رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

إشكاليات «التصريح الطبى» وفرص الخروج من الوباء

بعد المجر والنمسا والدنمارك، اعتمدت فرنسا وإيطاليا ودول أخرى، قبل أيام، التصريح الصحى الذى يحصر ارتياد بعض الأماكن العامة بالأشخاص الملقحين تلقيحا كاملا أو الذين يحملون فحصا لكورونا المستجد نتيجته سلبية أو شهادة التعافى من كوفيد – 19.

من خلال هذا الإجراء المثير للجدل، تحاول أوروبا، والعديد من الدول حول العالم، الحد من تفشى الوباء خاصة مع انتشار المتحور دلتا سريع العدوي. وعليه يتعين على مواطنى هذه الدول إبراز وثيقة التطعيم فى الأماكن العامة، من مقاه ومطاعم ودور السينما والمسارح إلى قطارات المسافات الطويلة والرحلات الجوية الداخلية وحتى المستشفيات.

على الرغم من أهمية هذا الإجراء فى تشجيع المواطنين على أخذ اللقاح والانضباط للتدابير الصحية الاستثنائية، فإن التطبيق سيكون صعبا ومعقدا. من ناحية، كيف فى دول، احد مبادئها الاساسية المساواة وحقوق الانسان، سيمنع مواطنون دون غيرهم من الدخول للمطاعم والمقاهى ودور الثقافة لمجرد انهم لم يحصلوا على جرعة لقاح؟ وكيف سيتم السيطرة على الناس فى شرفات المطاعم والمقاهى، خاصة ان الامر يتعلق بفضاءات مفتوحة يلجها الزبائن قبل دخول المطعم ويجلسون على الطاولات فى الخارج؟ وكيف سيتم اخبار الزبون الذى ليس لديه تصريح صحى أن عليه المغادرة؟ وكيف سينعكس هذا الإجراء الاقصائى اقتصاديا على أصحاب المطاعم وغيرها؟

فى حين ان التصريح الصحى من شأنه أن يخفف القيود الصحية وسرعة العودة إلى الحياة العادية، إلا أنه يطرح فى أوروبا، وربما بعدها فى دول أخرى عديدة، جدلا قانونيا وحقوقيا واخلاقيا خطيرا. عندما بدأت حملات التطعيم فى أوروبا مطلع العام الحالى، كان الحديث عن مبدأ الموافقة الحرة والمستنيرة للمواطن لأخذ اللقاح. لكن ستة اشهر بعد ذلك، يبدو ان أوروبا وغيرها يتجهون تدريجيا نحو اجبارية اللقاح، بدءا بالموظفين فى المؤسسات الصحية، ثم بعد ذلك تعميم بطاقة الصحة وفرضها كشرط لولوج بعض الأماكن او الحصول على بعض الخدمات. وهذا الإجراء لا يقيد فقط المواطنين فى اختياراتهم وحريتهم الشخصيةفى أخذ اللقاح من عدمه، ولكن أيضا من خلال مطالبتهم بإظهار هويتهم وحالتهم الصحية فى كل مكان يرغبون فى ارتياده.

إشكال آخر يطرحه التصريح الطبى يتعلق بالقاصرين من 12 عاما الى 18. فهذه الفئة العمرية التى باتت مطالبة أيضا بأخذ اللقاح، لا تستطيع اتخاذ قرار مستقل بشأن اخذ اللقاح من عدمه، بل تحتاج فى كل الحالات الى موافقة إلزامية للوالدين. هذا يعنى ان القاصرين الذين يرفض آباؤهم التطعيم هم مهددون بالاستبعاد من الحياة الثقافية والعامة لعدم توافر بطاقة التطعيم معهم. صحيح لم تفرض أوروبا بعد التطعيم الإجبارى لولوج المدارس، لكن قد لا يتمكن بعض التلاميذ غير الملقحين من المشاركة فى بعض الأنشطة والرحلات التى تعد جزءا لا يتجزأ من التعليم فى أوروبا، بالإضافة الى عدم تمكنهم من ولوج المتاحف ودور السينما والمكتبات وممارسة الأنشطة الرياضية، مما يكرس مبدأ عدم المساواة القائم على الصحة.

يبدو ان أوروبا، والعالم أجمع، فى ورطة حقيقية تحتاج لنقاش داخلى وعالمى حول الوباء وكيفية الخروج منه. ولأننا امام فيروس شرس وشديد التحول فإنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، احتواؤه دون تحقيق مناعة جماعية وطنية وعالمية.

وإذا كانت اللقاحات الموجودة والمعتمدة حاليا هى محل إجماع علمى باعتبارها الحل الوحيد المتوافر الآن لمواجهة هذا الوباء، فانه من الواجب الوطنى والأخلاقى ان يقبل المواطنون، من ناحية، على أخذ الجرعات المطلوبة، بعيدا عن نظرية المؤامرة او تبنى فكر المعارضة ورفض اللقاح، فى امر يتجاوز الحرية الشخصية ليشمل الصحة العامة. ومن ناحية أخرى، يجب الإقرار بأن تركيز أوروبا وغيرها على تلقيح مواطنيها، ولو بالإكراه، لا يمكن ان ينهى الوباء مادام شركاء آخرون على نفس الكرة الارضية لم يصلهم بعد نصيبهم من اللقاحات الضرورية لتحقيق المناعة العالمية. فتطعيم نسبة من المواطنين لا يكفى للسيطرة على الفيروس اذا ما كان هناك فئات اخرى لم يصلها الدور بعد، او كانوا ببساطة يخشون اللقاح او يرفضون تلقيه لسبب او لآخر. وأيضا تلقيح شعب بالكامل لن يمنع عودة الوباء اذا لم تتحقق المناعة العالمية، التى تحتم إنتاج كميات لقاح كافية لتغطية حاجيات جميع دول العالم. وهذا الامر يبدو صعب التحقيق حاليا لأسباب تم إدراجها بالتفصيل فى مقالات سابقة.

> كاتبة مغربية


لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى

رابط دائم: