجيش الأفغانى، والتى من الأرجح أن تكون قد سقطت فى أيدى طالبان. فمن ناحية، أشار البنتاجون إلى أن الأسلحة التى كانت فى حوزة القوات الأمريكية قد تم تعطيلها وأعطى مثالًا بأن هُناك 73 طائرة مروحية لن يكُون بأمكانها الطيران مرة أُخرى.ومن ناحية ثانية، ركزت مصادر أُخرى على أن كثيرًا من الأسلحة الأمريكية التى كانت فى حوزة الجيش الأفغانى أصبحت الآن فى أيدى قوات طالبان، وأنها تشمل طائرات بما فى ذلك الطائرات المُسيرة من طراز «بلاك هوك»، كما شملت مركبات ومُدرعات، ومُضادات للألغام،والبنادق الهجومية، ومُعدات استطلاع وأجهزة رؤية ليلية يُقدر ثمنها بنحو 80 مليار دولار. وظهر مُقاتلو طالبان يحملون البنادق الأمريكية إم 4 وإم 16 بدلًا من البنادق الروسية. أضفُ إلى ذلك ما يتردد من أن طالبان حصلت على بعض البيانات البيوميترية التى جمعتها السُلطات. ويُقصد بهذه البيانات شَفرة العين والأصابع للأفراد والتى تم جمعها لنحو 80% من عدد السُكان.

وتبقى الإشارة إلى علاقة أمريكا مع باكستان وقيامها بدعم الجيش الباكستانى بالمال والسلاح حتى يقوم بمهمته فى مُقاومة طالبان الباكستانية والتى مثلت امتدادًا عسكريًا وسياسيًا للحركة الأم فى أفغانستان، وملاذًا لقياداتها. ويدُل على استخدام قادة الحركة الأم للأراضى الباكستانية أن عبد الغنى برادر وهو الرجل الثانى فى الحركة، ومسئول المكتب السياسى به تم اعتقاله فى كاراتشى عام 2010 وظل حبيسًا حتى 2018 عندما أُفرج عنه بموافقة أمريكية فسافر إلى الدوحة وأقام بها. فى هذا السياق، هُناك من يتهم باكستان بالتهاون مع حركة طالبان وذكر الأمين العام لحلف الأطلنطى أن باكستان تتحمل مسئولية تنفيذ حركة طالبان التزاماتها الدولية، وجاء الرد الباكستانى سريعًا على لسان وزيرة حقوق الإنسان التى قالت إن باكستان لن تكون كبش فداء ولن تتحمل نتائج أخطاء الآخرين.

الكثير مما حدث فى أفغانستان ما زال فى طى الكتمان والأسئلة المُتداولة أكبر بكثير من الإجابات المُتاحة. ورُبما سوف ننتظرُ بعض الوقت حتى نعرفُ حقيقة ما جرى فى أفغانستان فى شهر أغسطس 2021.


لمزيد من مقالات د. على الدين هلال

رابط دائم: