لم تكن المرة الاولى التى أتطرق اليه طيلة الاعوام القليلة الماضية، اذا سبق ان تناولت الشأن والوضع الخاص بصيرورة الاحزاب المصرية ووضعها الحالى ومستقبلها السياسى اكثر من مرة فى هذا المكان، خاصة بعد ان وصل وتجاوز عددها اكثر من مائة وخمسة أحزاب بعد ثورة 25 يناير وكان آخر تناول قبل الانتخابات البرلمانية الاخيرة. اى قبل اقل من عام، ويومها أطلقت دعوات لتحسين الاداء والاجادة وعلقت الجرس فى رقاب كل الاحزاب0 وحذرت من ان الوضع الحزبى بمثل هذا الاداء وبتلك الآليات العقيمة لايستقيم 0مع توجيه النصيحة اخذا بمبادرة ودعوة الرئيس السيسى طيلة السنوات الماضية لتلك الاحزاب بالبحث عن صيغة جديدة ولتكن عبر الاندماج فى كيانات حزبية فاعلة ونشطة واكثر حضورا فى الساحة السياسية المصرية. ولكن ما دفعنى الى معاودة الكتابة فى الشأن الحزبى من جديد اليوم هو حجم ماهالنى واصابنى بالفزع والصدمة على التجربة الحزبية الحالية عبر سلسلة الاحداث المتسارعة والتطورات المتلاحقة التى تشهدها بعض تلك الاحزاب،. وخاصة صاحبة التاريخ والارث السياسي، حيث اصبحت ادبيات تجميد العضويات ومكوكية الملاحقات والمطاردات والرفت والفصل بعد المعارك الشخصية والتراشق والملاسنات والحروب المباشرة وبالوكالة هى العنوان الرئيسى للمشهد الحزبى فى مصر حاليا. وأعتقد ان ماجرى ومازال يحدث فى حزب الوفد ومحاولات يائسة للانقضاض على الشرعية بداخله هى صورة مماثلة لجولات المعارك الاخرى فى الحزب الناصرى وكذلك الحركة الوطنية وغيرهما عشرات الصور فى احزاب عديدة. بعضها ظاهر للعيان والغالبية من الحالات تمثل الجزء الغاطس من ازمات المشهد الحزبى حاليا. حيث لايعقل بأى حال من الاحوال ان كنا نسمع ونشاهد تلك الاساليب المتردية واللجوء الى تلك المشاحنات والمناكفات التى تصل فى بعضها وتوصف بغير الاخلاقية فى التعاطى مع الخلافات الحزبية، عبر حالات التهديدات المباشرة بالتصفية الشخصية بعد الوعيد بالتصفيات السياسية للبعض. ناهيك عن حملات ممولة عبر منصات السوشيال ميديا لحروب الكراهيات وتصدير السخائم والخوض فى الاعراض وجولات التهديدات والويل بحروب المنازلات والاقتحامات الكبرى حتى وصل الامر الى حروب الشكاوى وعرائض الاتهامات ورفع الدعاوى امام النائب العام والمحاكم المختصة. فضلا عن مئات الرسائل والاتهامات اليومية بالاستغاثات والكيدية السياسية للجنة شئون الاحزاب، الامر الذى ينذر بعواقب وخيمة لو استمر مثل هذا المشهد واتسعت رقعة تلك الخلافات فى الاسابيع والاشهر المقبلة. حيث سنكون امام مشهد وفصل جديد سيكون مسارا اجباريا لعطب الحياة الحزبية يحمل علامات واشارات من التراجع والخلل والانسداد الحزبى شبه الشامل لو تم تجاهل مثل هذه الصراعات والخلافات ومعارك التصفيات التى تضرب جنبات غالبية تلك الاحزاب وليس كلها بالطبع. أعتقد انه فى ظل تلك الازمات الحزبية وحرب الصراعات الداخلية اجد الغالبية من المصريين المتابعين للمشهد السياسى والحزبى حاليا يطاردهم الحنين الى افضل تجربتين حزبيتين لم اعشهما اواشهد ولادتهما. ولكن من خلال القراءة والتعاطى مع التاريخ السياسى المصرى والمتابعة الدءوبة والتأريخ الامين أجد التجربة الاولى منذ بداية القرن الماضى اوائل التسعينيات وحتى قبل قيام ثورة يوليو 52حيث كانت تجربة ناجحة مثمرة عميقة. كانت تمثل قمة النجاح الحزبى برغم ماكان فيها من مثالب لرجال وزعماء احزاب افذاذ وقامات سامقة ويكفى تجارب سعد زغلول ومصطفى النحاس ومصطفى كامل ومكرم عبيد وعدلى يكن وغيرهم العشرات من قمم العمل الحزبي. والتجربة الثانية إن لم تكن فى حجم التجربة الاولى ولكن توافر بها الحد الادنى من العمل الحزبى الناجح، كانت تجربة الرئيس السادات فى منتصف السبعينيات عندما اطلق المنابر وفتح الاجواء امام حياة حزبية معقولة ومقبولة بعد انغلاق كامل استمر لاكثر من عشرين عاما. ولكن فى المقابل ومع تمادى حالة التعثر الحزبى الحالى الذى اعطى فرصة فى مصر لم يجد بها زمن الحياة السياسية لاكثر من مائة عام. اعنى واتحدث عن المناخ السياسى بعد ثورة 25 يناير الذى اعطى المساحة والوجود والفرص لاكثر من مائة وخمسة أحزاب حاليا فى المشهد. يعن لى سؤال: هل يستقيم هذا الوضع الحزبى بمثل هذه الصورة وبذلك وبتلك الاداء المتراجع المنفلت؟ ناهيك عن مستقبل الغالبية من هذه الاحزاب التى لاتملك الارضية الجماهيرية والحضور السياسى الطاغى خاصة ان بعضها تحول الى جثة سياسية او »يافطة« وشقة صغيرة. وبالتالى ماهى البدائل والاجراءات العملية؟ فى تقديرى انه بالتجربة وبتلك الصورة الباهتة الضعيفة للحياة الحزبية لا اقول لكل الاحزاب لكن من اسف من الغالبية باتت الفرصة مواتية اليوم قبل الغد لاجراء عمليات مراجعات نقدية وحلول تقويمية لمعالجة هذا الوضع غير المقبول وغير المريح مع ماتشهده مصر حاليا من عمليات نهوض بارع تغطى كل مسارات الحياة فى مصر، حيث تاريخ الانجازات يتحدث عن نفسه بالصور بعيدا عن اى طنين دعائي. خاصة ان الدولة المصرية تستعد لميلاد وولادة الجمهورية الثانية الجديدة التى بكل تأكيد سيتبعها تغييرات قصوى وكبرى لكل مفاصل الحياة على ارض مصر. وبالتالى بات من الاهمية القصوى ان تجرى عمليات التجديد والمراجعات والاحلال والتبديل والاندماجات الكبرى لمعظم تلك الاحزاب بحيث لايتجاوز عددها سبعة اوعشرة احزاب على اكثر تقدير بحيث تكون كيانات حزبية كبرى تلعب الدور المنشود فى تحريك المياه الراكدة للحياة السياسية الحزبية وينتهى عصر الخلافات والصراعات العبثية هذا. وليكن شعار المرحلة الحزبية القادمة مع ولادة الجمهورية الثانية «الاستسلام ليس خيارا والفشل الحزبى ليس قدرا».
لمزيد من مقالات أشرف العشرى رابط دائم: