رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أفغانستان عادت أم ضاعت؟!

عادت افغانستان فجأة لتتصدر المشهد السياسى والاعلامى العالمى، باعلان الولايات المتحدة الامريكية انسحابها من اراضيها، وتزامن الاعلان مع عودة قوية لحركة طالبان على المسرح السياسى والعسكرى، ووسط دهشة البعض وحيرة البعض الآخر، تزاحمت الصور التى استدعتها ذاكرة من عاشوا احداث افغانستان خلال نصف القرن الاخير، وتعددت الاسئلة عما كان وما سيكون، هل عادت افغانستان أم انها ضاعت؟ هل انتهت الحروب على مسرحها ام انها بداية لحرب جديدة لايعرف أحد متى ستندلع ولا متى ستتوقف؟ وهل هناك مخطط امريكى جديد لمنطقة سالت فى وديانها الدماء انهارا، وهل كتب على شعب افغانستان المغلوب على أمره أن يبقى فى كدر طوال حياته لايعرف استقرارا ولا أمنا ولايملك الحق فى التطلع الى مستقبل افضل له ولبلده، مثل كل شعوب الارض.

لكى نتعرف على الماساة الافغانية علينا أن نستعيد شريط الاحداث من بدايته، فالدولة الاسيوية التى باتت مسرحا لصراع القوى العظمى فى العالم، لم تمنحها الطبيعة موقعا متميزا على شواطى محيط او بحر، وانما منحتها جبالا وعرة تمثل ثلثى مساحتها التى تزيد على نصف المليون كيلو متر مربع، ويبدو ان شعبها تأثر بالطبيعة الجبلية القاسية التى منحتهم القوة والبأس والقدرة على التحمل، وبما انها لاتطل على بحار او محيطات، فباتت دولة حبيسة تحدها دول من كل الجهات، بلغ عددها ست دول، ثلاث فى الشمال هى طاجيكستان واوزبكستان وتركمانستان ، وواحدة من الجنوب هى باكستان الاكثر تفاعلا مع قضايا وشعب افغانستان ، ومن الشرق الصين والغرب ايران، ونظرة واحدة لاسماء الدول المحيطة بافغانستان خصوصا من الجنوب والغرب سيتعرف معها المتابع لماذا استمرت الحرب طيلة هذه السنوات، وكانت البداية فى عام 1967 عندما احتدم الصراع على الحكم وانقسم الحزب الشعبى الديمقراطى الافغانى على نفسه إلى فريقين احدهما يقوده نور محمد تراقى السكرتير العام للحزب ومعه حفيظ الله أمين, وفريق اخر يقوده بابراك كارمل وتولى محمد داود خان السلطة فى عام 1973 بانقلاب عسكرى، واستوحش فى استغلال السلطة، وفى عام 1978 عاد الحزب لتوحيد صفوفه ليتمكن من مواجهة داود ونجح بالفعل فى التخلص منه واعدامه وتولى نور محمد تراقى الحكم ممثلا فى رئاسة المجلس الثورى ومجلس الوزراء وتبنى المشروع الماركسى لاصلاح الاقتصاد وكان مؤيدا من الاتحاد السوفيتى، ووقع معها اتفاقيات تعاون اقتصادى وعسكرى حتى ان 400 خبير عسكرى روسى كانوا موجودين فى كابول، وبعد عدة أشهر عادت الانقسامات الى إدارة الحكم وقام حفيظ الله أمين بقتل رئيس الوزراء والاستيلاء على الحكم فى سبتمير 1979.

ومن هنا كان مبرر دخول القوات السوفيتية الى كابول لتبدأ حرب السنوات العشر، وتظهر قوات المجاهدين التى نالت تعاطف العالم بفعل انها تدافع عن استقلال بلدها، ولدخول الولايات المتحدة على خط الأزمة زاعمة دعمها للشعب الافغانى ضد الاحتلال السوفيتى فى جولة من جولات الصراع البارد بين بريجنيف وكارتر، وبسبب الغزو السوفيتى قاطعت دول عربية واسلامية عديدة دورة الالعاب الاوليمبية التى استضافتها موسكو عام 1980، وتصدرت القضية الافغانية عنوان الاخبار فى كل وسائل الاعلام العالمية، وعرف المواطن العربى البسيط اسماء قادة المجاهدين ربانى وحكمتيار وشاه مسعود وغيرهم، وتبارت المنابر فى الدعاء لهم بالنصر، وقامت الجمعيات الاهلية والحكومات بجمع التبرعات، وبعد عشر سنوات اضطر السوفيت الى الانسحاب من افغانستان، وفشلت كل اتفاقيات الفرقاء فى اخراج البلاد من الأزمة، اذ لم يتفقوا طيلة حقبة التسعينيات، لتبدأ جولة جديدة من الصراع الداخلى بحرب اهلية قضت على الاخضر واليابس ولم يجف فيها بحر الدماء، وتحولت افغانستان الى معقل للارهاب الدولى بعد أن احتضنت المتشددين من كل بقاع الارض، وانطلقت منها الجماعات المتطرفة مثل القاعدة وغيرها وتوطت اركان حركة طالبان، ثم شهد عام 2001 دخول امريكا لاحتلال افغانستان بزعم محاربة الارهاب بعد حادث برجى التجارة، وهاهى تغادرها بعد عشرين عاما، لتتركها فريسة للفقر والجهل والارهاب والمصير المجهول.

وربما كان مشهد الطائرة العسكرية الامريكية التى تعلق بها بعض الافغان قبل ان يسقطوا من الجو، هو المشهد الاقرب للمستقبل الذى ينتظر البلاد التى وقعت فى قبضة طالبان، ومن عجب ان الغرب كله بدأ الآن يتحدث عن ضرورة الاعتراف بطالبان لانها المنتصرة فى الحرب، وتناسوا ان الخاسر الاكبر هو افغانستان البشر والكيان.


لمزيد من مقالات أشرف محمود

رابط دائم: