رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أفغانستان؟؟

متى تنتهي مأساة أفغانستان التي تعيش حروبا متواصلة منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، واحتضنت جبالها الوعرة أعتى الجماعات الإرهابية، لتعاني منها بلدان المنطقة والعالم. الكل يتوجه بعيونه وآذانه صوب ما يحدث في أفغانستان وتداعيات الانسحاب الأمريكي بعد 20 عاما من الاضطرابات والغارات والاشتباكات التي خضبت بدمائها كل الأطراف، وخلفت عشرات الآلاف من القتلى، وكلفت الولايات المتحدة وحدها 2440 قتيلا، وحوالي 20 ألف مصاب، بخلاف ضحايا دول التحالف، وعلى الجانب الأفغاني أكثر من 50 ألف مسلح وأعداد أكبر من المدنيين.

وجاء الانسحاب الأمريكي ليثير موجات من الأسئلة والمخاوف والاحتمالات، تبدأ من أن جولة جديدة من العنف سوف تندلع، وتصبح أفغانستان حاضنة وملاذا متجددا لأجيال من التنظيمات الإرهابية، وتصل إلى أن أفغانستان التي كانت مركز التفريخ الرئيسي للجماعات الإرهابية يمكن أن تكتب نهاية سعيدة للعالم بنبذ الإرهاب، وأن تصبح دولة آمنة، اكتوى شعبها بنيران وحروق عميقة، لهذا فإنه استوعب الدرس، وأخذ العبرة من الآلام والضحايا والفقر، ولديه الرغبة في التمتع بحياة كريمة.

الإشارات كانت ومازالت متضاربة، منها ما يبعث على القلق والخوف ومنها ما يبعث على الأمل والتفاؤل، وجاءت صور احتشاد آلاف الأفغان في مطار كابول للتعلق بأذيال وأجنحة الطائرات الأمريكية لتحملهم معها خوفا من انتقام طالبان مؤلمة، فالمدن الأفغانية انهارت بسهولة أمام مقاتلي طالبان دون مقاومة تذكر من جيش كبير يزيد عدده على 300 ألف مقاتل، تلقوا تدريبات طويلة على أحدث الأسلحة الأمريكية، لكنهم لم يرفعوا الأسلحة أمام مقاتلي طالبان، مما أثار الدهشة والخوف، وهربت الحكومة الأفغانية قبل رحيل القوات الأمريكية، حتى لا تقع في أيدي قوات طالبان المعروفة بشراستها، واستمر تدفق الحشود على المطار، الذي أصبح الوحيد الذي يربط العاصمة الأفغانية بالعالم، وأغلقت المحال والبيوت أبوابها، ورفعت راية طالبان كدليل على الاعتراف بالواقع الجديد، وطلبا للأمان حتى لا تتعرض للنهب والتخريب، والقوات الأمريكية وباقي دول حلف الناتو تتوجه بسرعة نحو المطار، والسفارات تغلق أبوابها، وتنقل طواقمها إلى المطار أيضا، وتحتبس الأنفاس خشية مذابح أو معارك مروعة.

بعد الانهيار السريع للمدن الأفغانية والعاصمة، جاءت قوات من القواعد الأمريكية إلى مطار كابول لتأمين عمليات النزوح السريعة والمرتبكة، لكن الجهود السياسية، والتحرك الدولي الواسع تمكن من احتواء هذا التوتر إلى حد كبير، ومنع حدوث أي اشتباكات أو معارك أو عمليات ثأر وانتقام أو اضطرابات داخلية، رغم أن الكثير من التوقعات كانت ترجح حدوث حرب أهلية جديدة، والجدير بالاهتمام أن تلك الجهود الدبلوماسية شملت الفرقاء والخصوم سواء في الداخل الأفغاني، بين الحكومة وطالبان، كما الدول الإقليمية المعنية بالأمر، وكذلك الدول الكبرى ذات المصالح المتعارضة، لكن جميع الأطراف اتفقت على شيء واحد وهو عودة الهدوء إلى أفغانستان، وألا تصبح ملاذا للجماعات الإرهابية، وقاعدة انطلاق لهجمات على دول أخرى.

وهذا التحرك السياسي الدولي كان علامة مضيئة، فمشكلة أفغانستان الرئيسية أنها كانت ساحة لصراعات إقليمية ودولية، وأن دولا استعانت بالجماعات الإرهابية وسعت إلى توظيفها خدمة لمصالحها، وكان هذا السلوك خطيرا على المجتمع الدولي كله، فالإرهاب يمكن أن يكون مرة لك ومرات عليك، وآثاره وامتداداته لا يمكن معرفة إلى أي مدى تذهب وأين تصيب، ومن استعانوا أو دعموا الإرهاب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة اكتووا أيضا بنيرانه..

لقد بدأ الإرهاب في أفغانستان مع تولي الشيوعيين الحكم عام 1978، وبدأت بعض القبائل في مواجهة تلك الحكومة المدعومة من الاتحاد السوفييتي، ووجدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الفرصة مواتية لجر السوفييت إلى الوحل الأفغاني وجباله الأشد وعورة، ودعمت الجماعات المتطرفة، التي تمكنت من إجبار السوفييت على الانسحاب، لتصبح أفغانستان حاضنة ومفرخة هائلة للجماعات الإرهابية، وتعلم فيها الآلاف كل صنوف العنف، ونمت فيها أكثر الأفكار دموية وتشددا، لكن الخطر لم يتوقف بعد هزيمة السوفييت، وواصلت تلك الجماعات نموها وتمددها إلى بلدان أخرى، حتى أصابت الجميع بما فيهم أوروبا والولايات المتحدة ودول آسيا الوسطى، وبالطبع كان لمنطقتنا الحصة الكبيرة من هذا الخطر الدموي، ومثلما سقط السوفييت في الوحل الأفغاني في أواخر السبعينيات سقطت الولايات المتحدة فيه بعد أحداث 11 سبتمبر التي كانت ذروة الإرهاب، واقتحمت أهم معالم ورموز الولايات المتحدة، من برجي التجارة حتى البنتاجون، فهاجمت الولايات المتحدة أفغانستان لاجتثاث تنظيم القاعدة وجماعة طالبان التي تحميه وتحتضنه، فكان وقوع الولايات المتحدة في فخ الوحل الأفغاني، ليتبين للجميع أن الإرهاب يصيب الجميع مثل الأوبئة الخطيرة التي لا تعرف حدودا ولا جنسيات أو أعراق.

لقد اطلعت على آراء كثيرة ومتنوعة في الصحف الدولية حول الدوافع الأمريكية للانسحاب والتوقعات لما بعده، وأثار انتباهي بعض التكهنات أن يكون الانسحاب الأمريكي يستهدف ترك أفغانستان لتكون مرتعا من جديد للجماعات الإرهابية، لتصبح شوكة في غرب الصين وجنوب روسيا وشرق إيران، أي أن اللعب بنار الإرهاب بين الدول المتنافسة قابل للتجدد والتمدد، لكني تابعت المواقف الأمريكية التي كانت تضغط على طالبان بنبذها دوليا وفرض عقوبات عليها إذا حاولت أن تكون أفغانستان ملاذا للإرهاب، وهو الموقف الذي أيدته كل دول حلف الناتو، لأجد أن هناك إجماعا دوليا نادرا حول الموقف من أفغانستان وجماعة طالبان، وأن الصين وروسيا مثل الولايات المتحدة وأوروبا على اتفاق بألا تتكرر الخطيئة الكبرى باللعب بنار الإرهاب والرهان عليه كسلاح سياسي وعسكري؛ لأنه خطير على كل المجتمعات والدول والشعوب، فقد مزق الشعب الأفغاني وكان أول ضحاياه، وعانى من الفقر والدمار والتشرد والنزوح والقتال بين الفصائل، وعانت دول الجوار الأفغاني وكل الفرقاء الدوليين، وعند توفر مثل هذه الإرادة الدولية لمكافحة الإرهاب، وأن ينبذه الجميع، فإنه سوف يتلاشى بسرعة، ويبرأ منه العالم كله.

وهذا هو الأمل الذي يلوح في الأفق، ومنها يمكن أن تغير حركة طالبان توجهاتها وتنبذ الأفكار المتطرفة، وتتوقف عن الأعمال العنيفة، وأن تراعي حقوق النساء وتؤمن بالمشاركة وعدم التفرقة بين المعتقدات والأعراق والأديان والمذاهب، وإذا صدقت طالبان في نبذ الإرهاب والتخلي عن هذه الأفكار مع استمرار التوحد الدولي في مواجهة الإرهاب فسنجد أن العالم حقق مكسبا إنسانيا جبارا وغير مسبوق بالقضاء على الإرهاب.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثابت

رابط دائم: