رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

زيارة «الغنوشى» المنسية لـ «بو عزيزى»؟

قبل عشر سنواتٍ فى الخضرا تُونس، طغى على الخَضَار طفيلياتٌ أنبتتهاعقودٌ من الفساد والإفساد، ابْتلَعت كلً خيراتٍ نَضارته فما أبقَت حتى الفُتات ليقتاتُه الناس، وضَيَقَتْ كل مساحةٍ لأملٍ فى حياة، واستبدَتْ بالمصائر مُحتكرةً حق التقرير رسميًا بين مؤيدةٍ ومُعارضة، حتى كان أنْ ضاق ذرعًا بهكذا حياة شابٌ من التونسيين الساعين كدًا على أبسط أسباب الحياة، كان اسمه محمد البو عزيزي، لَمْ يكنْ من المنتمين سياسيًا أو المبايعين لأى تنظيم، أو حتى من بائعى التأييد فى مجموعات السياسيين، كانَ بائعًا جوالًا رفضتْ طُفَيليات الفساد أن تَمنَحَه فُرصةْ الحياة، وطاردت قواتْ الاستبداد خُطواتِ مسيره الطافح وجعًا وحاجة، وصادرت عربتَهُ وما حوت من رأس مال وحياة يتمثل فى عدة كيلوات من الخضراوات وميزانًا كان بالتأكيد يُعرى اعوجاج ميزان الإدارة، وأغلَق كل مسئولٍ بابهُ فى وَجهِه كونُه مجرد مواطن. نَظرَ البو عزيزى خلفَه فأبصر بطون أسرته الكبيرة التى تئن، وتَحتَ قَدميه أرضه التى يأبى الفسدة أن يناله بعضُ خيراتها، وأمامه تواجهه أبواب المسئولين المغلقة وحرسها المستعدون لاعتقال أى مواطنٍ يُقرر أن يعكر مزاج كبار البلد بسفاسفِ المشكلات التى تتعلق بالمأكل والمشرب وأسباب الرزق كفافًا، فحمل الشاب ما تيسر من (تِنَر) نثره على جسده ودونما أن ينظر فى عيون الجموع أشعل النار مُطلقًا صرخته المنبعثة من روح مظلومة حقها أن يهتز لها عرش ملك الملوك، وخلال ثمانية عشر يومًا عاشها (البو عزيزي) يُصارع أوجاع الاحتراق، استحالت صرخة الشرطة فى وجهه (ارحل) هُتافًا مُوجهًا إلى رأس النظام بن على ومن معه، الأمر الذى دَفَع الرئيس إلى زيارة ضحيته المحترق فى المستشفى وتقديم اعتذار سبق أوانُه.

خلال العشر سنوات التى أعقبتْ صرخة البو عزيزى الأولى لم تنقطع صرخاتُه ومن يُمثلهم من أصحاب السيادة التونسية فى الوطن (الناس)، لكنها تاهت فى ضجيج المتكالبين على صدارة المشهد وفى مقدمتهم جناح التنظيم الإخوانى الدولى فى تونس (النهضة)، إذ بادر الأكثر تنظيمًا إلى مواقع التصدر فى مشهد الإرث الإدارى لتركة بن علي، إنها اللحظة الفارقة التى يتحوَّل فيها مسار (ثورة) الشعب إلى (ثورة المُنَظمين) سابقًا، وحين يكونون ممن يدعون امتلاك المرجعية الدينية فإنهم يصوغون مشهد مطالب عموم الناس بحقوق الحياة الأساسية باعتباره مشهدا لتمكين (مشروع رباني) مُخالفته مناقضةً لما أمر به مالك المُلك وخروجًا عما نصت عليه الشرائع، الأمر الذى يجعل تثبت (التمكين) أولوية لا تسبقها أية أولوية لدى عموم أصحاب السيادة الذين يتحولون بدورهم من هكذا مكانة للمواطن فى الوطن إلى مواقع الجند فى التنظيم الذين عليهم أن يسمعوا ويطيعوا حتى وإنْ وُليَّ عليهم (راشد الغنوشى أو عبد الفتاح مورو)!، وحين تتحرك كتلة مثل هكذا كُتلة بكل نهمها للحكم فإنها بالتأكيد تستفز عموم مكونات الواقع السياسى–الديكورية أصلًا-والتى تتحرك بدورها للحاق بأى نصيب من كعكات ارث بن على سواء تحالفً مع التمكين او مُعارضة له، وهكذا يجد أصحاب السيادة فى تونس أنفسهم يُصارعون على مدى أيامهم أوجاعًا تتصاعد بفعل أسباب حريق بو عزيزى ومُضاعفاتها التى كابدها خلال 18 يوما حتى لقى ربه شاكيا مُر ظلم المتصدرين.

إن تجربة السنوات العشر لمشروع (التمكين) فى تونس والتى تُحاول أن توارى سوءاتها حاليًا، ليستْ أزمتها فى دستورية قرارات الرئيس قيس سعيد أو عدمها، فالغنوشى وإخوانُه على قناعةٍ تامة بأنهم لو استبقوا الرئيس بهكذا قرارات لوجدوا لها مخارجها، وحين جاءت هكذا قرارات وأفدح من حلفائهم ــ غزة وتركياــ باركوها، لكن أزمتها الحقيقية فى أنها جردت مشروع التمكين من كل شعارات المتاجرة بالمواطن، ووضعتْ الغنوشى وتنظيمه على نفس العتبة التى وقف عليها بن على معتذرًا لـ «البو عزيزى» ولا أحسبه قبل الاعتذار فى الحالتين (بو عزيزى لمَّا اتحرق، لَمْ حَدْ قام طَفَّاهْ -وفـْ كُلْ لَحْظَهْ الحَريقْ، يَاكُلْ حِكايْتُه مَعَاه-يِطْرَحْ رَمَادْ روايات، عَنْ اللِّى ضَلْ خُطَاه -بو عَزيزى أصلًا كَفَر .. بالظلم واللى نشاه)، إنها الإجابة الأكيدة فى تونس وغيرها (الشعوب) لعلنا نتذكر؟.


لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى

رابط دائم: