رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الأهرام .. الكلمة نور!

منذ لحظة ولادتها، بدت صحيفة الأهرام كأسرجة الليل، تضيء سماء مصر، تخوض معاركها، تفتح نوافذ الحرية والحداثة والتقدم، إيقونة وطن، بل هى وطن فى جريدة، تختزل وقائع جهاده الممتد، كالنيل السائر بلا توقف، مرة هادرا وأخرى مسترخيا، تحمل نبض الفكر والضمير والحراك المجتمعى، طيلة 145عاما من العمل والأمل، بمصداقية ورصانة. باتت الأهرام التعبير الأسمى عن عظمة المحروسة وحضورها وبريقها، أو تواريها وذبولها، مؤسسة متعددة النوافذ والعطاء، تمد أغصانها وثمارها السخية، فى كل بيت، مطبوعة ورقية أو إلكترونية، تطل عليك- سيدنا القارئ- من كل نافذة، وهى مازالت على عهدها تواصل الدرب، بحرارة الحدث وصهد الكلمات وسديد الرأي, يتقد بهاؤها السيال عبر الحروف والصور والكاريكاتير، مزاوجة ببراعة بين المعلوم والمكتوم، تفك طلاسم الواقع وتقلباته، وهى تتحسس نبض أم الدنيا وابنتها.

هناك قول شائع: إن التاريخ له آذان، ولكن ليس له عيون، بمعنى أننا نسمع روايات عما جرى، منقولة لنا بالسماع والتواتر، ومعظمها مكتوبة بأثر رجعى، يخلط الوهم بالحقيقة, لدرجة تتركنا مع نوع من الفولكلور الأسطورى يعذبنا فرزه، هذا لو كان الفرز ممكنا، أما فى تجربة الأهرام، فالتاريخ عندها له آذان وعيون, لكنها ليست أسيرة التاريخ، إنما مسكونة برغبة التطور الدائم والعيش فى المستقبل، فإذا كان الماضى والحاضر حيا على صفحات الأهرام، فإن المستقبل هو مناط العناية والاهتمام.

تواجه الأهرام تحديات كبيرة، فى عصر الإعلام الجديد، لكن الأهراميين يعلمون أن إرادة البشر عامل حاسم فى طرد الأحزان من صندوق القلب, إذ ليست السعادة فى غياب المشكلات، بل فى القدرة على التعامل معها. منذ ميلادها استطاعت الأهرام السير وسط معوقات تشبه المستحيلات، كأضلاع صندوق مغلق. فى هذه الصحيفة، ثمة افتتان بالصدارة، بالحيوية، بقوة التجدد، يدرك أبناؤها لزوميات الدور وخطورة المهمة، الأهرام كائن من لحم ودم وورق وحروف وأفكار، هى أناس يختبئون وراء ظلال السطور، صحفيون وعمال وإداريون وتوزيع وإعلانات ومطابع، يجتهدون فى السراء والضراء، لتؤدى الجريدة رسالتها، فى أفضل صورة. كل هؤلاء يتنافسون فى خدمة الوطن والقارئ، ومن ثم تظل مغامرة الأهرام العابرة للقرون سردية كبرى وقصة نجاح باهر، صحيفة عصرية، تكسر النهج الكلاسيكى، وإن حافظت على سماته، تفتح باب الاكتتاب لكل التيارات، بلا وجل، من أجل جمهور متعطش للحقائق، فى زمن ما بعد الحقيقة أو جحافل الحمقى الذين تضج بهم مواقع التواصل الاجتماعى، بتعبير امبرتوايكو. تقدم للجميع رؤية متوازنة فيما يجرى وكأنها زرقاء اليمامة، حتى صارت إحدى ركائز قوة مصر الناعمة الضاربة التى تنشر ظلها فى العالمين، من أقصى الأرض إلى أقصاها، بجوار الأزهر والكنيسة وجامعة القاهرة. وما كان للصحيفة العريقة أن تنجح فى مبتغاها، إلا لأنها دأبت على أن تجدد نفسها، كما يفعل النهر الذى يعمق مجراه ويوسعه، بدورات الفيضان بعد الانحسار، ضوء الحقيقة والأفكار يُولد من داخلها، وينضج، وينطلق إلى عقل القارئ وقلبه، بما ضمته على مدى تاريخها من كتابات كبار المفكرين والمبدعين والصحفيين وأهل الرأى البارزين، هم ذخيرتها وأسلحتها الثقيلة فى كل مجالات الحياة. فى الأهرام الكلمة نور، قبل نحو قرنين، قال الفيلسوف الألمانى هيجل إن قراءة الصحف هى صلاة الإنسان الحديث، ولا أجد وصفا أدق من هذه الكلمات لمنزلة الأهرام عند القراء, فقد ظلت، وفى اللحظات التاريخية الفاصلة، صلاة إنسان ونبض وطن، طيلة عمرها المديد.

أقر وأعترف بأننى لست متجردا من الهوى فى الكتابة عن الأهرام، فما من مرة سرت فى طرقاتها إلا تذكرت قصيدة للشاعر الإنجليزى شيللر، تقول بعض أبياتها: انهض بجسارة بجناحين.. وحلق فوق عصرك.. تحلق الأهرام بجسارة فوق العصور، مثل غيث لا يتوقف عن الهطول ولا يتحول إلى سيل، تُعشب الدنيا من حوله ولا توحل، وهى تطوى أياما وراء أيام، تضيف بها رصيدا إلى أرصدتها فى عقول القراء وقلوبهم، فى معركتها المستمرة من أجل البقاء على القمة الصحفية، فهى مصباح عقل الأمة، ينتظرون ضياءه كل صباح، ليكشف المستور وينير الطريق للسالكين فى مسارب الحياة ومنعرجاتها الوعرة، يشع وهجه الخاص وإبهاره المتميز وفكره الغزير، حتى يعرف سيدنا القارئ شيئا عن كل شيء.

باقة ورد لكل من ينتمى إلى الأهرام، قراءة ومهنة، فى ذكرى صدورها.. كل لحظة وأنت بخير يا أهرام..!!.

[email protected]
لمزيد من مقالات د. محمد حسين أبوالحسن

رابط دائم: