تنص المادة الثانية من الدستور المصرى الحالى على: الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع.
كما ينص فى مادته الرابعة على السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التى تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وذلك على الوجه المبين فى الدستور.
سبب ذكر الدستور وبعض مواده هو ما تتعرض له ثقافة الوطن، خاصة عمودها الفقرى - الذى هو اللغة العربية - من أهوال جسام لم تتعرض لها فى أى زمن، بما فى ذلك زمن الاحتلال الفرنسى ومن بعده الاحتلال البريطانى ومن قبلهما الاحتلال العثمانى، إذ لم تشهد مصر تتريكًا.. ولا فرنسة وبرطنة - نسبة لبريطانيا- بل إن المصريين وصفوا الكلام المستنكر غير المفهوم بـالبرطنة التى يلفظونها أحيانا برطمة!
وحتى الشرائح التى كانت لها أصول تركية- أو تتطلع أن تكون لها أصول تميزها عن عامة المصريين- فاصطنعت مفردات ذات أصل تركى أو فرنسى أو إنجليزى، لم تكن تتعامل فى الشارع أو المصالح الحكومية بتلك المفردات، وبقيت ثقافتها أقرب لثقافات الجيتو المنعزل، ومثارًا لتندر الشعب الذى بقى يعتز بأن النبى عربى والقرآن عربى والصلاة بالعربى والألم بالعربى والحب والغرام أيضا بالعربي!
الدستور ينص نصًا ملزمًا للكافة- وبغير استثناء- على أن لغة البلد هى العربية، وحتى إن طرأت أنشطة اقتصادية أو تقنية لها مسميات غير عربية كان التعريب العلمي- عبر الهيئات المعنية بذلك، كمجمع اللغة العربية، أو الجمعيات العلمية، أو المراكز القومية للبحوث علمية عملية كانت أو علمية اجتماعية - متاحًا وبشكل لائق، بل إن فنًا قائمًا بذاته - كفن السينما- احتاج تعريبًا لبعض مصطلحاته كالسيناريو والمونتاج والمونتير، واستقرت معانيها عند الناس، لأنه كان فنًا ونشاطًا جديدًا غير مسبوق فى المنظومة اللغوية العربية، أما أن يتحول الأمر إلى وباء مرضى مقيت وغير مبرر وعلى أعلى المستويات فهذا أمر عدا أنه غير مفهوم وغير مقبول فإنه يجب أن يقاوم وأن يتم تصحيحه.
لقد عم الوباء ابتداء من أدنى السلم، حيث تجد كوَّاء (مكوجى) فى محل صغير ومازال ينثر الماء بفمه على الأقمشة لكيها قد كتب على اللافتة الرحمن كلين، وصعودًا إلى الإعلانات الضخمة الملونة التى تعلن عن المعازل السكنية والشاطئية، وكلها باللغة الإنجليزية وبلا أى حرف عربي.. وكأن الذين أنشأوها يعلنون من البداية أن على متحدثى العربية غير الفاهمين لمحتوى الإعلان أن يمتنعوا، لأن المعزل منعزل عن كل ما هو بلدى - باء تحتها ثلاث نقاط للتوضيح ولزوم اعوجاج اللسان- لغة ولهجة وثقافة ومسلكًا، وهو مخصص لمن لديهم القدرة على بعزقة مئات الألوف وقرع الكئوس على إيقاعات ليس فيها دفوف، وهم عرايا أو شبه عرايا!
كل ذلك قد يكون أخف وطأة عن أن يجرؤ من جرؤ فى حضرة رئيس الجمهورية، قائد هذا الوطن، الذى بذل ويبذل كل ما هو فوق طاقة البشر من أجل الحفاظ على هوية المحروسة من أن يختطفها الإرهاب والفهم المغلوط للدين، ومن أجل أن يتعاظم دور ومكانة مصر فى محيطها العربى، ليقحم هذا المتجرئ أسماء أجنبية واضحة لأنشطة-اقتصادية رسمية تستهدف خدمة الشعب الذى مازال ينطق العربية وغالبيته العظمى بعافية شوية فى اللغات الأجنبية.. ولأن الكذب خيبة فإننى أصدقكم القول إننى سألت أحد الأصدقاء من كبار علماء الهندسة عن معنى سايلو فودز وقلت فودز أعرفها جمع فود يعنى أكل، فأفادنى بأن سايلو هى صومعة الغلال! وقلت طالما فودز جمع فود فلابد حتى لا يزعل الإنجليز أن تكون سايلو جمع أيضًا وتبقى سايلوز فودز! وقبل ذلك لم تجد شركة الهاتف التى يفترض أنها قومية إلا اسمًا أجنبيًا هو وى أى لا مؤاخذة نحن! إن المفارقة الفادحة هى أن السيد رئيس الجمهورية- قائد هذا الوطن- يطلق أسماء مصرية عربية على الكبارى والشوارع والمحاور والميادين، ويعيد الاعتبار لأسماء أخرى ظن كثيرون أنها انطوت ولم يعد لأصحابها ذكر، مثل محمد نجيب ويوسف صديق.
وفى الوقت نفسه نجد أمثلة ذكرت بعضها، وأضيف إليها طمس اسم ناصر من البحيرة التى اسمها بحيرة ناصر فى كل الأطالس العالمية.. ولقد عدت إلى الموسوعة البريطانية وأطلسها، وإلى أطلس الموسوعة الأمريكية فوجدت أنها مازالت تضع اسم بحيرة ناصر، بينما السيد وزير الرى وموظفوه يفضلون اعتماد اسم بحيرة السد العالى، وكأنما حضرته وحضراتهم لديهم ثأر بايت مع جمال عبد الناصر الذى ربما وزع إقطاعياتهم على الفلاحين!
الرئيس يعيد الاعتبار لأسماء من لعبوا دورًا وطنيًا، ولا يلتفت لما حدث من خلافات، والموظفون يتعمدون طمس اسم رمز وطنى كبير سيبقى اسمه خالدًا على السد العالى والبحيرة! عيب والله العظيم، أن يُبقى البريطانيون والأمريكان على اسم ناصر، بينما الموظفون فى مصر يمحونه.
إن هناك مبادرة رائدة من وزارة الهجرة للمصريين فى الخارج موجهة لأبنائهم- أو للأجيال المولودة فى الخارج- لكى يتحدثوا بالمصرية اتكلم عربى، حتى لا يفقدوا انتماءهم ويحتفظوا بهويتهم الثقافية والحضارية، وأتخيل لو أن طفلًا أو شابًا من أولئك المستهدفين سأل أهله: لماذا تطلبون منا أن نتكلم عربى، بينما فى مصر يطلقون الأسماء الأجنبية على المشروعات والشركات وغيرها؟! أتمنى أن أجد إجابة من أحد.
لمزيد من مقالات ◀ أحمد الجمال رابط دائم: