رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«دفاتر الوراق».. الرواية الفائزة ببوكر العرب

ضميرى يطاردنى. فهو الذى يتعقبنى، ويقبض عليَّ، ويحاكمنى، ومتى سقط الإنسان فى قبضة ضميره فلا مفر له.. بهذه الكلمات للكاتب والشاعر الفرنسى فيكتور هوجو, يستهل الروائى الأردنى جلال برجس الفصل الأول من روايته دفاتر الوراق التى حازت مؤخراً جائزة بوكر العربية لهذا العام. وهى كلمات تلخص إلى حد كبير موضوع الرواية ومزاجها وتطور أحداثها نحو فاجعة حتمية، بموجب مقتضيات الشخصية وإطارها الاجتماعى والتاريخي.

فالرواية حكاية وراق، أى بائع للكتب، فى عمّان، وفى زمننا هذا، حيث قمة الانفتاح على العالم، وفى الوقت نفسه وحشة الاغتراب فى مدينة كبيرة، وفى الجيب قروش. والمهنة بائع للكتب يملك كشكاً متواضعاً وسط المدينة. ولأنها مهنة ورقية فى عالم رقمى باطراد، وفى ظل فساد ينتصر لمن يملك المال والعلاقات، يزال كشك الكتب المتواضع ليحل محله آخر يبيع الموبايلات وغير ذلك من منتجات هذا الزمان. وإزاء هذا الانسحاق, لأسرة فقيرة كانت قد نزحت من الريف هرباً من ماض سياسى تورط فيه الأب، فأراد أن ينجو بأسرته ويتوه بأبنائه فيذوبوا فى زحام المدينة؛ إزاء ضياع الكشك ينهى والد بطل الرواية حياته، وتتوالى الكوارث فيضيع البيت أيضاً، لأن الابن- الذى صار وحيداً تماماً، بعد موت أبيه، الذى سبقه موت الأم وفرار أخيه من بؤرة التعاسة إلى حيث لا يعلم- يجد نفسه ذلك الوحيد الخائف وجهاً لوجه أمام مالك العقار الذى يطرده بالقوة، ليصبح من سكان العراء المدينى فى ذروة الشتاء، وفى جيبه مال يتناقص باطراد. لكن الكارثة الكبرى بين كل هذا كانت ذلك الصوت الذى طلع له بعد أن وجد أباه مشنوقاً فى المطبخ، فانتفخ به بطنه كأنه جنين مستبد عملاق، أو جِنٌ ركِبه. وإذا بهذا الصوت يأمره بتدمير كل ما حوله انتقاماً لحياته البائسة وتعاسة أبيه وأسرته من قبله، وأن يطرح عنه رداء الخوف الذى فصّله على مقاسه أبوه الذى بدأ فارساً وانتهى شبحاً خائفا مرتعداً يُرضع أبناءه حليب المذلة، فهَجَّ أكبرهماً احتجاجاً، وتبقى فى معيته الابن الأصغر بطل الرواية وقد شرب كل تعاليمه المرتعشة، ثم وجد نفسه وحيداً بعد ضياع كل شيء وليس معه إلا ما تعلمه من الكتب من نبل ومبادئ راقية، فى مواجهة ذلك الوحش الذى نبع من جوفه والذى يطلب منه بإصرار أن يضع العدل فوق الرحمة، والثأر فوق القانون، وقانون الغابة فوق كلام الفلاسفة والشعراء, الذين عاش بطل الرواية على كتبهم. وإزاء هذا الجنى الذى استفرد به فى البيت وقد ذهب الأحباب، يقرر إبراهيم، وهو اسم صاحب الحكاية، أن يفر من عمان إلى ميناء العقبة ليطفئ فى بحرها نار ذلك الشيطان, الذى يملك حجج الضمير دون رحمته، فيتخلص من بؤسه وحياته كلها غريقاً فى الماء الرحيم. لكنه هناك يجد الحب: امرأة رآها على الشاطئ، عند الجسر الذى اعتزم الوثوب منه إلى رحم الخلاص وقبره المائي. كانت جميلة، وحزينة، مكثت معه قليلاً، ثم غادرته، وحين توجَّه بعد ذهابها لرأس الجسر حيث سيقفز، وجدها تركت خلفها دفتراً مطوية فى قلبه رسالة انتحار عدلت عنه، فأسره جمالها والحكاية التى يحويها ذلك الدفتر، فعدل هو الآخر عن فكرة الموت، واستبد به حب سلبه لبه، وصار هدفه الوحيد أن يبحث عن هذه الفتاة. هكذا أنجته من الموت؛ لكنها أعادته إلى براثن الوحش الذى يسكنه, وظل يقاومه بكل ما أوتى من مبادئ, ومن خوف أيضاً. لكنه بعد أن طرده مالك العقار وصار متشرداً فى الشوارع, فى ذروة برد عمّان ، صار لكلام الجنيّ وقع مختلف.. وهو ما سنراه معاً بإذن الله فى المقالة القادمة.


لمزيد من مقالات بهاء جاهين

رابط دائم: