استطاع شاب عربي بناء شركة من دبي تتجاوز قيمتها مليارا ونصف المليار دولار تم ادراجها عبر بورصة ناسداك، شركة للحلول الذكية للنقل الجماعي والتي تعمل في الكثير من الدول بهذه العبارة رحب الشيخ محمد بن راشد بشركة نجحت فى أن تكون رائدة فى استخدام الهواتف الذكية لحجز رحلات نقل جماعي.وتأسست فى مصر، كما تعمل فى العديد من المدن المصرية وكذلك بعض البلدان العربية، ورغم النشاة المصرية فإنها اضطرت للانتقال إلى دبي حتى تستكمل عملها، وهناك العديد من الحالات الشبيهة والتى على اقل تقدير تضطر للانتقال من بعض المدن الصناعية الجديدة فى الصعيد، للعمل فى القاهرة نتيجة لاسباب عديدة منها عدم توافر مؤهلات العمل بهذه المناطق خاصة الخدمات والبنية الاساسية. وهو ما يجعلنا نتساءل عن كيفية حل هذه المعضلة؟ وكيف يمكن جعل مصر المركز الاقليمى للشركات الناشئة، فى ظل وجود المئات من المشاريع فى هذا المجال؟
وجدير بالذكر ان مثل هذه الشركات تعد من النماذج الرائدة فى مجال الاعمال، خاصة للشباب من رواد الاعمال ومؤسسى الشركات الناشئة وتعد اضافة قوية للاقتصاد تسهم فى امتصاص البطالة والحد من الفقر ورفع معدل الاستثمار مما يسهم فى احداث العملية التنموية المطلوبة. خاصة ان التعامل مع المشكلات الراهنة فى الاقتصاد القومى يتطلب معدل نمو سنوي بما يتراوح بين 7و9% سنويا وهو ما يحتاج الي معدل استثمار يتراوح بين 25% و30% بينما معدل الاستثمار بلغ 13% عام 2020/2021 ويقدر فى خطة العام الحالى بنحو 17.6% من الناتج المحلي، مع ضرورة الاهتمام بنوعية هذه الاستثمارات،
فمن المعروف ان التجارب الناجحة فى النمو هي التي يتوجه فيها الجزء الاكبر من التدفقات الاستثمارية الى القطاعات الاكثر قدرة على توليد فرص عمل جديدة اوإضافة قيمة مضافة حقيقية الى الاقتصاد القومى
وهنا تشير الإحصاءات الي ان اجمالي الاستثمارات المنفذة قد ارتفع من 408 مليارات جنيه عام 2015/2016 الي 826.8 مليار عام 2020/2021 وعلى الرغم من ذلك فقد انخفض نصيب القطاع الخاص من هذه الاستثمارات من 46.4% عام 2018/2019 الى23% عام 2020/2021 ويقدر فى خطة العام الحالى بان يصل الى 25%.
هذا فضلا عن اوضاع الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي يسد الفجوة بين الاحتياجات الاستثمارية وقدرة المجتمع داخليا على تمويلها وذلك في ضوء الانخفاض الشديد في معدل الادخار المحلي،حيث تشير الاحصاءات الى تزايد تدفق الاستثمارات الاجنبية للخارج، والتى ارتفعت من 5.4 مليار دولار عام 2016/2017 الى 8.4 مليار عام 2019/2020 الامر الذى يتطلب البحث عن أسباب هذه الزيادة المستمرة، وبعبارة اخري فبقدر ما يكون الاهتمام بجذب المزيد من الاستثمارات للداخل مهم فانه يصبح وعلي نفس درجة الأهمية البحث عن علاج أسباب التدفق للخارج. وقد اشارت العديد من الدراسات التى تناولت هذا الموضوع الى مجموعة لابأس بها من المشكلات وكان آخرها تقرير البنك الدولى المعنون خلق الاسواق فى مصر – وتحقيق الامكانات الكاملة لقطاع خاص منتج حيث قام بتشخيص اوضاع القطاع الخاص مشيرا الى ان معوقات القطاع الخاص تكمن في صعوبة الحصول على التمويل، بالإضافة الي الفساد والتراخيص والتصاريح واتساع نطاق القطاع غير الرسمي وتزايد الجريمة. كما اوضح تقرير التنافسية العالمي ان اهم المشكلات التي تصادف الاعمال في مصر هي على الترتيب استقرار السياسات والحكومات والوصول الي التمويل وتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي والفساد وعدم كفاءة البنية الأساسية وضعف اخلاقيات الاعمال ونقص التعليم وقيود سوق العمل ثم معدل الضريبة والتضخم والتنظيم الضريبي وعدم كفاءة الإجراءات الحكومية ونقص القدرة على الابتكار وضعف السياسة الصحية.وهى ما اكدها تقرير الاستثمار العالمي، والذي أشار الي عشرة مسارات للإصلاح من ضمنها الشفافية في صنع القرار الاقتصادي والقدرة علي التنبؤ بالسياسات الاقتصادية ومدي اتساقها وتناغمها وتحسين كفاءة وفعالية الإجراءات الإدارية بالإضافة الي ضرورة إيجاد جهة واحدة تعمل في مجال تسهيل الاستثمار والحصول علي التراخيص وحل المنازعات مع تأكيد مبدأ الشفافية وغيرها.
كل هذه الامور وغيرها تؤكد ضرورة إعادة النظر في الفلسفة التى تحكم الاستثمار الخاص في الوقت الراهن والعمل على توفير المناخ المناسب للاستثمار الجاد، يستند في الأساس على زيادة قدرة المستثمرين على تقدير العوائد والمخاطر الاقتصادية المتوقعة، مع ضمان اتساق السياسات الاقتصادية، وإزالة المعوقات القائمة التي تعوق قدرة بعض المؤسسات على الاضطلاع بمهامها،وبالمزج بين المساندة والرقابة الفعالة من مؤسسات الدولة. كل هذه الأمور وغيرها ستمكن القطاع الخاص من التفاعل مع آليات السوق والمنافسة فى ظل مناخ يتسم بالتنافسية.وهو ما يؤدي في النهاية الي تحسين المناخ الاستثمارى.
وبالتالى يجب العمل علي إعداد استراتيجية قومية للاستثمار الجاد عموما والشركات الناشئة على وجه الخصوص. وهو ما يتطلب التشاورالمستمر مع قطاعات المجتمع الاقتصادي والتعرف على متطلباته والمشكلات التي تواجهها والعمل على إزالتها. وتنمية التنظيمات الجامعة للمنتجين في مختلف قطاعاتهم والمستهلكين في مختلف صورهم. والعمل على ضمان كفاءة آلية السوق بما يعنيه ذلك من توفير الظروف التي تجعل تفاعل العرض والطلب يتم فى إطارحقيقي مع ضمان التخطيط الاستثماري السليم عن طريق توفير البيانات والمعلومات الأساسية عن القطاعات الاقتصادية بالمجتمع، وذلك بالشكل الذى يمكن الجميع من إجراء دراسات الجدوى السليمة والصحيحة. وكذلك توفير المناخ الاستثماري الجيد عن طريق إصلاح التشريعات القانونية والإدارية. ووضع القوانين موضع التنفيذ. وهذا يعنى ببساطة إيجاد بيئة تنافسية تدفع للمزيد من الكفاءة فى الإنتاج مع ضمان عدالة التوزيع لثمار النمو.
لمزيد من مقالات عبدالفتاح الجبالى رابط دائم: