رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

لماذا تراجع تنظيم «القاعدة» فى بلاد المغرب العربى؟

على الرغم من أن تنظيم «القاعدة» نجح فى استقطاب العديد من التنظيمات الإرهابية المحلية فى إفريقيا، على غرار حركة «شباب المجاهدين» وجماعة «بوكو حرام»، إلا أن التطورات التى شهدتها السنوات الأخيرة فيما يتعلق بظاهرة الإرهاب على المستويين الإقليمى والدولى، وكذلك الجهود الوطنية لمكافحة الإرهاب ألقت بظلالها على قدرة التنظيم على تحقيق أهدافه والحفاظ على مكانته وخاصة فى أحد معاقله الرئيسية فى بلاد المغرب العربى.

فقد جاءت نشأة تنظيم «القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى» كأحد تطورات ظاهرة الإرهاب فى المغرب العربى، بعد أن اتجهت «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» الجزائرية للخروج إلى الصحراء فى عام 2003، وطالبت بانضمام مقاتلين للحرب ضد القوات الأمريكية فى العراق، وبدأت فى التحول إلى تنظيم إقليمى عابر للحدود يوجه تهديدات لدول الساحل الإفريقى، حتى موافقة تنظيم «القاعدة» على انضمام الجماعة إليه وإعلان تغيير اسمها إلى تنظيم «القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى» فى يناير 2007.

ومنذ ذلك التاريخ، عمل تنظيم «القاعدة» على تنفيذ أهدافه والتوسع فى فروعه فى منطقة الساحل الإفريقى وتمويل نشاطه من خلال عمليات الاختطاف والحصول على الفدية وتهريب السلع والبشر وغيرها من أعمال الاتجار غير المشروعة، واستمر فى تنفيذ هجمات نوعية فى معاقله الرئيسية فى الجزائر وتونس، وكان آخرها الهجوم الذى نفذه على موكب تابع للجيش فى الجزائر فى عين الدفلى فى يوليو 2015.

مسار مضاد

ثمة عوامل عديدة ساهمت فى تراجع تنظيم «القاعدة» فى افريقيا بصفة عامة وبلاد المغرب العربى بصفة خاصة؛ فقد فرضت سياسات المصالحة الوطنية وتحقيق السلم الاجتماعى التى اتبعتها الجزائر منذ عام 1999 تجاه الإرهابيين «التائبين» بالعفو وإعادة دمج هؤلاء المغرر بهم فى الجماعات الإرهابية داخل المجتمع وإنهاء حالة الحرب الداخلية، فضلاً عن تدشين ميثاق السلم والمصالحة الوطنية فى عام 2005 ضغوطاً قوية على التنظيم وساهمت فى تراجع نشاطه.

وخلال عام 2018، خسر التنظيم المناطق التى كان يسيطر عليها فى شرق الجزائر وتحديداً فى منطقة القبائل، مما دفعه إلى محاولة نقل مركز عملياته إلى الحدود الجزائرية ــ التونسية ومحاولة التحالف والتوحد مع فرع التنظيم فى تونس المعروف بـ«كتيبة عقبة بن نافع». كما أدى تصاعد العنف فى العمليات التى يقوم بها التنظيم إلى نفور السكان المحليين منه، وخاصة بعد أن أصبح يستهدف ممتلكاتهم وأرواحهم، وبعد أن أدرك السكان مدى الخسائر التى تعرضوا لها من جراء استمرار وجود هذه التنظيمات فى مناطقهم.

يُضاف إلى ذلك الخلافات والمشكلات الداخلية التى عصفت بالتنظيم، والتى توازت مع تصاعد ظاهرة الانشقاقات التى أدت إلى الانفصال بين قيادة التنظيم وبعض الكتائب التابعة له، بل وسمحت بانشقاق العديد من هذه الكتائب مثل «الملثمون» التى اتخذت اسم «الموقعون بالدم» بعد ذلك ويقودها أقدم إرهابى فى افريقيا مختار بلمختار، أو خالد أبو العباس، وكذلك كتيبة «جند الخلافة فى أرض الجزائر»، وقد تسبب هذا الانفصال فى عدم التواصل بين الكتائب وعدم التزود بالموارد والعتاد وتقويض قيادة تنظيم «القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى.

وخلال العامين الأخيرين، أدى مقتل العديد من قادة التنظيم إلى بروز العديد من المشكلات فى بنيته التنظيمية والعملياتية، وشكل مقتل عبدالمالك دروكدال فى يونيو 2020 على أيدى القوات الفرنسية فى مالى ضربة قوية لتنظيم «القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى»، حيث تولى دروكدال المكنى «أبو مصعب عبد الودود» قيادة التنظيم منذ نشأته فى عام 2007. كما توالت الصدمات التى تعرض لها التنظيم مع تمكن الأمن التونسى فى مايو 2021 من قتل قائد فرعه فى تونس وقائد كتيبة «عقبة بن نافع» عبدالباقى عمار بوزيان المكنى «أبوأحمد العنابى» وعدد من مساعديه فى المناطق الجبلية من محافظة القصرين غرب تونس وعلى الحدود مع الجزائر.

صعود المنافسين

لم يتعرض تنظيم «القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى لهزات خطيرة من جراء جهود مكافحة الإرهاب التى تقودها الجيوش الوطنية كالجيش الجزائرى ونظيره التونسى وكذلك القوى الدولية المنخرطة فى شئون القارة فقط، بل واجه التنظيم تحديات خطيرة مع صعود فروع لتنظيم «داعش» فى إفريقيا، حيث لا تتوانى هذه الفروع عن الدخول فى منافسات ومعارك مع فروع تنظيم «القاعدة» فى الساحل الإفريقى وغرب إفريقيا، وخير مثال على ذلك الصراع الدائر بين تحالف «نصرة الإسلام والمسلمين» ــ الذى يمثل أحد أفرع تنظيم «القاعدة» ــ وتنظيم «داعش فى الصحراء الكبرى».

كل هذه التحولات التى يشهدها تنظيم «القاعدة فى المغرب الإسلامى» لا تعنى أفول نجم التنظيم أو اقتراب نهايته، فالسمة الرئيسية التى تتسم بها التنظيمات الإرهابية فى إفريقيا وخاصة فى بلاد المغرب العربى هى القدرة العالية والمرونة فى التعامل مع التطورات. كما أن مكافحة هذه الجماعات لا تؤدى، وفقا لرؤية اتجاهات عديدة، إلى القضاء عليها بقدر ما تساهم فى فرض ضغوط قوية عليها ودفعها إلى الانتقال من المنطقة إلى مناطق أخرى جديدة. فقد حاول تنظيم «القاعدة» نقل مركزه إلى مناطق جديدة عبر الحدود بين الدول مع الاستمرار فى القيام بهجمات خاطفة، وهو ما يدفع فى اتجاه البحث عن استراتيجيات جديدة لمواجهة ظاهرة الإرهاب فى إفريقيا وبلاد المغرب العربى تحديدا تعمل على تقليص مرونة هذه الجماعات والقضاء عليها، ويبدو أن تحفيز السكان المحليين وزيادة وعيهم بخطورة هذه الجماعات قد يؤدى إلى طرد الجماعات الإرهابية من مناطق عديدة فى إفريقيا، فكثيرا ما تعرضت جهود مكافحة الإرهاب للإخفاق نتيجة تعاطف السكان المحليين مع هذه الجماعات فى بعض الدول الإفريقية. وهنا، فإن تبنى آليات جديدة فى مكافحة الإرهاب يمكن أن يوجه ضربات قوية لتنظيماته الرئيسية والفرعية.


لمزيد من مقالات د. أميرة محمد عبدالحليم

رابط دائم: