رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ليلة سقوط كابول

كان يوم الأحد، 15 أغسطس 2021، عندما بدأت الأخبار تتوالي، منذ الصباح الباكر، باقتراب قوات طالبان من العاصمة الأفغانية، كابول، بعدما استولت على معظم الولايات فى أفغانستان. وكنت قد كتبت مقالي، الأسبوعي، فى هذا المكان، منذ أسبوعين، تحت عنوان أفغانستان إلى أين، وفيه عرضت تحليلا، مبسطا، عن الموقف فى أفغانستان، منتهيا بأنها ستقع فى يد طالبان، فور رحيل القوات الأمريكية منها، فى نهاية أغسطس، كما كان مقررا.

ويومها، تلقيت مكالمة من صديقى اللواء محسن السلاوي، يبارك ذلك التحليل، وهو ما أسعدني، بأن يوافقنى الرأي، رجل بقامة اللواء السلاوي، الذى أنشأ مركز إدارة الأزمات فى مصر، منذ عشرين عاما، ليصبح، اليوم، أهم وأكبر مركز لإدارة الأزمات فى المنطقة. وفى ذلك المساء، تابعت تحليلات القنوات الإخبارية العربية، التى عارضت، بالاسم، رأى اللواء سمير فرج، مؤكدة استحالة سيطرة طالبان على الأوضاع فى أفغانستان، قبل ستة أشهر، على أقل تقدير، طبقا لتقارير أجهزة الاستخبارات الأمريكية.

فكانت المفاجأة، أن طالبان تحركت أسرع مما توقع لها أعتى الأجهزة الاستخباراتية، فلم تنتظر حتى خروج القوات الأمريكية، بل دخلت قواتها إلى العاصمة الأفغانية،كابول،ظهر يوم الأحد 15 أغسطس،وأحكمت سيطرتها عليها، ودخلت القصر الرئاسي، بعد فرار الرئيس الأفغاني، أشرف غني، إلى خارج البلاد.فسارعت فى العودة لمنزلي، لمتابعة أحداث تلك الليلة، التى لا تتكرر فى تاريخ العالم، إلا كل عقود، بعدما اعتذرت عن عدم استضافتى فى قناتين إخباريتين، إقليميتين، لأن الوجود فى الاستوديوهات، يمنعنى من فرصة المتابعة والتحليل. وبدأت أتابع الأحداث،على أكثر من 15 محطة إخبارية، من شتى أنحاء العالم، وهى تنقل الأخبار، أولا بأول، بينما تستضيف كل منها نحو ثلاثة محللين، من مختلف دول العالم، للتعقيب على ما يدور فى تلك الليلة الدسمة. كان من بين من استضافتهم القنوات، التى اعتذرت عنها، محللون استراتيجيون من الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وإنجلترا، ومصر، بالإضافة لمراسليها فى العاصمة كابول، الذين يعلقون على تسارع الأحداث، بين لحظة وأخري، وهم فى حيرة وعجب، من سرعة سقوط الجيش الأفغاني، واستسلامه لقوات طالبان.

والحقيقة، أن الأمر لا يثير العجب، إذا ما تم الانتباه لهدف قوات طالبان، الذى بدا واضحا أنه الوصول لكابول، بأقل الخسائر، وهو ما دفعها لإعلان العفو، الفوري، عمن يلقى سلاحه من الجيش الأفغاني، حتى وإن كان ممن تحالف مع الأمريكان. ولمن لا يعلم، فإن قوات الجيش الأفغاني، رغم ما قدمته لها أمريكا من تدريب وتسليح وعتاد، إلا أنها تفتقد عقيدة الدفاع عن أرضها؛ فمعظم عناصر، هذا الجيش، انضمت لصفوفه سعيا وراء لقمة عيش، وليس إيمانا بعقيدة الدفاع عن الوطن.

ومع تسارع تدهور الأحوال، كان أول قرار من الولايات المتحدة، هو سرعة إخلاء سفارتها، فى كابول، وإنزال العلم الأمريكى، بعدما تعلمت الدرس، القاسي، فى طهران، عندما تم اقتحام السفارة الأمريكية، وإنزال العلم الأمريكي، وإحراقه بصورة مهينة.فقام أعضاء السفارة الأمريكية بإتلاف كل الأوراق والوثائق، قبل ركوب الطائرات الهليكوبتر، العملاقة، التى كانت فى انتظار نقلهم لمطار كابول، ومعهم الأفغان العاملون بالسفارة الأمريكية، الذين تعهدت أمريكا بإجلائهم، جميعا،إلى الولايات المتحدة،حتى لا يتعرضوا لبطش طالبان، بعد مغادرة القوات الأمريكية. وفى تلك اللحظة، كان وزير الخارجية الأمريكي، أنطونى بلينكن، يرسل تحذيره إلى طالبان، بعدم التدخل، ضد القوات الأمريكية، فى عملية إجلاء رعاياها، وهو ما لم تكن طالبان لتقدم عليه، من الأساس، فى ظل ما أوضحناه، سلفا، بأن هدفها هو الاستيلاء على كابول، بأقل الخسائر، لذا ابتعدت قواتها، تماما، عن المطار، لحين انتهاء أمريكا من سحب كل العناصر الأمريكية، وحلفائها من الشعب الأفغاني.

وانتقلت التغطية الإخبارية إلى مطار كابول، الذى كان أشبه بميدان العتبة، فى قلب القاهرة، نتيجة تدافع آلاف الرعايا الأجانب والمواطنين الأفغان إليه، طالبين سرعة اللحاق بأى طائرة، لمغادرة كابول، بعدما أعلنت سفارات العديد من الدول الأوروبية، ومنهم إنجلترا وفرنسا وألمانيا، وغيرها، إغلاق سفاراتهم، ونقل جميع العاملين بها إلى خارج كابول. ولكن الخبر الأكثر غرابة، كان قرار روسيا والصين وتركيا،استمرار وجودهم فى كابول، وعدم إغلاق سفاراتهم بها،وهو ما أعقبه،فى تلك الليلة،خبر عن طلب الرئيس التركي، أردوغان، محادثة قادة حركة طالبان، وهو ما لم يجد المحللون تفسيرا له!

وجاء الخبر المفاجئ، باستيلاء طالبان على سجن كابول الرئيسي، والإفراج عن عشرة آلاف سجين، معظمهم من عناصر تنظيمى القاعدة وداعش، وغيرهم من المرحلين من سجن جوانتانامو، فكان السؤال البديهي، هل ستعود تلك التنظيمات الإرهابية إلى المشهد، مرة أخري، بعد تنظيم صفوفها وجميع بقايا عناصرها المشتتة فى سهول أفغانستان، وعلى رأسهم الظواهري؟ وهل ستخلف طالبان وعدها الذى قطعته للولايات المتحدة، خلال مباحثات الدوحة، بأنها لن تسمح بعودة الإرهاب الدينى المتطرف، مرة أخري،على الأراضى الأفغانية، إذا ما تولت رأس السلطة فى أفغانستان؟

وهكذا سقطت أفغانستان، بعد عشرين عاما، من وجود القوات الأمريكية فيها، خسرت خلالها 2300 جندى، و20 ألفا من الجرحي، وفشلت أمريكا فى تحقيق خطتها بإنشاء دولة جديدة فى أفغانستان، وجيش قوي، يضمن لها الاستقرار. ويبقى السؤال، الذى أظن أن إجابته لن تتضح قبل مرور ستة أشهر من سيطرة طالبان على البلاد... ما هو مصير أفغانستان؟


لمزيد من مقالات ◀ د. سمير فرج

رابط دائم: