أنا مهندسة عمرى واحد وأربعون عاما، تزوجت فور تخرجى شابا شديد الوسامة، جذبنى بمظهره، ثم فوجئت بأنه غير طموح، وتافه التفكير، وكان يعايرنى دائما بأنه الأجمل والأحسن من ناحية الشكل، برغم أننى كنت ومازلت فى كامل أناقتى وجمالى الذى يشهد به الجميع، وتحملت معه كل ألوان العذاب والبخل المادى والمعنوى لأنه اختيارى، وأصدقك القول أنه كان اختيارا عشوائيا، إذ تزوجته بلا مشاعر، وانسقت إليه دون أن أدرى، وبغير أن أضع النقاط على الحروف معه فيما يخص حياتنا، فوجدتنى أتحمل مسئولية البيت كاملة، ولم يشاركنى أى أعباء، واعتمدت على دخلى من عملى كمهندسة فى إحدى الشركات، ومرت الأيام وأنجبت بنتا، وصرت «الأب والأم» لها، أما هو فقد استمر على حاله العجيبة، ولما عجزت عن المعيشة معه، انفصلت عنه، وكان عمرى وقتها خمسة وثلاثين عاما، وارتاح قلبى، وعشنا «أنا وابنتى» حياة هادئة جدا بعيدا عن أى توتر، والغريب أنه لم يطلب رؤية ابنته أبدا، وليس بينها وبينه أى تعامل أو مشاعر، وكثيرا ما أسأل نفسى: هل هناك آباء يصنعون صنيعه مع أبنائهم؟، إذ لا أتصور أن أحدا يمكن أن يستغنى عن «ضناه»، ولا يطمئن عليه، ويتابع أحواله، لكنى وجدت أن والد ابنتى من هذا النوع العجيب!
ومرت سنوات على هذا الوضع، ثم تقدم لى مهندس من زملائى بالشركة التى أعمل بها، فدق له قلبى جدا، وشعرت أنى سأتزوج لأول مرة، فلم تكن تجربتى السابقة زواجا بالمعنى المعروف من السكن والمودة والرحمة، وفرحت به، وتطلعت إلى أن أحيا معه ما لم أعشه من قبل، ولم أتوقف عند أنه متزوج، ولديه أربعة أبناء، وأكبرت فيه أنه لم يذكر زوجته بسوء أبدا، واكتفى بقوله إنه يريد زوجة ثانية، وعندما سألت عنه، سمعت أطيب الكلام، وأنه هو الشخص الذى يؤتمن على ابنتى، فلم أمانع فى الارتباط به، وقدم لى شبكة بعشرين ألف جنيه، وعقدنا القران، وظللت فى بيتى، واتفقنا على أن يجهز شقة الزوجية خلال شهرين، ولكن مرت أربعة شهور دون أن يفى بوعده، إذ ادّعى أنه يعانى أزمة مالية، ولن يستطيع تجهيز الشقة خلال فترة قريبة، فجًّهزتها على حسابى، ولم أتكلم معه فى أى ماديات، ودخلها عريسا «على المفتاح»، ووعدنى أنه عندما تتحسن ظروفه سيعوضنى عما دفعته من تكاليف، وعاملنى بشكل طيب فى البداية، وبعد عدة شهور، أصبح جافا جدا فى المعاملة، وبدأ فى الغياب عنى بالشهر دون أى اتصال، وعندما أبادر بالاتصال به، أجد ردودا غريبة من باب «سد خانة»، ولا يريد العتاب، وإذا تكرّم وجاءنى، فإنه يريدنى فى أبهى صورة، وإذا عاتبته أو تحدثت معه فى جفائه الذى لم أتصوره حينما ارتبطت به، يتهمنى بأننى امرأة عاشقة للنكد، ومرت سنة على هذا الوضع، وحيث إننى أسكن فى محافظة غير محافظته التى يقيم فيها مشروعات خاصة له، فقد اقترح علىّ الانتقال إليها، وبالفعل تركت أهلى وناسى، وذهبت معه إلى بلده، والأمل يحدونى فى أن يكون معى باستمرار، فإذا به يزداد جفاء وبعدا عنى، وصبرت خشية الفشل للمرة الثانية، وتحاشيا لشماتة الآخرين، وهوّن علىّ الأمر وجود ابنتى التى أصبحت عروسا، ولم أكن أفكر فى المستقبل كثيرا، حتى تمت خطبتها، ودق ناقوس الخطر حياتى، ووجدتنى أسأل نفسى: ماذا سأفعل بعد أن تتزوج ابنتى وتتركنى وحيدة؟..
إن زوجى لم يعد له وجود يذكر فى حياتى، ولا أخفيك أن الجفاء لا يورث إلا جفاء، فقلبى لم يعد ينبض له مثل سابق عهدنا، وأعيش دوامة التفكير فى الانفصال عنه، والعودة إلى محافظتى، خصوصا أنه تركنى سنة كاملة بحجة أن ابنته فى الثانوية العامة، إذ لم يبت عندى يوما واحدا خلالها، ثم أبلغنى أنه سينتقل إلى مكان آخر لمدة شهرين بحجة أن لديه مشروعا هناك!
إنه يفعل ذلك معى، وفى المقابل لا يترك بيته الأول إطلاقا، وكأنى تزوجته لإصلاح علاقته بزوجته الأولى، وهو دائم افتعال المشكلات معى، ولا مانع من أن يتوهم شيئا أو يفتعله لكى تنشب مشكلة بيننا، وقد شاركته فى مشروع بمبلغ كبير مناصفة، لكنه لم يكتب نصيبى فيه بأوراق رسمية، بدعوى أنه يخشى تهورى، كما اختفت قائمة «المنقولات» الخاصة بى، وكل ممارساته تجعلنى أعيش حياة تعيسة بكل المقاييس.. أعلم أننى أخطأت عندما تزوجت رجلا له أسرة وكيان، وإنى أسألك: هل أنفصل عنه، وأعود إلى محافظتى التى ستتزوج ابنتى فيها؟، إن القلق يقتلنى، وأشعر أننى فى مهب الريح، وأن القادم أسوأ، فهل تؤيدنى فى طلب الطلاق؟، أم أن لك رأيا آخر؟.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأولِ
كم منزل فى الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدا لأول منزل
يبدو أن «أبوتمام» عندما قال هذه الأبيات كان يعى أن الرجل مهما تعددت زيجاته، فإنه يفضل الرجوع لزوجته الأولى التى لم تقصر فى حقه، ولم تنشب بينهما مشكلات يصعب حلها، مما يشعره بالحنين إليها، فهى من شهدت لحظاته الأولى فى حزنه وفرحه ونجاحه وفشله وكانت الشخص الوحيد الذى يحلم معه وكثيرا ما ساندته فى تحقيق خطواته فى الحياة، كما يكتشف أن بينهما أشياء مشتركة كثيرة، وأن بها صفات يحبها، إذ تتفهم حاجاته وتعرف طباعه، وكانت خير معين له فى أزماته، ويعى أنها «حب حياته» وأنه غير قادر على الاستغناء عنها، فهى تمثل مشوار العمر له، وأنه هو الذى غدر بها دون أن تقترف إثما فى حقه، وهكذا تظل ملاذه الأخير مهما جدد فى زيجاته، فالحب يبقى لها، ويكفيه أنها تستمسك به، وترفض الانفصال عنه، وهذا هو الحب الحقيقى.
لقد أدرك ذلك زوجك الثانى الذى انجرفت إليه دون وعى بحقيقته، فهو منذ البداية رسم خطته للزواج منك، دون أن يكلف نفسه شيئا سوى شبكة بمبلغ بسيط، وتوليت كل أعباء الزواج، وشاركتيه فى مشروع بمبلغ كبير، ولم يكتب لك حقك، وأخفى قائمة المنقولات التى اشتريتها فى الأساس، وهذا يعنى أنه رتب كل شىء بدقة بالغة، لكى يخرج من هذه الزيجة بمكاسب كبيرة، وليس عدم الخسارة فقط.
وعلى جانب آخر فإنك ارتبطت بزوجك الأول من باب «الوسامة»، دون مشاعر حقيقية نحوه، فكانت النتيجة هى الانفصال، وتزوجت الثانى بمشاعر من طرفك فقط، والنتيجة المؤكدة إن عاجلا أو آجلا هى الطلاق، فآفة الكثيرين أنهم لا يدرسون أفعالهم، ولا خطواتهم فى الحياة، ويتخذون قرارات متعجلة سرعان ما يندمون عليها، فعندما عرض عليك الارتباط، وهو متزوج ولديه أربعة أبناء، ألم تسألى نفسك: هل يستطيع الرجل أن يحب امرأتين فى نفس الوقت وبنفس الدرجة؟، فأنت الوحيدة القادرة على الإجابة عن هذا السؤال من واقع علاقتكما معا، إذ لا يمكننى أن أحدد إجابة بنعم أو لا، وأنصح كل من يمر بهذه التجربة أن يحاول فهم ما بداخله ويتعرف على مشاعره بدقة، وأن يدرس احتمالات الفشل والنجاح ليكون على بينة من أمره.
إن المفهوم الصحيح للزواج يقوم على أساس الشراكة والحب والاحترام، وفهم طبيعة هذه العلاقة السامية فهما صحيحا؛ فالزواج يجب ألا يكون مجرد «إطار جميل»، بينما ينخر فيه السوس من الداخل، فكم كنت موهومة عندما ظننت أن زوجك الثانى سيجعلك تعيشين فى حب وغرام، من كلامه المعسول، حيث إنك فوجئت بواقع مؤلم، وشديد القسوة، فنادرا ما ينجح الزواج من رجل متزوج، لأن الزوجة الثانية تقبل بنصف زوج، وتعانى الأمرين من وجودها فى المرتبة الثانية، وتفقد الشعور بالأمان والاحتواء مع زوجها الذى يذهب كل ليلة إلى أحضان زوجته الأولى، بينما هى تحتاج إلى عطفه وحنانه مثل أى امرأة أخرى، وفى عدم شعورها بذلك تصبح حياتها ضائعة مشتتة لا طعم لها.
والرجل الذى يتزوج على الأولى، لن يتردد فى فعل ذلك مرة أخرى، خاصة إذا كان لم يخبرها بزواجه من الثانية، ولذلك على من تقبل الارتباط برجل متزوج أن تدرك أنها فى الغالب سوف تواجه الأمر نفسه، وهو ما أحس أن زوجك سيفعله، إن لم يكن قد تزوج بالفعل دون أن تدرى، فما يأتى سهلا، يمكن التخلى عنه بالسهولة نفسها، وقد ارتبطت به بتنازلات كثيرة، وربما يكون قد فعلها مع واحدة أو أكثر ممن يسعين إلى مجرد الزواج دون دراسة كافية، ومن الغريب أنك لم تذكرى لنا موقف أهلك؟، ولا زوجته الأولى وأبنائه، وهل هم على علم بزواجك منه، أم أن زواجكما كان سرا؟!
إن الأمور واضحة أمامك تماما، وعليك أن تحسمى أمرك معه، بأخذ حقوقك كاملة سواء فى المشروع المشترك بينكما، وقائمة المنقولات، ومصاريف الأسرة، وطبيعة مستقبل العلاقة الزوجية، فإذا حاول التنصل أو التسويف، فلا بديل عن أخذ حقوقك بالقانون، واللجوء إلى العقلاء من أهله وأهلك، ثم انفصلى عنه، وابدئى صفحة جديدة من حياتك، فهذا أفضل كثيرا من زيجة فاشلة ومعاناة لا نهاية لها، والله المستعان.
رابط دائم: