رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المجتمع المدنى التونسى ودوره فى الأزمة الراهنة

ثمة أسباب جوهرية تجعل التساؤل حول دور منظمات المجتمع المدنى فى الأزمة الشاملة التى تمر بها تونس حاليا مشروعا. أولا، لأن هذه المنظمات -وعلى وجه التحديد تلك الناشطة فى مجال حقوق الإنسان- كانت أداة رئيسية فى التعبئة ضد نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن على فى نهاية عام 2010. كما أنها، باعتراف الناشط التونسى عبد الباسط بن حسن -رئيس المعهد العربى لحقوق الإنسان- كانت قد احتلت 60% من مجموع مقاعد البرلمان الأول للثورة، وهو ما يعنى أن نشطاء هذه المنظمات كانوا هم من أداروا المرحلة الأولى التى أعقبت سقوط بن علي، فى ظل تمتعهم بحريات واسعة وغير مسبوقة، الأمر الذى لا يترك مجالا لإعفائهم من مسئولية ما آلت إليه الأوضاع التونسية، حتى اضطر الرئيس قيس سعيّد للتدخل بقرارات استثنائية لحماية الدولة من الانهيار الشامل.

ثانيا، أن أغلب هذه المنظمات تعمدت تأخير رد فعلها على قرار الرئيس بتجميد البرلمان وإقالة الحكومة، حتى تأكدت أن الشارع التونسى يقف خلف الرئيس، وبالتالى جاء البيان الصادر عنها لاحقا بمثابة إعلان ضمنى بشرعية القرارات التى اتخذها الأخير، حتى وإن حذّرت من تجاوز فترة الشهر التى قررها لتطبيق خطته لإنقاذ البلاد.

ثالثا، رغم محاولات تصوير موقف هذه المنظمات على أنه مماثل لموقف أهم منظمة من منظمات المجتمع المدنى (الاتحاد العام للشغل)، والتى طلبت من الرئيس تعهدا بعدم تمديد فترة تطبيق الإجراءات الاستثنائية، إلا أن الفارق كان كبيرا بين الموقفين. فالاتحاد العام للشغل كان قد أصدر بيانا واضحا أكد فيه دستورية القرارات التى اتخذها الرئيس واستثنى منها فقط قرار توليه منصب النائب العام فى هذه الفترة، بينما كانت هذه المنظمات تتفادى بشكل واضح الاعتراف بشرعية القرارات المذكورة.

رابعا، تشير عدة تقارير حكومية تونسية منذ عام 2017 إلى وجود حالة من عدم الشفافية من جانب هذه المنظمات فيما يتعلق بمصادر وحجم تمويلها الخارجى والداخلي، وفيما يخص ارتباطاتها مع أحزاب سياسية فى الداخل وقوى خارجية إقليمية ودولية. وعلى سبيل المثال، ففى التقرير السنوى الحكومى الذى تصدره محكمة المحاسبات تم الكشف عن أن حجم التمويلات الأجنبية التى استفادت بها الجمعيات، وفق المعطيات المتوافرة لديها، بلغت 68 مليون دينار عام 2017، و78 مليون دينار عام 2018 فى وقت لم تلتزم 566 جمعية بإعلام الكتابة العامة للحكومة بتلقيها تمويلات أجنبية المصدر.

أجندات متباينة

وتبين مثل هذه التقارير أن المنظمات الحقوقية وتلك التى تدافع عن الديمقراطية أو تنشط فى مكافحة الفساد كما تدعي، قد باتت تشكل جماعة مصالح تجد أن الدولة القوية خطر بالغ عليها، خاصة مع تهديد الرئيس قيس سعيّد بفضح الفساد ومن يقفون وراءه، ومن ثم فإنه على حين أن منظمات المجتمع المدنى فى النموذج الأوروبى تخطط أنشطتها وتوجهاتها لتتكامل مع الدولة من أجل خدمة المجتمع، ولا تستهدف الخصم من قوة الدولة أو سيادتها، فإن أغلب المنظمات الحقوقية وتلك التى تدعى الدفاع عن الديمقراطية والنزاهة، تحولت فى الحالة التونسية إلى وسيلة لإضعاف الدولة لضمان الحفاظ على مصالحها حتى لو تناقضت هذه المصالح مع المصالح الوطنية.

إن الأزمة الراهنة فى تونس تتحمل جزءا كبيرا منها المنظمات العاملة فى مجال حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية، لأنها تجاهلت عن عمد حقيقة أن الشارع التونسى لم يقف خلفها عندما دعت لإسقاط نظام بن علي، إلا لأن المواطن التونسى المنتمى للطبقة المتوسطة والفقيرة كان يأمل أن تؤدى الإطاحة ببن على إلى تحسين أوضاعه الحياتية، وكان من قادوا الشارع فى ذلك الوقت قد أسرفوا فى تصوير فساد نظام بن على وبالغوا فى حجم الوعود التى أطلقوها بجعل الأوضاع الاقتصادية أفضل حالا، ولكن بعد عشر سنوات من سقوط بن على يعترف الكثير من التقارير الصحفية والرسمية فى البلدان الأوروبية التى كانت تؤيد الثورة التونسية منذ بدايتها بأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية قد باتت أسوأ مما كانت عليه، بل إن بعض هذه التقارير استندت لاستطلاعات رأى فى العام الماضى أشارت إلى أن ما يزيد على ثلثى الشعب التونسى يرون أن حياتهم تبدو أسوأ مما كانت عليه قبل عشرة أعوام.

صراع مصالح

لقد أدرك المجتمع التونسى مدى الخدعة التى تعرض لها، فقد كان حشدهم ضد بن على لأسباب تتعلق بالصراع على السلطة بين جماعات مصالح قديمة وتقليدية، وبين جماعات المصالح الجديدة التى تتشكل من تيارات كانت مطاردة فى عهد بن على لأنها تتبنى العنف والإرهاب منهجا (حزب النهضة)، ومن الجماعات الحقوقية المغتربة عن ثقافة مجتمعها والتى وجدت فى التمويل الأجنبى والارتباط بالقوى الدولية والإقليمية ما يحقق لها الفرصة فى المشاركة فى الثروة والسلطة.

وفِى الناتج الأخير، فإن تراجع شعبية حزب النهضة فى الشارع التونسى سيتبعه بالضرورة تساؤل عن دور منظمات المجتمع المدنى فى المرحلة المقبلة، وكيف سيكون عليه هذا الدور بعد انكشاف حقيقة مساهمتهم فى صنع الأزمة بسبب تحولهم لجماعة مصالح مكتملة الأركان؟

ولذلك ستسعى هذه المنظمات بقوة للتعاون مع أى طرف يساعدها على منع الرئيس سعيّد من تطبيق خطته لفتح ملفات الفساد تحت حجة أنها تسعى لمنع تجميع السلطات فى يد شخص الرئيس، وهو ما تؤكده تحركات حزب النهضة الذى ابتلع تهديده بإنزال مؤيديه للشارع لوأد الانقلاب، وأصبح يدعو للحوار وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة.

ومن المتوقع أن تحذو المنظمات الحقوقية حذو النهضة فى الاتجاه نفسه، ولكن هل سيقبل الرئيس سعيّد ذلك والأهم هل سيدعم الشارع التونسى مثل هذا المطلب؟

فى كل الأحوال، فإن جميع المسارات لا تمنح النهضة وحلفاءها من منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الناشطة فى مجال نشر الديمقراطية، فرصة حقيقية لتحسين صورتها فى أعين المجتمع التونسي، وقد تظهِر نتائج الانتخابات المبكرة -إذا ما أجريت بالفعل- حقيقة تراجع التيارين معا، وربما يعود الرئيس أقوى ومؤيدا بشكل أكبر من الشارع فى مثل هذه الانتخابات، أو يمنح الشارع تفويضه للرئيس لتمديد فترة تطبيق الإجراءات الاستثنائية بهدف محاصرة الفساد ومحاكمة قيادات جماعات المصالح الجديدة.


لمزيد من مقالات سعيد عكاشة

رابط دائم: