رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«اقرأ هيكل.. اقرأ المستكاوى»..
«الأهرام» .. حلم اليقظة الذى تحقق

> حسن المستكاوى

دخلت الأهرام لأول مرة فى حياتى وأنا طفل صغير يمسك بيد الأب، عام 1959، وكان المبنى القديم فى قلب القاهرة فى شارع الشريفين. كنت منبهرا بهذا العالم، عالم الصحافة، وعالم الرياضة، وعالم السياسة والأخبار، وأحلم برؤية الأستاذ هيكل الذى كان اسمه يتردد كثيرا فى بيتنا. صعدت بصحبة أبى إلى مكتبه. القسم الرياضى عبر سلالم حديدية، وكان يجلس فى المكتب الأستاذ كامل المنياوى، ومعه الأستاذ إسماعيل البقرى، رحمهما الله .
يومها سمعت صوت ماكينات الطباعة، وتمنيت فى يوم من الأيام أن تدور ماكينات الأهرام وهى تحمل لى بضع كلمات، ولو كانت خبرا من ثلاثة أسطر . وهو ماتحقق بالفعل فى سنوات التدريب عام 1976.. فكان يكفينى أن أكتب ثلاثة أسطر دون توقيع لأتيه فخرا بما حملته صفحات الأهرام.
أحببت الصحافة وأحببت الأهرام بسبب أبى، وبسبب الأستاذ محمد حسنين هيكل الذى بدأت فى قراءة مقالاته منذ الطفولة . لا أذكر تحديدا متى بدأت أقرأ مقالات الأستاذ هيكل كانت سنى عشر سنوات أو أقل. وكنت أقرأ مقالاته بشغف لأنها تعبر عن عصر نعيشه ، ومعارك نخوضها ، وأحلام نبنيها .. ولا يهم الآن بعد أن مضت سنوات العمر ومضى الزمن أن نحسب ماذا تحقق وماذا لم يتحقق؟
كنت طفلا صغيرا حين دخل اسم الأستاذ هيكل منزلنا ، ودخل معه «الأهرام «، ولم تكن فقط زيارة، ولكنها إقامة طالت عشرات السنين.. كان أبى يحدثنا عن الأهرام وعن الأستاذ هيكل، وكنت أقرأ مقالاته. أقرأ صفحة كاملة فى جريدة، وتطربنى كلماته، فالأستاذ هيكل علمنا قراءة السياسة. وعلمنا قيمة المعلومة. وعلمنا كيف يكون الأسلوب جميلا، وكيف أن الأسلوب موهبة وفن وقدرة .. وكانت صياغات الأستاذ عندى مثل صوت أم كلثوم فى الغناء.. فأقرأ الجمل والفقرات، ثم أعيد القراءة لمزيد من المتعة والطرب. وكم كان مدهشا أن يطربك صوت قلم ، كما يطربك صوت غناء أو صوت قيثارة . وكان يطربنى أيضا صوت باعة الأهرام فى الشارع وهم ينادون: «اقرأ هيكل.. اقرأ المستكاوى». فتتولد عندى مشاعر لاتوصف ، مزيج من الفخر والحب ، بوضع اسم أبى بجوار اسم هيكل . وهو أمر لا أظنه تكرر لكاتب رياضى وقتها ولا بعدها.
كنت أحرص على قراءة الأهرام ومتابعة الرياضة حبا فى نجيب المستكاوى ، الذى كان الصحفى النجم بالنسبة لى قبل أن يكون الأب ، وكان هو يرانى القارئ الأول له. فيكتب مقالته، حديث الرياضة أو خواطر رياضية فى الخامسة صباحا، وأتوجه إليه لأقرأ مقاله المكتوب على الورق الدشت بخطه الصغير المنمق. وألمحه يتابع انطباعى، للتعرف على انطباع قارئ الأهرام .
الأستاذ هيكل منح أبى حرية مطلقة فى إدارة الرياضة بالأهرام، وكان معجبا بأسلوبه، ومقدرا له، ولريادته. فكان نجيب المستكاوى ــ حسب تعبير الزميل عمر طاهر ــ هو الرجل الذى اخترع للرياضة صفحة، وهو اعتمد على ثلاثة اختراعات فى ذلك الاختراع الأول: التجاهل النسبى لقطبى الكرة المصرية الأهلى والزمالك والانحياز الكامل للفرق الأخرى خاصة فرق الأقاليم، وابتعد تماما عن مشاجرة الاهلى والزمالك اليومية، والاختراع الثانى: الصياغة الساخرة.. والاختراع الثالث: درجات اللاعبين، وكانت مقالاته تقرأ من أسفل إلى أعلى، لأن الدرجات كانت آخر مايسجله فى المقال.
أحببت الأهرام بسبب أبى وبسبب الأستاذ هيكل . لكن الحقيقة أننى أحببت جمال عبد الناصر . هكذا كان جيلى. وكنت أرى الأستاذ هيكل عملاقا بطول قامة عبد الناصر . كنت أراه كذلك مما يكتبه، ومما يعلمه، ومما يعبر عنه . فالقامة تطول بالقيمة. وكنت أربط بين الأستاذ هيكل وبين عبد الناصر. فكلاهما يملك القوة . قوة هيكل فى مهنته. وقوة عبد الناصر فى سلطته. وكانا صديقين. وبمنتهى الصراحة وجدت فى تلك الصداقة قوة إضافية للأستاذ، وأعجبتنى تلك القوة .. فماذا أكثر من صاحب قلم يملك أدواته ومعلوماته ، ويقود أكبر جريدة فى العالم العربى والشرق الاوسط ، وحين يخاطب عبد الناصر يقول له: ياجمال ..؟.. تصوروا بعد سنوات من وفاة عبد الناصر سألت الأستاذ هيكل فى واحد من اللقاءات : « حضرتك كنت تخاطب عبد الناصر بكلمة ياريس، أم باسمه مباشرة .؟ « قال : « أمام الناس هو الرئيس. وأمامى فقط هو الصديق «.
أمتلك كل كتب الأستاذ هيكل. فمنه تعلم جيلنا السياسة . واستمتع جيلنا بقصص السياسة. وعاش جيلنا تفاصيل السياسة. وهو جيل المطولات فى الغناء والموسيقى والرياضة والصحافة والفن والأدب .. الجيل الذى استمع لوصلات أم كلثوم وقرأ صفحة بصراحة . وفى يوم وفاة أبى ، كان الأستاذ هيكل أول من حضر لأداء واجب العزاء وعلى الرغم من حزنى لفراق الأب ، سألت الأستاذ حين رأيته وجها لوجه لأول مرة:» كيف أحصل على نسخة من كتابك الأول «إيران فوق البركان».. وهو الكتاب الوحيد للأستاذ هيكل الذى لا أملك منه نسخة. وكم كان الأستاذ متواضعا، بسيطا، فى عينيه نظرة حب قادمة من زمنه إلى نجل صديق وزميل رحل عن دنيانا.
زرت الأهرام المرة الثانية عام 1968 عند افتتاح مبناه الجديد فى شارع الجلاء. وتكرر الانبهار. لكن هذه المرة أضيف إلى الانبهار بالكيان وبمهنة الصحافة انبهارا ببناء سبق عصره بنصف قرن. وتكرر حلم اليقظة. أن أكون يوما ما صحفيا فى الأهرام. كان فقط حلم يقظة أراه بعيدا جدا ، حتى أننى لم أخطط له ولم أعمل عليه . لكن الأقدار فعلت ذلك وفعلت ماهو أعجب. فقد دخلت الأهرام المرة الثالثة متدربا عام 1976. وكنت أكتب خبرا من ثلاثة أسطر دون توقيع، وأشترى عدة نسخ من الجريدة كى أحتفظ بفخر بما كتبته. وعندما بدأت قصة تعيينى فى الجريدة، لم يسمح لى بالعمل فى القسم الرياضى لأن والدى رئيس القسم، فاقترح على الأستاذ عبدالله عبدالبارى أن أعمل فى الإعلانات، واعتذرت. واقترح الأستاذ ممدوح طه رئيس قسم الأخبار العمل معه فاعتذرت.
وكذلك الأستاذ صلاح هلال رئيس قسم التحقيقات. وعندما أغلق باب القسم الرياضى فى وجهى انتقلت إلى دار التحرير وعملت مع الأستاذ حمدى النحاس. ثم سافرت إلى الخارج فيما بعد، وبعد 10 سنوات طلبتنى الأهرام للعمل فى القسم الرياضى وكان ذلك عام 1984.
شاء القدر أن أشق طريقى فى المهنة بعيدا عن مصر وعن أبى. وأن أعود إلى الأهرام. وإلى حلم القسم الرياضى. وأن تمضى السنوات وأصبح رئيسا للقسم أجلس على المكتب نفسه الذى جلس عليه أبى، وفى الجريدة نفسها التى كنت أحلم فى أيام الطفولة حلم يقظة بعيد المنال أن أكون محررا رياضيا بها.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق