سبعة أشهر انقضت منذ إعلان الرئيس الأمريكى جو بايدن من مقر الخارجية الأمريكية فى واشنطن عودة بلاده إلى الساحة العالمية، مبشرا حلفاءه وخصومه بعهد جديد مختلف عن النهج الإقصائى المتعنت لسلفه دونالد ترامب ، لتنطلق بعدها الاحتفالات فى أوروبا على الفور ابتهاجا بعودة حليفتها الراسخة إلى أحضانها، فيما تحفظ خصوم أمريكا، ترقبا لما تسفر عنه الأيام المقبلة .
وها هى الأيام انقضت سريعا لتتكشف خيوط لعبة واشنطن مع جاراتها الأوروبيات، وتدرك الصين حقيقة أنها ستعانى 4 سنوات أخرى أسوأ مما شهدته فى عهد ترامب، فيما تترك الدول الأصغر كأفغانستان فريسة لمصير مجهول، وتصبح «عودة أمريكا» مصدر إحباط للجميع. فبالرغم من أن بايدن خص القارة العجوز بزياراته الخارجية الأولى، وشدد فى كل حدب وصوب على الشراكة التاريخية لبلاده عبر الأطلنطى، أظهرت أفعاله واقعا مغايرا تعمد تجاهل أوروبا فى كل القرارات الاستراتيجية لبلاده حيال الملفات الساخنة .
ولا أدل على ذلك من الملف الأفغانى الأكثر إلحاحا على الساحة العالمية الآن، فأوروبا علمت بقرار الانسحاب الأمريكى قبل ساعات من إعلانه رسميا، بالرغم من أن غالبية القوات الدولية المقاتلة هناك أوروبية فى المقام الأول. كذلك، باءت كل جهود أوروبا لإقناع واشنطن بتمديد مهلة الانسحاب لتأمين خروج رعاياها بالكامل، بالفشل. وأصر بايدن على المضى قدما فى خطته المعلنة سلفا، نافضا يديه من الكارثة الإنسانية المترتبة على انسحابه المفاجئ .
وذلك فى الوقت الذى امتنع فيه بايدن عن رفع حظر السفر المفروض على أوروبا للأراضى الأمريكية، على عكس ترامب الذى كان يخطط لرفع الحظر فى يناير الماضى، حتى الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع الأوروبية ، لم يبد بايدن اهتماما برفعها ، وانطلقت بالكاد محادثات بشأنها منتصف مايو الماضى .
وبعيدا عن التكتل الأوروبى وخيبة أمله فى أمريكا – بايدن ، تعد الصورة أكثر قتامة بالنسبة للمهتمين بالشأن الصينى . فالحرب التجارية المدمرة التى عمد إليها ترامب لإصلاح عجز الميزان التجارى بين البلدين لصالح واشنطن، لم يتخل عنها بايدن، بل أبقى على الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع الصينية كما هى ، وأضاف لها قيودا جديدة على التصدير، كما أطلق برنامج « اشتر الأمريكى».
وحول ملف كورونا الشائك ، لم يكن تعاطى بايدن معه أكثر «تحضرا» من ترامب ، فبينما عمد الأخير إلى استخدام توصيف «الفيروس الصينى» فى كل سياق تقريبا ، أيد بايدن تحقيقا رسميا حول فرضية «تسرب الفيروس من المختبر الصينى بووهان». فعهد الصين الجديد مع إدارة بايدن لخصه كبير مستشاريه بآسيا فى عبارة واحدة ، عندما قال « عصر المشاركة انتهى».
روسيا الوحيدة التى ربما شهدت تغيرا بعض الشىء فى عهد الإدارة الأمريكية الراهنة ، فبينما رفض ترامب تمديد معاهدة «ستارت» للحد من انتشار الأسلحة النووية ، سارع بايدن بتمديده. كما تراجع الرئيس الأمريكى عن العقوبات المفروضة على روسيا حول خط « نورد ستريم 2» ، وسمح بتبادل سفراء البلدين مرة أخرى. ويعلل الخبراء تصرفات بايدن حيال موسكو وأوروبا على أنه بهدف شحذ الجهود وتركيزها على مواجهة هدف واحد، هو النفوذ الصينى المتصاعد، الذى يعد جوهر سياسة واشنطن الخارجية الآن، وحربها المقبلة بعد الحرب الباردة والحرب على الإرهاب . لذا فهو يسعى لتحييد روسيا من جهة، بينما يضمن ولاء أوروبا من جهة أخرى، على اعتبار أن قيمها تمنعها من ترجيح كفة الصين فى أى صراع. فهل تنجح رهانات بايدن ؟
رابط دائم: