رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ملك

عادل سعد;

تعودت أن أحتضنها وأخبئها من برد الشتاء داخل الروب الصوف لنصبح جسدا واحدا وفى خلال دقائق ينبعث من جسمها دفء جميل وتنام بعمق ويدها الصغيرة تربت على كتفى.

طفلتى الوحيدة ملك صار عمرها الآن ست سنوات.

زمان كنت أخاف عليها أن تصبح مريضة بحب أبيها، وكثيرا ما انتبهت من النوم فى وقت متأخر من الليل لأراها ساهرة تتأمل قسمات وجهى.

وكانت تبكى فى الحمام مع أمها لأن الصابون يحرق عينيها، وعندما تستحم معى تنطلق ضحكاتها المرحة وهى تقفز وسط فيضان مياه البانيو ومطاردة فقاقيع الصابون التى نطلقها فى الهواء بينما أمها تطرق الباب لأن أصواتنا الصاخبة وصلت إلى آخر الجيران.

كانت عندنا أغنيات خاصة وعندما يزمجر صوت الرعد وتكفهر السحب نغنى للسماء كى تمطر مربى من أجل العصافير الصغيرة،ولما دخلنا مغارة على بابا كنسناها من الياقوت والذهب والمرجان بناء على رغبة ملك وعندما وقفت على مسرح المدرسة لتحكى القصة قالت إن على بابا قال للمغارة: افتح يا سمسم، ووجد بداخلها شيكولاته وآيس كريم ولبانا فصاح بعد أن تذوق لبانة لذيذة: أحمدك يارب، وضج الحاضرون بالضحك.

كانت كل صباح تضع بعض حبات الأرز على الشباك أمام شلة عصافير تخاف من الاقتراب باستثناء عصفورتها الصغيرة التى تهبط فى شجاعة لتلتقط الحب وهى تنظر إلى ملك من خلف الزجاج، أحيانا كانت ملك تنسى وكانت العصفورة تتشبث بالشباك المقفول وتنقر على الزجاج وكأنها تسأل عنها فنصيح فى نفس واحد: حاضر،وتطلب منها ملك أن تبتعد لتضع الأرز ثم تقف على مقربة من الشباك لتشاهد عصفورتها الأثيرة تلتقط الحب وتزقزق وسط دهشة كل العصافير.

ذات يوم اخترقت العصفورة الحاجز ودخلت المطبخ،وأصيبت ملك بالذهول وكان عليَّ إقناعها خلال ثوان معدودة بأن نتركها تطير لأن عصافير النيل تموت فى الحبس وهى مصرة أن عصفورتها حضرت لزيارتها وأنها سوف تلعب معها ولن تؤذيها، كانت العصفورة الصغيرة قد تعبت من الدوران فوقفت لاهثة، وعندما رأتها ملك قالت باكية: افتح لها يا بابا،

مر الآن عامان لم أشاهد خلالهما ملك.

كانت آخر مرة رأيتها فيها بعد أن بحثت عنها فى كل مكان،فى المدرسة، عقب انفصالنا أنا ووالدتها، بستة أشهر،توقعت أن تقفز صائحة: بابا، لكنها كانت واقفة هناك، ترتعش، انتظرت أن تقترب، وقالت أبلة الفصل: هذا بابا يا ملك،لكنها انكمشت، سألتها: خائفة؟ أطرقت، قلت:هل قالوا لك إننى سأضربك وأختطفك وأن بابا مجرم؟ هزت رأسها وهى تذوب حسرة من بعيد.

لم ألمسها، وخرجت من المدرسة منهارا،وقبل أن أودّعها قلت لها إن العصفورة كبرت، ومازالت تعود بين الحين والآخر لتنقر الزجاج.

نصحتنى المحامية بأن أقيم دعوى قضائية لرؤية صغيرتى ملك بعد أن غابت أمها من مقر عملها وانتقلت من السكن واختفت ملك من المدرسة0

ظلت الدعوى القضائية تلف 365 يوما كنت خلالها لا أملك إلا أن أبحث عنها فى وجوه الأطفال العابرين فى الشوارع.

خلال هذه الفترة كانت المحكمة تؤجل الحكم لعرض الصلح على الأم برغم أنها لم تحضر ولا مرة واحدة إلى أن صدر الحكم بأن أراها مرة واحدة كل أسبوع فى حديقة الطفل.

ذهبت فى الموعد وظللت أربع ساعات كاملة أراقب الباب ولم تحضر ملك.

قضيت شهرين صادقت خلالهما بواب الحديقة وأشجارها وغربانها وعصافيرها ونملها ولم تحضر ملك، نصحنى أحد أصحاب الخبرة بأن أستدعى شرطة النجدة لإثبات الحالة.

وأقمت دعوى قضائية أخرى لإسقاط الحضانة عن الأم لأنها تمنعنى من رؤية ملك.

لن يصدر حكم فى هذه القضية قبل مرور عام آخر.

وحتى لو صدر الحكم لصالحى – تقول المحامية – فإن حضانة طفلتى ملك ستنتقل لجدتها لأمها وبرغم أن عمرها 90 عاما ومريضة بكل أمراض الشيخوخة فإن إسقاط الحضانة عنها هى الأخرى سيستغرق على الأقل عامين، وبعدها تنتقل الحضانة لإحدى خالاتها، ولملك خمس خالات ولكى أسقط الحضانة عنهن الواحدة تلو الأخرى فإننى لن أراها قبل خمسة عشر عاما على الأقل، وعندها قد تنتقل الحضانة لإحدى عماتها لأراها قبل أن أموت.

مات أبى دون أن يرى حفيدته الأثيرة وحُرم من أن يضحك حتى تصفو روحه، وهو يستعيدها حكاية آكل البشر عملاق الجزيرة الأعور وكيف قتله السندباد.

وكانت شقيقتى الكبرى على فراش موتها تسأل عن هاتف أم ملك لكى تقنعها بأن الانفصال أمر يخصنا وحدنا لكن من حقها رؤية ملك إلى أن رحلت عن الدنيا.

يقولون إن فى مجلس الشعب قانونا روجع من الأزهر والجهات القانونية والدستورية ومنذ خمس سنوات ينتظر التصديق عليه يسمح للأب بأن يستضيف أولاده مرة فى الأسبوع وأن يرى الجد أحفاده.

لقد مات أبى ولن يفيده القانون ولا صدوره، وفى كل يوم أموت كمداعلى طفلتى التى فقدتها بغباء القوانين، وأشعر بالحسرة لأنها تعيش وسط من يقتلون روحها، ولا أتمكن حتى من حمايتها.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق