تابع المصريون خلال السنوات القليلة الماضية بعض الحوادث والجرائم التي وقعت في بعض الجامعات، وهي وإن جاءت أحداثًا فردية، في الأغلب الأعم، إلا أنها مثلت صدمة للمجتمع والمواطنين، لما يحمله المواطنون من احترام وتقدير لدور الجامعة ورسالة أساتذتها، تعبيرًا عن الإيمان بقيمة العلم ومكانة العلماء في أي مجتمع.
ربما من أحدث تلك الحوادث واقعة ممارسة التمييز والتنمر ضد إحدى الطالبات داخل جامعة طنطا من قبل بعض الموظفين. تشير الرواية التي تداولتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي أطلقت عليها حادثة فتاة الفستان، أن طالبة ذهبت لتأدية الامتحان وهي ترتدي فستانًا، الأمر الذي أثار استغراب المراقبين واستياءهم، وسألوها: هل نسيتي ارتداء البنطلون؟! كما سألوها عن المدينة التي أتت منها، فلما عرفوا أنها من الإسكندرية، قالوا: هما الإسكندرانية كده!، مع دعوات من نوع ربنا يهديكي!! حين علموا من بطاقة الرقم القومي الخاصة بالفتاة أنها كانت محجبة في السابق ثم خلعت الحجاب! وفي لقاء تليفزيوني عبر الهاتف تحاور الإعلامي عمرو أديب مع الفتاة، وسألها: كانوا عايزينك تلبسي بنطلون تحت الفستان؟!، فاجأتنا الطالبة بواقعة سابقة، حيث قالت: حضرت للجامعة منذ فترة وكنت أرتدي بنطلونا واسعًا ولكني سمعت من يقول لي: رايحة فين يا قطة؟!.
وإذا كنا نعتقد أن الجامعات ومعاهد التعليم هي من بين مؤسسات التنشئة الاجتماعية المسئولة عن ترسيخ منظومة القيم وتشكيل الهوية وبناء الوعي بالذات والآخرين، ففي تقديري أن الجامعة ساحة للتثقيف والتنوير تقوم بمجموعة أدوار مهمة، داخل أسوار الجامعة وخارجها أيضًا، فهي في الداخل تساهم في بناء عقول الشباب وتنمية مهاراتهم المعرفية والذهنية والمهنية وتهذيبهم أخلاقيًا، وتنمية الذوق العام والارتقاء باختيارات الشباب، وتطوير قدراتهم البحثية، بالإضافة إلى إعدادهم لمتطلبات سوق العمل الذي يتسم بالمنافسة والتغيرات المستمرة. وفي الخارج فإن الجامعة بيت خبرة للمجتمع المحلي، تُساهم في خدمته مع غيرها من مؤسسات المجتمع، ومن ذلك مثلًا مساهمات كليات الطب والهندسة والزراعة والآداب وغيرها، ففي كل كلية/ معهد توجد وحدة لخدمة المجتمع تعنى بالمشاركة المجتمعية.
عندما كنت طالبًا فى جامعة القاهرة حضرت الندوات الفكرية والملتقيات الأدبية والاحتفالات الفنية، إضافة إلى المؤتمرات والفعاليات العلمية، وفي قاعاتها ومدرجاتها التقينا عددًا من نجوم الصحافة والإعلام والسياسة والفكر والفن، ودائمًا ما كنا نتذكر رواد العمل الجامعي من حيث رؤاهم التنويرية ومواقفهم الوطنية، وفي المعهد العلمي الذي أعمل به نمارس مع الطلاب الكثير من الأنشطة الثقافية والعلمية والاجتماعية والفنية والرياضية والكشفية..، آملين أن تنعكس بالإيجاب على شخصياتهم، بما يعود عليهم بالنفع وعلى المجتمع بالخير.
هكذا يتمحور الدور الرئيس للجامعة في تقديري حول المساهمة في بناء الإنسان، بالاشتراك مع مؤسسات المجتمع، الحكومية وغير الحكومية، بهدف الوصول إلى شخصية متكاملة ثقافيًا واجتماعيًا ونفسيًا وجسديًا، ما يُساهم في تخريج شخصيات سوية، مواطنين صالحين وأصحاء، يُشاركون في تنمية المجتمع وتطويره.
في هذا الإطار أقترح بعض الأفكار للنهوض بالتعليم الجامعي، تنبثق من رؤية مصر 2030م وأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، باعتبارها دعوة عالمية للقضاء على بعض المشكلات مثل الفقر والجهل وحماية كوكب الأرض وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والخير والازدهار، عبر عدة محاور تتناول أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة والإداريين والعمال والطلاب، والمناهج والأنشطة، من خلال الاهتمام بعقد الدورات التدريبية والتثقيفية لكل أطراف العملية التعليمية؛ مع الاهتمام بإدراج منهج المواطنة وحقوق الإنسان في مناهج الدراسة بالجامعات الحكومية والخاصة؛ والإسراع في تعميم المبادرة الخاصة بتأسيس وحدة مناهضة العنف ضد المرأة في الكليات والمعاهد؛ وتفعيل صندوق الشكاوى وفحصها والبحث فيها وسرعة الرد عليها؛ تشديد العقوبات وتغليظها على كل من يمارس التمييز والتنمر وكل من يشارك في إنتاج خطاب الكراهية.
لمزيد من مقالات د. رامى عطا صديق رابط دائم: